الأحد، 4 ديسمبر 2011

سيد الشباب





معضلة كبرى تلك التي تواجهك حين تهم بعمل أي شيء يرتبط بالإمام الحسين، حتى على مستوى كتابة أبيات من الشعر أو صياغة مقال أو إعداد كلمة تلقى. ليس لعجزك عن الكتابة أو كونك مبتدئاً أو لقلة ما يمكن كتابته، و لكن لعظم الشخصية التي تضعها أمام ضوء ريشتك لترسم أو بجوار أذنك لتسمع ما قاله التاريخ فيها.
و يأخذك الخيال حينها و تتخيل دهاليز المدينة و طرقاتها و هو يحث السير لمقابلة واليها الذي يدعوه للبيعة ليزيد بن معاوية. الرجل سيد شباب أهل الجنة، فإذا كنا منتبهين لما تخطه كتب السيرة عنه، نجد أن من الأولى أن يكون هو داعياً لبيعة أحد ما. نصدم صدمة أخرى حين نجد أن بيعته مطلوبة تحت حد السيف، يبايع أو يقتل. حتماً هنالك شئ خطأ، و بدون أن نعرف شيئاً عن سيرة يزيد أو عن أسماء و أخلاق ولاته، فإن دعوة سيد شباب أهل الجنة للبيعة تحت حد السيف يبعث بالتساؤل حول سبب الرغبة في إكراهه على البيعة، و لماذا يفترض الوالي أو مولاه أن الحسين لن يبايع إلا تحت التهديد.
و يقرر السبط أن يحيل حجته إلى عمرة و يغادر الحجاز أرض الحرمين، و لكن قبيل ذلك، يدعو الناس للخروج معه، و يعظم من عجبهم و عجبنا بقوله أن من خرج معه استشهد، و من لم يخرج لم يدرك الفتح. بان جلياً أن الإمام ينعى نفسه حتى قبل أن يخرج، و كأن كل التحليلات تقول أنه مقتول في جميع الأحوال. بل حتى أن من علل خروجه أنه يريد أن يجنب مكة أن تهتك حرمتها بقتله فيها.
و يخرج حتى تحط الرحال به في كربلاء بعد أن أكره على تغيير طريقه المتجه إلى الكوفة و منع من العودة إلى المدينة لما أراد ذلك، حتى أحاطت بخيامه جيوش يصل عددها إلى ثلاثين ألف أو سبعين ألف بين فارس و راجل.
في الليلة الأخيرة يضرب على أسماعنا بكلمة لها أثر الزلزال في نفس كل من تسول له نفسه أن يدعي أن الحسين خارج طلباً للحكم. فهاهو يعفي رجاله و أصحابه من المكوث معه و يشير عليهم بتركه و الإنسحاب في جنح الظلام. و يعلل لهم ذلك بعلمه أن القوم إنما يريدونه هو لا غيره، و كأنه لا يجد مبرراً لإهراق ملئ محجمة دماً دون حاجة. و قرر التاريخ ليلتها أن أصحابه كانوا أيضاً من الطراز الأول في النبل و الفداء حين رفضوا عرضاً كهذا يحفظ لهم حياتهم دون تثريب دنيوي ولا أخروي.
في يومه الأخير، طلب من أعدائه أن يخلوا بينه و بين الرجوع إلى حرم جده في المدينة، أو أن يتركوه ليتوجه إلى ثغر من الثغور يكون فيه مرابطاً، إلى غير ذلك من الخيارات التي ألقت الحجة على القوم في أنهم يريدون قتله بكل الأحوال، و أعيد التذكير مرة أخرى أنه سيد شباب أهل الجنة، و بمعنى آخر فليس على الأرض يومها من هو خير منه. إذ لو كان هناك خير منه ليكون سيداً لدار الفناء، فهو أجدر منه أيضاً بسيادة دار البقاء.
سجل التاريخ أن القوم منعوا بكل وسيلة أن يحصل الحسين على أي قطرة من الماء، فظل بأبي و أمي ظامئاً في الأيام الثلاثة الأخيرة من حياته، و سجل أن رأسه قد قطع، و سجل أن جسمه سحق بعدها تحت حوافر الخيل، و سبيت نساؤه، و سلب حتى من الثياب، و ترك جسمه في العراء دون دفن.
لقد كان مقتله مصيبة على الأمة في أخلاقها و مبادئها، سواء في مجمله أو بتفاصيله، لدرجة أن هناك من تدفعه الصدمة إلى القول بأن ذلك الفعل اجتهاد شخصي من عبيدالله بن زياد و البعض يتهم به قاتله المباشر شمر بن ذي الجوشن، و البعض يستنكر خروج الحسين من المدينة ليعفي نفسه من علامة الإستفهام الكبيرة التي خلفها مقتله عليه السلام. و الواقع و التاريخ يقولان أن هذه الأمة قد كان منها ما كان من سابقها من الأمم كما أخبر بذلك الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم حيث يروى عنه أنه قال “لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر , وذراعاً بذراع , وباعاً بباع , حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم” . و لا يخفى على أحد أن قتل الأنبياء و أولاد الأنبياء هو مما حصل في الأمم السابقة و لا بد من مثيله في أمتنا.
سيدي يا سيد شباب أهل الجنة، يا سيد أهل البيت في زمانك، يا أفضل صحابي في زمانك، يا ابن بنت رسول الله، لو كانت مصيبتنا تنحصر فيما دون قتلك و التمثيل بك و سبي عيالك و تقتصر على معاداتك و إخراجك بالتهديد من حرم جدك لكان هذا كافياً لأمتنا أن تستذكر أبد الدهر هذا اليوم بكل الحزن و الأسى لما وصلت إليه من انحدار و عصيان لتعاليم و وصايا جدك خاتم المرسلين، ولجرأتها على مقام سيد الخلق و انتهاك حرمة أهل بيته.

آخر الوحي:
 مثل ابن فاطمة يبيت مشردا ... ويزيد فـي لذاتــه متنعم
يرقى منابر أحمد متأمراً ... في المسلمين و ليس ينكر مسلم
ويضيق الدنيا على ابن محمد ... حتى تقاذفه الفضاء الأعظم
خرج الحسين من المدينة خائفا ... كخروج مـوسى خائفا يتكتم
وقد انجلى عن مكة وهو ابنها ... وبه تشرفت الحطيم و زمزم (بتصرف عن المنشور في الصحيفة)
السيد جعفر الحلي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق