الأربعاء ١ فبراير ٢٠١٢
ليس مستغرباً تكنية الحيوانات عند العرب، بمختلف شعوبهم فهم يكنون الذئب بأبي ثمامة، و الضبع بأم عامر، و الغراب بأبي حاتم. و تختلف هذه الكنى من شعب إلى آخر، فالعراقيون مثلاً يطلقون كنية أبي صابر على الحمار، و هي من أكثر الكنى تعبيراً عن طبيعة هذا الحيوان و تحمله للمصاعب و حمله للأثقال.
و ربما ليس من المستغرب أن يكون “أبوصابر” شعاراً لحزب يشتغل بالسياسة، فلعله لا يغيب عن ذهن الكثيرين أن شعار الحزب الديموقراطي الأمريكي هو الحمار كما أن الفيل شعار الحزب الجمهوري الأمريكي. إلا أن المستغرب أن يكون الحمار هو عنواناً للحزب بحيث يصير كل منتسب لهذا الحزب جحشاً أو مطياً أو أتاناً إن كانت عضوة الحزب فتاة. هذا هو حال الرتب الحزبية في “جمعية حمير كردستان” التي أسسها عمر كلول الكردي العراقي في عام 1979 بمسمى “حزب حمير كردستان” ثم حول حزبه في التسعينات إلى جمعية. و هذا التحول نفسه غريب بشكل ملحوظ، يشير له المؤسس و الامين العام و يؤكد على أنه بينما تتحول الجمعيات إلى أحزاب، فإن حزبه يقرر التحول إلى جمعية.
الرجل يرتدي دوماً ربطة عنق تزهو برسومات لعدد لا متناهي من الحمير أو “أبي صابر” كما يحلو له تسميته، و يعتز بأي شئ يربطه بالحمار أو أي تشابه في التصرفات أو الصفات السلوكية. يقول أن علاقته بالحمار بدأت حين كان أبوه يبيع البنزين في عربة يجرها الحمار. حينها شكا من اهتمام أبيه المفرط بالحمار. أجابه أبوه أن هذا الحمار يخدم العائلة فلا بد من الوفاء له و إعطائه ما يستحقه من الإهتمام و التقدير.
حين يسأل المذيع عمر إن كان يتأذى إذا ناداه أحد بالحمار، فيقول أنه يسعد بذلك أيما سعادة. ثم يذكر شروط الإنضمام إلى حزبه و أولها إلتزام الصدق و أن يحب بلده و بيته أي “حظيرته”، ثم امتلاك صفات الحمير من الصبر و القناعة و الطاعة و الخدمة بدون مقابل.
يثور المؤسس في لقاء آخر و يبدي احتجاجه حين جرت مذبحة في إحدى الدول العربية ذهب ضحيتها عدد من الحمير و هي الدولة التي تشهد أوضاعاً إنسانية مزرية. و كأنما كان رمزياً يحتج على ما يصيب البشر. كلول و الذي يكنى بأبي صابر يتعاطف مع الآخرين لأنه كحمار لا تفرقه مع الآخرين الطائفية أو المذاهب الفكرية، و إنما يتألم لكل ما يصيب بني جنسه. انتماؤه بلا شك عابر للجنسيات، و لذلك يهتم بالمخلوقات المشابهة في كل الأقطار.
و في ذات الوقت الذي يستحمر الرجل نفسه في رمزية متواضعة جداً بشكل غريب، نجد السياسيين الآخرين يستحمرون الجماهير بشكل مفرط، سواء في الخطاب الذي يصفهم حيناً بالوعي ليزيد استحمارهم، ثم يصفهم بالبسطاء لينفي عنهم التآمرية. السياسي الذي يكذب فيستحمر الجماهير، و يبالغ في مدحها بما ليس فيها فيستحمرها، و يكلمها بالكلام الغامض و المكون من الألغاز فتحس بنمو آذان كل جماهيره خلال خطابه نفسه.
و حين تصف بعض التيارات الأخرى نفسها بالمعارضة الواعية أو الإيجابية، فيما هي أدوات في يد المعارضة أو أدوات في يد السلطة بشكل شديد الوضوح، فهي بلا شك تستحمر الجماهير.
و حين يتم التعاطي مع القضايا الشائكة بشكل لا يليق بمدى جديتها و الحاجة فيها إلى تغيير واضح، فإن هذا التعاطي أيضاً يمثل أحد أنواع استحمار الآخرين.
و حين يكون شخص مستقلاً عن كل من هؤلاء، فيتهمه كل فريق بأنه تابع للفريق الآخر في تعميم هو من صميم ما سماه ذاك بــ”لغة الحمقى”، و على هذا المستقل أن يتحمل تبعة استقلاله و كل الإتهامات التي تنصب عليه، فإن هذا هو نوع بالغ من الإستحقار و الإستحمار للجماهير التابعة و لذلك المستقل.
حين تعيش مثل هذا الواقع المتشظي، سواء في العراق أو في أي قطر عربي، يحق لك يا عمر كلول كما يحق لكل إنسان أن تتغنى بصفات أبو صابر السمحة الكريمة المحتد و الطويلة الآذان بشكل فطري لا قسري. و يحق لنا جميعاً أن نهتف: عاش أبو صابر.
آخر الوحي:
لقد ذهب الحمار بأم عمروٍ
فلا رجعت ولا رجع الحمار
(مجهول) رواه الجاحظ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق