الأربعاء، 8 فبراير 2012

التحريف البين








الأربعاء ٨ فبراير ٢٠١٢


أثار المقال السابق وبعض المقالات المتصلة بموضوع الديمقراطية وتشويه المفاهيم جملة من الإعتراضات - كما كان متوقعاً لها- من بعض القراء. وكما توقعت فإن بعضها كان متركزاً حول نقاط من أمثال أن من يرفض الديمقراطية كمبدأ فهويدعم الإستبداد، ومن نوعية من يشير إلى أن التعارض غير متوقع بين الإسلام والديمقراطية خصوصاً والشارع يغلب عليه التوجه الإسلامي ومن صنف من يرى عدم الواقعية في هذا الطرح لأن الواقع الحالي لا يعكس الإسلام كما يجب فلا تعتبر الديمقراطية خروجاً عنه ومن توجه يقول أن من يقف بوجه الديمقراطية فهويرفض جملة المكاسب التي ستأتي بها.
أقول بادئ ذي بدء أنه وبغض النظر عن المشكل السياسي القائم في البحرين حالياً، فهو مشكل له أطرافه الذين يعرف كل منهم الحد الأدنى من مطالبه ومن لا يحسب على أحد هذه الأطراف فهو واقعً خارج معادلة المشكلة وبالتالي خارج معادلة الحل. إلا أن وجودك خارج المعادلة في أي وقت من الأوقات لا يعني أنه لا يحق لك طرح رأيك بصراحة وأريحية، خصوصاً وأن ما تصل إليه الاطراف سينعكس عليك بالضرورة. ثم في ردٍ مختصر على المقولات الأربع التي ذكرتها وهي مجمل الإحتجاجات على من لا يتفق مع الإتجاه الديموقراطي أقول:
ليس صحيحاً القول إن من لا يطالب بالديمقراطية فهو يؤيد الإستبداد، فلا أحد يعترض على حق المشاركة السياسية أو حق الرقابة على أداء مؤسسات ووزارات الدولة ولا على حرية التعبير، بل ربما أقول أنها أمنيات السواد الاعظم من الناس. ولكن هل هذه هي الديمقراطية؟ قطعاً هذه من ملامح النمط المتقدم في الحكم ولكن الديمقراطية أعمق من مجرد هذه الملامح. فالمرفوض في الديمقراطية عند عموم الإسلاميين الذين أعرفهم ليس ما ذكرت من ملامح وإنما يرفضون أنها تجعل التشريع إجتهاداً لا يعتمد النصوص ويكون فيها توافق الأغلبية هوالفيصل وليس الشرع أو أي مصدر آخر. طالب بصيغة اخرى لا اشم منها رائحة العداء للدين وتأكد أنني لن أستطيع الوقوف ضد فكرتك. ونقطة أخرى يجب الإلتفات إليها وهي أن مجيء الديمقراطية أوحتى المشاركة السياسية ضمن أي نظام يعتمد التصويت لن يلغي جانب الإستبداد، بل سيغير مصدره بعد أن كان إستبداد الأفراد والمتنفذين إلى إستبداد الحزب، وكما قيل يعود الإمبراطور أو القيصر في هيئة الأمين العام للحزب، وقد رأينا بعض ذلك حين صارت الجمعيات تفرض مرشحيها فرضاً بغض النظر عن كفاءاتهم وإمكانياتهم أو تاريخهم في العمل الإجتماعي والسياسي. ولعل مقياس اختيارهم كان ما يراه من جعل بيده الاختيار، فصار مجلس النواب أيضاً مجلساً نظامه التعيين بيد أشخاص لا يحق لك حتى نقاشهم أو الجلوس معهم. نعم، الديمقراطية لا تستوجب إلغاء الإستبداد ولكن يتمكن من ممارسته أشخاص عاديون بدماء حمراء إلا أنه استبداد في النهاية.
أما من يعول على الشارع الإسلامي في عدم تعارض الديمقراطية مع الدين فهو متجاهل لعدد من النقاط المهمة، أولها أن توجه الشارع لا يمكن الإعتماد عليه خصوصاً إذا كان هذا الشخص يعلم كيف يمكن التأثير على الرأي العام وتقليبه يميناً ويساراً، وكيف أن المسلمين لديهم مصطلح يسمى “الفتنة” على أساسه يغلب الضلال في فترات الفتن على توجهات الحق والرشد. ثم إننا نرى حالياً عدداً مخيفاً من المفاهيم المحرفة تجعلنا نجزم أن الشارع الإسلامي قد تم تفريغه من جزء كبير من محتواه فوقع في حالة اختلال يحتاج إرجاع التوازن فيها إلى وقت ليس بالقصير إن أمكن إرجاعها أصلاً. وهنا لا يمكننا الرهان على أن الشارع الإسلامي هو الضمانة الحقة مالم تكن هناك نصوص أمامه تذكره بين الفينة والفينة وتمنعه من تجاوزها ولو لبعض الوقت. مثل هذا الرهان قصير النظر يقيس كل الأزمنة بالزمن الذي نعيشه، ويكفي للتوضيح أن نقارن تقلب الأحوال خلال الخمسين سنة الماضية لتتبين الفكرة.
ثم إن من يرى أن الواقع الحالي لا يعكس الحكم الإسلامي لتكون الديمقراطية خروجاً عنه، فهنا يتوجب توضيح نقطة مهمة، وهي أن الموجود من أخطاء أو تجاوز للإسلام في وضع التشريعات لا يوجد توافق عليه أو رضا عن حصوله من الجميع. ولكن لا يصح أن نطالب لتصحيحه أن نصنع قالباً للتشريعات لا هوية له ولا مرجعية، وكأننا نقول إن الشريعة هي ما يجمع عليه الناس وأننا جميعاً لا نعبأ بأن نحكم بغير ما أنزل الله إذا اتفقنا عليه.
وأما حول رفض المكاسب التي تأتي بها الديمقراطية أقول، وهل جلسنا جلسة واحدة مع من يدعونا إلى الديمقراطية نسأل فيها عن المخاطر والسلبيات والخسائر التي سنخسرها منها، أم اننا قبلنا منه بسذاجة بالغة انها جنة الخلد و الملك الذي لا يبلى؟ هل هناك ممن دعا إلى تبني هذه الفكرة من وضح للناس ما سيخسرون من ورائها قبل ما سيجنون؟ إن لم يفعل فتذكروا قصة “لا تقربا هذه الشجرة”. وهنا آسف أن يضطر المرء للكلام بصورة براجماتية وحسابات الربح والخسارة عما يتوجب أن يكون أمراً مبدئياً.
كل هذه الأمور أعلاه ليست هي جل ما يسوءني في الديمقراطية، بل كل هذا ردود مختصرة على تساؤلات متكررة، وإنما ما يسوءني هو تغشيش أذهان الناس حول الديمقراطية وتصويرها جزءاً لا يتجزأ من الدين وتسويقها للبسطاء من قبل من يفترض بهم تنبيه الناس لا تخديرهم، وحول التحريف البين  فللحديث تتمة.

آخر الوحي:
يا سائلي عن حاجتي
الحمد لله على الصحة والرغيف
وما تقول الصحف اليوميه...
عندي صغارٌ يملأون البيت
وزوجةٌ وفيه.
وفي الخوابي حنطةٌ وزيت.
لكنما مشكلتي...
ليست مع الخبز الذي آكله
ولا مع الماء الذي أشربه
مشكلتي الأولى هي الحريه....
نزار قباني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق