الأحد، 18 ديسمبر 2011

الضوء الأحمر







الأحد ١٨ ديسمبر ٢٠١١


في فيلمه المعبر (التجربة) يقدم لنا المخرج باول شورينج تجربة نفسية فريدة حول نشأة السلوك الإنتهاكي عند رجل القانون و مراحل تطوره مقروناً بالأسباب و الظروف. يدور الفيلم حول مجموعة من الأشخاص يتقدمون للإشتراك في تجربة بحثية يحصل المشاركون فيها على مكافأة مجزية في حال نجاحها. يتقدم هؤلاء و آخرون لسلسلة من المقابلات التي يجيبون فيها على الكثير من الأسئلة التي تستقصي طبيعتهم النفسية و مدى ملاءمتهم للإشتراك في التجربة.
يتم اختيار 26 رجلاً للتجربة التي تستغرق 14 يوماً في ظروف مشابهة لظروف السجن و يتم توزيع الأدوار بين المجموعة يكون بعضهم فيها سجانين و البقية سجناء. يلتزم الجميع بمجموعة من القواعد من ضمنها تنفيذ أوامر قائد السجن، النوم في وقت محدد، تناول وجبة الطعام المقدمة بالكامل مهما كانت سيئة، عدم التعدي على السلامة الجسدية لبعضهم البعض، و فيما تخضع جميع الغرف للمراقبة بالكاميرات، فإن ضوءاً أحمر معلقاً في الأسقف يضئ في حالة تجاوز القوانين معلناً انتهاء التجربة و خسارة كل المشاركين.
من ضمن قواعد السجن أن كل إساءة أو أذى يبدر من السجناء نحو سجانيهم يجب أن لا يمر دون عقوبة تأديبية. و رغم كون العلاقة الودية في البداية فإن إصابة أحد السجناء لسجانه عرضياً بالكرة تدمي شفتيه، و رغم علم الجميع أن الإصابة غير مقصودة فإن خوف السجان من الضوء الأحمر يجعله يعاقب السجين المسن بالقيام ببعض التمارين.
و مع تطور الأحداث و قيام بوادر تمرد من السجناء، يبدأ السجانون في تجربة أنواع العقوبات المذلة من تبول على السجين، و غمس لوجهه في المرحاض و حلاقة لشعره، ثم تصل إلى الأذى الجسدي المباشر. حين تخف وطأة خوف السجان من الضوء الأحمر الذي يبدو أنه ليس بالحساسية المتوقعة، و مع تضخم الأنا للمجموعة المكلفة بالعملية، تبدأ النزعات الشخصية و العقد النفسية في إظهار آثارها على السلوك الفردي و الجماعي للسجانين.
يتحول مع الوقت هؤلاء السجانين لوحوش آدمية يصنعها مزيج من غياب الضوء الأحمر و الإستمتاع بغياب سلطة أي قانون داخل هذه المنشأة عليهم، فينسون خلال أقل من أسبوع أي صداقة سابقة أو رحمة موجودة في نفوسهم. خصوصاً و أن القواعد تحرم عليهم الإشارة لاي سجين بإسمه و إنما مناداته برقم زنزانته. و لا شك أن الإنسان حين يصير رقماً أو مادة لسلطة ما يكون فيها محروماً من حقوقه الأساسية، فإنه ليس أكثر من عبء على سجانه، و مصدراً للمشكلات لا يجوز حتى التعاطف معه في نفسية ذلك العبد المأمور.
وبعيداً عن النهاية التي تحكي حصول تمرد جارف داخل المنشأة ينهي التجربة بعنف شديد، فإن هناك نماذج لم تستطع نسيان آدميتها و حاولت أن تحافظ عليها حتى اليوم الأخير من التجربة. في التجربة لم يكن الإنتهاك سياسة ممنهجة من خارج السجن بل نشأت داخله بسبب القواعد غير الإنسانية و غياب الإشراف و إختيار شخصيات تحمل في داخلها كرهاً لنفسها و لمجتمعها. لكن السلطات بعيد انتهاء التجربة لم تحاسب أي فرد من المجموعة بل ألقت باللائمة على صاحب الكاميرات و الضوء الأحمر، و هو الشخص المسئول عن غياب الإشراف اللازم.
في أفلام سابقة عرضت الظروف داخل السجن لم أتمكن من الحصول على نفس الفهم، إلا ان هذا الفيلم بطبيعته التجريبية كان قادراً على تصوير التحولات النفسية و السلوكية بشكل تدرجي مشوق و مثير للإهتمام و كأنك مشارك في إلإشراف على التجربة.

آخر الوحي:
كفانا..
نحملق في بعضنا في غباء
ونحكي عن الصدق والأصدقاء
ونزعم أن السماء..
تجنت علينا..
ونحن بكلتا يدينا
دفنا الوفاء
وبعنا ضمائرنا للشتاء..
نزار قباني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق