الأربعاء ٧ ديسمبر ٢٠١١
إحياء ذكرى فاجعة الطف بمقتل سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام ليست مبالغة ولا إفراطاً في الحزن كما قد يتبادر إلى أذهان بعض أهل هذا الجيل. هذا الرعيل الذي يرى تقادم الأيام على الحوادث، يغفل عن أن يرى هذه الأحداث في سياقها و تسلسلها، و كيف شكلت انتكاسة في تاريخ الإسلام و موقف نظام الحكم بعد الإسلام مع علم من أعلام أهل بيت النبوة.
فلو عاد المرء بالذاكرة ما بين عامي ٦١ للهجرة إلى أن يصل إلى العام العاشر أو التاسع للهجرة، فسيجد الإمام الحسين في حجر رسول الله صلى الله عليه و آله يشمه و يقبله، و سيسمع عنه مدحاً لا كمدح الجد للحفيد و التحبب إليه، إذا كنا نسلم أن نبي الرحمة لا ينطق عن الهوى بل يبلغ ما يوحى إليه من رب العزة. سنسمع صفة سيد شباب أهل الجنة، و هو مقام يستدعي التوقف و يسترعي الإنتباه، و قد أشرنا إليه في مقال سابق. هذا المقام له مقتضيات و تترتب عليه عدة أمور، و لكن بالتأكيد هو مقام يدل على الفضل. و حيث أن الفضل عند الله لا يكون بالوراثة، فنحن في هذه الحالة أمام أحد أفضل أهل الأرض قاطبة في العمل، و يشمل ذلك المؤمنين من الأولين و الآخرين، لأن الجنة منتهى كل أهل رضوان الله من الأولين و الآخرين و من جميع الملل.
هذا من حيث عظمة صاحب القضية التي نتكلم عنها، فلو أضفنا إلى كونه أفضل أهل دولة الإسلام جميعاً، و ربطنا ذلك بمقتله على يد جيوش هذه الدولة. حقيقة هو حادث يجعل الحليم حيران، فليس من المعقول أن تفعل أي دولة في التاريخ ذلك، ربما تكرمه و تقربه، تحاول احتواءه إن كان رأس الدولة على اختلاف معه، و لكن أن يكون ما كان فهو أمر يقتضي وجود مشاعر ثأر يعمي عن حقائق الأمور ثم يجب أن يكون كل من أمر و باشر و هيأ لهذا الأمر بمجمله و تفاصيله على طريقة أخرى لا تعرف مقام الحسين في السماء ولا الأرض.
أما حين نتكلم عن مقام قرب الحسين للنبي و محبته له، فإنه ما جرت مصيبة على قرابة النبي تستحق كل الحزن و الأسى و تستحضر فشل الأمة في أداء حق المودة في القربى للنبي كما حصل في مقتل الإمام الحسين و التمثيل به و سبي نسائه. فلذا كان الحزن لهذه الأمور مواساة لحزن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم الذي بكى في أكثر من موقف لعلمه بما سيجري على ولده الحسين.
يشهد بكل هذا الكلام، ما كان يقابل به الإمام الحسين في زمن الخلفاء واحداً فواحد من احترام و معرفة بقدره عليه السلام، بل استمر الوضع في ذلك إلى أيام معاوية.
فلمثل الحسين و لمثل ما جرى على الحسين و لمثل من في شرف الحسين و فضله و مقامه من رسول الله فليبك الباكون و ليندب النادبون.
السلام على الحسين و على علي بن الحسين و على أولاد الحسين و على أصحاب الحسين.
آخر الوحي:
عثر الدهر ويرجو أن يقالا تربت كفك من راج محالا
اي عذر لك في عاصفة نسفتَ من لكَ قد كانوا الجبالا
فتراجع وتنصّلِ ندماً أو تخادع واطلبِ المكرَ احتيالا
أنزوعاً بعد ما جئت بها تنزع الاكباد بالوجد اشتعالا
قتلت عُذرك إذ أنزلَتها بالذرى من هاشم تدعو نِزالا
فرّغِ الكفَّ فلا أدرى لِمن في جفير الغدر تستبقي النبالا
السيد حيدر الحلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق