الأربعاء ٢٩ فبراير ٢٠١٢
خلال شهور ما سمي بالربيع العربي، هناك كثير من الظواهر والممارسات والمعالجات التي تستحق التوثيق والتوصيف والتحليل، لنتبين ما جناه علينا هذا الربيع أو ما جنيناه منه، لنحول آلامه إلى آمال وجراحه إلى دروس وأمراضه إلى أمصال لنتمكن في ساعة تليه أن نقول، رب ضارة نافعة.
وبالرغم أن ما كتب فيه كثير، إلا أن مرحلة قراءة الأدبيات لن تكون الآن، الآن علينا أن نكتب، وسنتفرغ فيما بعد لإعادة قراءة ما تم تدوينه، وسيقرأ ما كتبناه الكثيرون. جربنا مثل ذلك بعد أحداث التسعينات، فهناك كثيرون وكثيرون جداً ممن لم يقرأوا فكر التيار الديني المحافظ أو المدرسة التقليدية إلا في أوقات الرخاء حين ذهبت السكرة وأشرق الصبح لذي عينين. هذا هو مصداق أن الفتنة إذا أقبلت شبهت وإذا ادبرت نبهت، وهذا القول لعمري من أمهات البلاغة وجوامع الكلم.
وفي اعتقادي، لأن الحدث كان كبيراً وموجته كانت واسعة النطاق، فلا بد أن الانتباهة ستشمل نطاقاً أوسع، وحينها سيكون للتاريخ أن يسجل كل قول أضحك الثكالى، وكل تنظير استئصالي، وكل توجه نفعي مصلحي. سيعرف كل توجه إن كان تفكيره نابعاً من مبدأ راسخ، أو أنه تم تجييش عاطفته وعنصره وانتماءه المذهبي وتوجهه الرسالي لخدمة أغراض أبعد ما تكون عن مبادئه ونواياه المخلصة الممزوجة بحسن النية وبالثقة في قريب أو بعيد.
فالأحزاب سواء كانت أحزاب معارضة أو موالاة لا يهمها أكثر من أن تقوم بتوظيف صفاء النية عند الناس لخدمة أغراضها، ولا يهمها إلا ما ستجنيه من مصالح شخصية للحزب ولرؤساء الحزب على حساب البسطاء ثم على حساب مبادئهم.
لهذا، فإن الأحزاب كما رأينا خلال هذه الأزمة لا تزود الأتباع بالثقافة، وإنما تزودهم بالبرمجة والشحن، أو بمعنى آخر فهي تعتمد على توالي الأخبار والحوادث في رسم صورة الحق والباطل، وهي صورة مبنية على العاطفة، ولذلك فنحن نراهن على أن فعاليتها لا تستمر إلا ريثما يحدث حدث آخر يقوي تأثير سابقه أو يسرع تبديده.
من وقف في هذا الربيع العربي وطرح الفكر ومجابهة الحجة بالحجة بحيث تعرف جماهيره الخطأ والصواب بشكل مبدئي واستراتيجي وليس تكتيكيا؟ من زودهم بالفكر الذي يقيسون به الموقف بمقياس لا يجعلهم مزدوجي الرؤية ومنحازين لطرف؟ لماذا ننكر محرقة هتلر أو نثبتها؟ لماذا يكون تعاطينا مع صدام كما لو أنه بطل مقدام؟ لماذا نجعل الحق للشعب الليبي دون غيره من الشعوب حتى صار التدخل العسكري جائزاً في حالته؟ هل الحركة الخضراء في إيران ربيع أو خريف؟ هل الشعوب صاحبة الأحقية أم الحكومات؟
يبصم البعض أن أميركا وإيران هما صديقان حميمان في الخفاء عدوان في الظاهر. في هذه الحالة المتسمة بالتحشيش نوعاً ما، إما أن يكون المتحالف مع الأميركان عميلاً إيرانياً، أو أن المتحالف مع الإيرانيين ليس عليه بأس لأنها تقربه من أميركا زلفى!!
رأينا العجب حين وجدنا الدينيين مع المشروع الديمقراطي، والتكفيريين يبثون برامج تلفزيونية يديرها ليبراليون في اتجاه طائفي ومحافظين يدعمون ثورات شعوب أخرى بالغالي والنفيس رغم أن الثورة عندهم غير جائزة.
آخر الوحي:
عباس وراء المتراس
يقظ منتبه حساس
منذ سنين الفتح يلمع سيفه
ويلمع شاربه أيضاً
منتظراً محتضناً دفه
أحمد مطر