الأحد، 11 ديسمبر 2011

النذير العريان





الأحد ١١ ديسمبر ٢٠١١


في حديث لخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه  وآله و سلم، يقول “أنا النذير العريان” والنذير العريان بحسب ما يذكر تراث العرب هو ذلك الرجل الذي يقف في أعلى الجبل أو الهضبة ليراقب حدود المدينة ثم ينذر قومه بالخطر المحدق بهم في حينه. و حيث أنه يكون بعيداً فلا يمكن سماع صوته فإنه يخلع قميصه أو ثوبه و يلوح به للناس. بهذه الطريقة يمكن رؤية إشارة هذا الرجل و التي هي أبلغ ما تكون في وضوحها للناظر بسبب التلويح بالثياب، و أبلغ في معناها بسبب كون الرجل غير عابئ بأن يعرى ليبلغ قومه بالعاجل من الخطر المقبل.
و في عمل مرئي تم تصويره لتوثيق أمثال الحديث النبوي، تم إيصال فكرة النذير العريان بطريقة مختلفة، حيث جاء النذير يعدو فأبلغ الناس بفحوى كلامه ثم خلع قميصه و قال: لقد رأيت الجيش بأم عيني، و إني أنا النذير العريان.
و خلاصة هاتين الصورتين، أن من استمع لكلام الرجل نظر إلى ما فعله لا جنوناً و لا مجوناً و لا خروجاً عن الأدب، و إنما نظر إليه كدليل على مدى جديته في التبليغ بخطورة ما يحصل.
إلا أن ذلك العمل المرئي يسرد بقية الحديث في أن هناك قوماً استمعوا للكلام فعجلوا بالإستجابة لفحواه، فاستطاعوا تجنب الخطر القادم، و أناس سخروا و تجاهلوا فكان أن ظفر بهم من كانوا قادمين من وراء الجبل لغزوهم و سبيهم.
بالأمس القريب خرج علينا تقرير بسيوني حاملاً معه كثيراً من التفاصيل التي تحتاج إلى التعاطي الجدي، لأن ما أظهره التقرير من حقائق لا ينبغي إغفالها بعد أن أثبتت ووثقت لأن الإهمال في التصحيح سيكون عاقبته تعمق شرخ الثقة الذي قلنا من قبل أن جلالة الملك قد وضع يده على الوتر الحساس حين تكلم بصراحة تامة عن وجود مشكلة ثقة كان علاجها في تشكيل لجنة تقصي حقائق.
اليوم حين لا يتم عاجلاً تنفيذ التوصيات التي تمنع حدوث التجاوزات و الإنتهاكات مستقبلاً فإن تقرير اللجنة سيكون ضد البحرين و ضد اللحمة و المصالحة و الإستقرار، شأنه في ذلك شأن بعض تقارير الأجهزة الرقابية التي لم تفعل توصياتها بصورة مناسبة في الأعوام السابقة.
و بعيداً عن موضوع تقرير بسيوني، فإن من الطبيعي أن نجد في هذه الأيام أقلاماً و أصواتاً تدعو للفرقة، ذلك لأن التأزيم هو ما يمكن هذه الأصوات من الظهور و هي التي تختفي بعودة المجتمع إلى التقارب و الإنسجام. بعض هذه الأقلام قد عملت جاهدة لتشويه صورة كل من حاول إيصال الحقيقة حول هذه الإنتهاكات للقيادة، و كان أن بعضهم قد استقالوا أو لوحوا بالإستقالة من مناصبهم لتوضيح خطورة ما كان يحصل، فكان أن تعرضوا للتخوين و تم الإنتقاص من وطنيتهم، و كأن الوطنية تعني فقط سيادة القانون و لا تعني سيادة حقوق الإنسان و كرامة الوطن عبر كرامة مواطنيه و حمايتهم من أي انتهاك أو مساس بسلامتهم و أمنهم سواء كان ذلك من طرف الجهات أو الأشخاص أو من التصرفات الشخصية. هؤلاء كانوا النذير العريان يومها، لا لأنهم يريدون الفرقة، ولكن لأنهم يرون المصالحة و الحوار و الرفق حلاً لمشاكل الوطن.
و من نفس الزاوية، يثمن البحرينيون عالياً موقفين لسمو ولي العهد أولهما عند ظهوره المفاجئ على الشاشة و دعوته للتهدئة و الحوار في بداية الأزمة في فبراير، و ثانيهما في الأسبوع الماضي عند تدخله لمنع حدوث الخلافات في المحرق العزيزة. و فيما لا أشك أن مواقف النصيحة المخلصة الصادقة و الداعية للوحدة و نبذ الفرقة لم ولن ترضي دعاة التشدد و التأزيم، فإنني كذلك لا أشك أن الغالب في نفوس أهل هذا البلد مثل قيادته من حب الخير سيعيد لنا البحرين التي عرفناها دوماً في التآلف و المودة و الرفق بلا ضعف ودون تضييع لحق أحد.

آخر الوحي:
أفتيان الخليج وكل زرعٍ وبئٍ
سوف يلفظه الحصيدُ
وسوف يرفُ بعد اليوم ظلٌ
على جمراتِ هاجرةٍ مديدُ
سيُبدل من صدى نغمٍ شقيٍ
بأنغام المنى وترٌ سعيدُ
فإن تك أطبقتْ جُدرُ الليالي
فسوف يُشقُ من فجرٍ عمودُ

محمد مهدي الجواهري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق