١١ سبتمبر ٢٠١١
في آخر إصدارات ويكيليكس التي نشرت في نهاية أغسطس من العام الجاري وثيقة تمثل تقريراً أرسلته السفارة الأميركية في المنامة إلى العاصمة الأميركية واشنطن في يوليو 2009. هذه الوثيقة تتحدث حول توجهات المعارضة البحرينية والتزامها بالمعارضة السلمية عبر المؤسسات الدستورية.
وضمن نفس الوثيقة إشارة جانبية تقول “ملاحظة: بعد سلسلة من الاحتجاجات وحرق الإطارات في منطقة جدحفص الحيوية، أصدر السكان بياناً في 20 يوليو يدين أعمال العنف والشغب كأفعال يقوم بها دخلاء لهم أجنداتهم الخاصة” ينتهي النص هنا وسنكتفي بمضمونه عن الذهاب للنص الأصلي في موضوعنا.
وبيت القصيد في موضوعنا أن العالم وويكيليكس وقبلهما واشنطن وسفارتها في المنامة يعلمون بوجود تيار في البحرين يرفض أعمال الشغب والمواجهات بأشكالها المختلفة في منطقة جدحفص. أما أهل البحرين فيعرفون أن جدحفص تمثل رمزية لهذا التوجه الذي يعتبر التيار الديني المحافظ أو التقليدي، ويشمل شخصيات ومجاميع في عدد من مناطق البحرين كانوا دوماً يرفضون المواجهة بين الناس والحكومة بأي شكل من الأشكال ويؤمنون بالرفق كمنهج للوصول إلى الإصلاح من التغيير والتطوير في بلادهم.
ورغم أن من ينهجون هذا المنهج - الذي سنسميه فيما بعد منهج الاعتدال - لا يستنكفون من تسميته بالمدرسة القديمة، إلا أن رؤيته للعمل الاجتماعي والحراك السياسي ليست جامدة بل ان له من الواقعية والقراءة الدقيقة للمشهد السياسي - كما سنوضح لاحقاً - أكثر من بعض الآخرين الذين يتلمسون أفقهم السياسي عبر التجربة والخطأ حتى فيما هم مقتنعون به بل تكون كثير من تحركاتهم نزولاً عند رغبة الشارع.
وقد يكون من المتوقع أن يأخذ هذا المنهج مساحة أقل من الجمهور من المناهج الأخرى بوصفه لا يعتمد على المجاميع ويرفض الحزبية بقدر ما يترك للفرد حريته الفكرية ويحترم قناعاته. إلا أنه من المتوقع أيضاً أن تنتقل قناعاته تدريجياً كالعدوى للآخرين باعتبار هذه القناعات مأخوذة من روح الشريعة التي هي عين ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. نأخذ من هذه القناعات قناعة نبذ العنف وقناعة المشاركة والإصلاح من الداخل وقناعة التواصل مع الآخر بدل الاعتزال وقناعة حرية الرأي إلى حد ما. والقائمة ستطول أكثر لوقدر لمنهج الإعتدال أن يبقى منه شئ.
رغم صغر هذه المساحة جماهيرياً إلا أن هذا المنهج كان له حضوره إلى درجة أنه كان يعتبر في تأثيره خطاً موازياً لخط المعارضة والذي كان يفترق عن خط المعارضة في المعيشيات من حيث أسلوب المطالبة وفي السياسيات من حيث رفض المطالبة بتشريع البشر وفي التحالفات بإعتزاله التيار اللاديني (ما يسمى اليوم بالتيار الديموقراطي). وفي التسعينات كانت المعارضة تبذل من الجهد لمناجزة هذا الفكر وأصحابه بمقدار ما تبذل تجاه تحقيق مطالبها وفي بعض الفترات كانت أقسى معه منها مع الدولة.
في ظل الأزمة السابقة، تساءل بعض الكتاب والسياسيين عن دور هذا المنهج المعتدل وعدم حضوره المؤثر في الساحة، ولتقلص حضوره أسباب نسرد منها في هذه العجالة: غياب العنف من سلوك المعارضة طيلة الشهر الذي يمثل جوهر الأزمة قبل قانون السلامة الوطنية. الإحباط الذي انتشر في صفوف الكثيرين من بطء التنمية مما سبب تغير القناعات حول جدوى العمل لتحقيق التنمية. التأثير للإعلام الذي صعب مهمة الداعين للحوار. وأضيف إلى كل ذلك عدم الدعم الكافي لمنهج الاعتدال عبر التعاطي الإيجابي معه خصوصاً حين أثبتت التجربة قدرة الدولة على التعامل إيجابياً مع بعض التجمعات.
أترككم مع مقطع يبين النظرة الواقعية الثاقبة لأحد أهم رواد منهج الاعتدال في التسعينات.
آخر الوحي:
وإذا جئنا إلى البحرين خاصة في هذه الظروف نجد أن الدولة - وليسمح لي رجال الدولة أن أقول ذلك - انهم لا يستطيعون أن يتخطوا عقبة مجلس التعاون الخليجي بكل ما فيه من ثقل وبكل ما تحتاجه البحرين من دعم لبعض القضايا الحدودية والخارجية من بعض دول هذا المجلس وأيضا من تأثير بعض هذه الدول على الاقتصاد في البحرين تأثيرا كبيرا مما يجعل إمكانية تحقيق المطلب في الظرف الحاضر وما لم نعمل على تلافي هذه العقبة الكأداء وتنمية الاقتصاد وتهيئة سبل العيش الذي يمكننا من اتخاذ القرار بحرية أمرا ممكنا، لذلك فإن طرح هذا المطلب من دون دراسة هذه الأمور على أقل تقدير يكون مشغلة للوقت وتضييعا للفرصة بدل المطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية للشعب، وبدل المطالبة بمزيد من الحريات للشعب وبدل المطالبة بمزيد من المساواة للشعب. وهذه الأولويات كلها ستتعطل إذا نحن بقينا مصرين أو طرحنا هذا المطلب الذي نعلم من وجود العقبات الكأداء الشديدة في طريق تحقيقه. وإن تذليل هذه العقبات يحتاج إلى وقت طويل وإلى جهد كبير وإذا لم نعمل على تذليلها فلن تذلل وطريق تذليل هذه العقبات إنما هوالعمل على توفير الظروف المعيشية الصحيحة للناس.
الشيخ سليمان المدني 23 أكتوبر 1995
“موقفنا من الحياة النيابية 2”
نعم يجب مراعات الظروف المحيطة بالبحرين من إنتمائها لمجلس التعاون الخليجي سياسياً و إقتصادياً لكن في إطار مصلحة الناس و رفع الحرامان عنهم و دفع الظلم عنهم بالقول و الفعل و عدم الإنتقائية في إصدار البيانات ضد جهة و جهة أخرى لاتصدر بحقها البيانات وكما قال الإمام علي عليه السلام :(ووالله لأسلّمنّ ما سلمت أمور المسلمين)، و لا يمكن الحديث بالرفق مع سلطة تنتهج الظلم و الإقصاء و إنتهاك الحرمات نظاماً غير قابل للتغير ، و من هنا علينا مواجهة السلطة بما يقتضية الأمر من نزول إلى الشارع أو بيانات أو أي تحركات أخرى تؤدي إلى تعريف السلطة بالمنهج الخاطأ الذي تسير عليه - و بالأخص إذا تم المساس بعزة و دين هذا الشعب - وبشكل حضاري لا يمس السلم الأهلي و أمن المجتمع وصولاً للإصلاح المنشود، فطلب الإصلاح حق مشروع عقلاً و ديناً و تكفله كل الشرائع السماوية و الإنسانية حتى ولو تم تقديم التضحيات الجسام في سبيله كما فعل الإمام الحسين عليه السلام .
ردحذف