٢١ أغسطس ٢٠١١
حياة حافلة تهيأت لهذا الرجل العظيم الذي شاء الله له أن تكون حياته صدر الإسلام وعمر النبوة والخلافة إلا بضعة أشهر هي خلافة ابنه الحسن الذي قال عنه كما في نهج البلاغة “ووجدتك بعضي بل وجدتك كلي، حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني، وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي”. فقد تربى في حجر أشرف الخلق، ونهل من عظيم خلقه، وعاش في كنف رأفته ورحمته، وتشرب صدقه وأمانته.
أدرك الإسلام صبياً فكان أول المسلمين، وكان الحامي عن رسول الله صلى الله عليه وآله مذ ذاك، وكان صبيان مكة يفرون منه صغاراً، وأحسبهم فروا من سيفه كباراً. كان قربه من خاتم الأنبياء بالدرجة التي يصفها بقوله: “وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضَعَني في حجْره وأنا وليد، يضمُّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويُمسُّني جسده، ويُشمُّني عُرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه”.
وبعد أن حان وقت الهجرة كان الفادي للمصطفى صلى الله عليه و آله وسلم حيث بات في فراشه وقد علم بما تنتويه قريش من الغيلة في تلك الليلة. حتى روى ابن الأثير في أسد الغابة “فأوحى الله إلى جبريل وميكائيل عليهما السلام: إني آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله عز وجل إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب؟ آخيت بينه وبين نبيي محمد، فبات على فراشه يحرسه، يفديه، بنفسه ويؤثره بالحياة، إهبطا إلى الأرض واحفظاه من عدوه، فنزلا، فكان جبريل عند رأس علي، وميكائيل عند رجليه، وجبريل ينادي: بخ بخ، من مثلك يا ابن أبي طالب، يباهي الله عز وجل به الملائكة، فأنزل الله عز وجل على رسوله، وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله * والله رؤوف بالعباد)”.
ثم بعد أن كانت هجرته إلى المدينة، شاء الله أن يجندل عتاة قريش في بدر، وأبطال خيبر وصناديد العرب في باقي الغزوات حتى سمي “قتَال العرب”، فكان فتى الإسلام الأول وفارسه الأوحد، وقد روي عنه أنه قال مرة في سنين خلافته “حتى لقد قالت فريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب، لله أبوهم، وهل أحدٌ منهم أشدّ لها مراساً، وأقدم فيها مقاما مني؟ لقد نهضت بها وما بلغتُ العشرين، وهأنذا قد ذرّفت على الستين”.
من منا يتذكر فيلم الرسالة فلا يذكر منظر سيفه ذو الفقار وهو يجول بين هامات الكفر ورؤوس الطغيان، ومن منا يذكر البلاغة والبيان فلا يجول في نهج البلاغة، ومن يبحث عن الحكمة والموعظة فلا يجدها في أصداء صوته وقلمه.
حين نذكر علياً، فإننا نرى المثال الصادق على التربية القويمة والتنشئة السليمة لمن كان في مقام ابن الرسول، ثم في مقام أخيه وصهره وأبي أسباطه، إن معين المصطفى لا ينضب من الهداية والكمال، وكلما اقترب الإنسان منه كان له النصيب الأوفر والفرصة الأقرب لينهل منه فيسمو إلى خير مراتب الدنيا والآخرة.
السلام على شهيد المحراب يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
آخر الوحي:
أَلاَ فَاصْبِرْ على الحَدَثِ الجَلِيْلِ
وَدَاوِ جِوَاكَ بالصَّبْرِ الجَميلِ
وَلاَ تَجْزَعْ وإِنْ أَعْسَرْتَ يوما
فقد أيسرت في الزمن الطويل
ولا تَيْأَسْ فإِنَّ اليَأْسَ كُفْرٌ
لَعَلَّ اللَه يُغنِي مِنْ قليلِ
ولا تَظْنُنْ بِرَبِّكَ غير خَيْرٍ
فَإِنَّ اللَه أُوْلَى بالجميل
وأن العسر يتبعه يسارٌ
وقول الله أصدق كل قيل
فَلَو أَنَّ العُقُولَ تجرُّ رزقا
لكان الرِّزْقُ عِنْدَ ذَوي العُقول
وكم مِنْ مُؤْمِنٍ قَدْ جَاعَ يَوْما
سيروي من رحيق سلسبيل
منسوب إلى أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق