الأربعاء، 17 أغسطس 2011

شبح مكارثي






١٧ أغسطس ٢٠١١


لو سألني أحد عن كلمة العام، أهم كلمة لعام 2011 في البحرين، الكلمة التي تصف واقعنا السياسي، فسأقول بكل أريحية كلمة “المكارثية”. ولأنني أخذت عهداً على نفسي أن يكون عمودي دوماً مفهوماً وبعيداً عن التعالي عبر استخدام المصطلحات التي لا يفهمها عامة الناس الذين أنتمي أنا إليهم. بسبب هذا العهد أدرج الشرح الموجود في موسوعة ويكيبيديا لهذه الكلمة الذي يقول:
“هي الممارسة التي تقوم على اتهام الناس بوجود صلة تربطهم بالمنظمات الشيوعية دون اثباتات كافية تدعم الادعاء. وقد دعيَت باسم جوزف مكارثي وهو سناتور جمهوري عن ولاية وِسْكونْسِن الأميركية.
ادّعى مكارثي عام 1950 في أوج الحرب الباردة أن 205 أشخاص من موظفي وزارة الخارجية الأميركية هم من المتعاطفين مع الشيوعية وأن 57 آخرين أعضاء في الحزب الشيوعي، تبعت هذا الإعلان حملة هدفها إضعاف الثقة في أعضاء بارزين في الحزب الديمقراطي ومنهم شخصيات محترمة جداً مثل دين اكسون وجورج مارشال. وعندما أصبح رئيساً للجنة الفرعية الدائمة للتحقيق (1953) تكثفت هجماته فوجّه اتهامات بحق وزير الحربية، روبرت ستيفنز، والعديد من المثقفين والرسميين، أدّت نشاطاته إلى خلق “لوائح سوداء” وتم القضاء على الحياة المهنية للعديد من الناس. أخيراً، وبعد أن دان مجلس الشيوخ نشاطاته في 1954، هاجم مكارثي الرئيس أيزنهاور ولكن عندها كانت قد ضعفت الثقة بحملته. يستخدم هذا المصطلح حالياً عندما يقوم شخص ما أو جهة بترهيب الأشخاص ثقافياً. – انتهى الاقتباس.
أعتقد أن هذا يذكرنا بالمحاكمات الإعلامية التي حصلت لمسؤولين بارزين في البحرين وشملت منهم من لم يقض في مؤسسته آنذاك أكثر من أسبوع. كان ظهور شخص ما في الإعلام نذير شؤم على مستقبله المهني وسمعته وربما أمنه الشخصي بعد كل ما يناله من التشهير بالصوت والصورة.
ولعل ذلك لم يبدأ في عامنا هذا، ففي سبتمبر من العام الماضي 2010 كتبت مقالاً بعنوان “لغة التخوين والكراهية في الصحف” وأشرت حينها إلى اللغة التي تستخدمها بعض صحفنا بحق شخصيات معروفة وجمعيات مرخصة. وقلت حينها بالحرف الواحد “إن هيئة الإعلام مطالبة بموقف من سباب الجرائد كما وقفت وزارات سابقة ضد سباب المنتديات. وأن لا يستغل مناخ الحرية في البلد ضد أبناء البلد. وأن لا تستغل المساحة المخصصة لشجب التخريب لتستخدم في التخوين وكيل الاتهامات ومهاجمة الأفراد وصناعة الكراهية”.
ثم كتبت في نفس الشهر مقالا بعنوان “هذا الموقع محظور” داعياً إلى إغلاق أحد أهم المنتديات الفتنوية، إلا أن الكلام ذهب أدراج الرياح، رغم إبداء الجهة المسؤولة اهتمامها آنذاك بعد مقال “هل انقشعت الغبرة”.
ولا يحسب أحد أن تكراري الكثير لهذا الموضوع هو تكرار أجوف بقدر ما أنني مازلت أحاول مع كثير من مخلصي البلد تعليق الجرس في رقبة القط “قط الشقاق والفرقة” الذي كان بعض الجهلة يسعون لإيقاظه ولعلهم أفلحوا.
ثم ان المكارثية لم تقتصر على بعض من يدعون الموالاة بل تجاوزتهم إلى بعض متطرفي المعارضة، إذ يقول أحدهم مغرداً “إن من تسول له نفسه الترشح للانتخابات التكميلية عليه أن يعلم أنه يخون شعبه ويساهم في استمرار الدكتاتورية والاستبداد”. بالله عليكم أي تعددية أو ديمقراطية يسعى لها من يحجر على غيره أبسط حقوق التعبير، وكأنما صارت آراؤه وتوجهاته قرآناً منزلاً، فصار من يخالفه خائنا وعميلاً، وكأنه خالف إحدى المسلمات التي لا مناص منها. هذا ورؤيته في المقاطعة لم يعرفها مريدوه إلا بعد أن أعلنها متأخراً.
الطريف أنني سألت أحدهم قبيل إعلان الموقف من الانتخابات التكميلية عن ذلك الموقف المرتقب فهز رأسه غير عارف بما سيحصل. فاكتفيت بأن أخبرته أنكم إن شاركتم فمن ينافسكم خائن وإن امتنعتم فمن شارك دونكم خائن. ولعمري هل صار المتقدم لهم مارق والمتأخر عنهم زاهق؟ إنها العصمة إذا ولا ريب.
أقول انني ضد منطق التخوين أياً كان من ينطق به، وضد منطق احتكار الوطنية أياً كان المتشدق به، وضد تقسيم الوطن أو تضييع سيادته، وضد أن يكون صوت الوسطية والعقلانية ضائعاً بين متطرفي المكارثية من كل فريق.

آخر الوحي:
فنحن برغم خلافاتنا
ضعيفان في وجه أقدارنا
شبيهان في كل أطوارنا
دفاترنا.. لون أوراقنا
وشكل يدينا.. وأفكارنا
فحتى نقوش ستاراتنا
وحتى اختيار اسطواناتنا
دليل عميق
على أننا
رفيقا مصير.. رفيقا طريق
برغم جميع حماقاتنا

“نزار قباني”

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق