الأربعاء، 22 فبراير 2012

قصة "عروه"











الأربعاء ٢٢ فبراير ٢٠١٢


هي قصة قديمة سمعها كلنا في طفولته ربما، إلا أنني و لطول العهد قد نسيتها، فجلست أتذاكرها مع بعض من سمعها، و فيما يبدو أنها كانت نسخة مطورة إلا أنها تحتفظ بالمضمون المهم، و لكن لكل زمان تعبيراته الخاصة به.
الاسم بضم العين وتشديد الراء على صيغة تقريع بعكس صيغة التدليل، فالبحرينيون و ربما الخليجيون عموماً عندهم لأكثر الاسماء صيغة تدليل و صيغة تقريع فخديجة يدللونها بخدوج و يقرعونها بخدووه ومحمد يدللونه بحمود و يقرعونه بحمدوه و هكذا دواليك. و لم أتمكن من اشتقاق الإسم الاصلي للفتاة عُروه. المهم أن قصة عروه أو خرافة عروه هي من القصص التي تضرب كمثل لمن يطاول في تحقيق أمر ما دون سبب و كما يقولون يطولها و هي قصيرة، و تضرب كمثل لمن يروي قصة مطولة بسبب طبيعة قصتنا هذه المعتمدة على الإعادة و التكرار.
والقصة في نسختها المستذكرة تقول ان فتاة اسمها عّروه قد خرجت في الصباح مع صديقاتها لجمع الثمار التي قد تكون ثمار التوت أو غيرها، و لم يأت وقت الظهيرة إلا و الفتيات جمعن ما تمنين من الثمار، إلا بطلة القصة عروه التي لم تتمكن من اتمام المهمة بسبب أن سلتها قد تمزقت. بقيت عروه تبكي مكانها رغم أن صديقاتها انصرفن لبيوتهن. و ارسلت أمها تطلب منها الرجوع للمنزل لتناول طعام الغداء، رفضت عروه و آثرت البقاء و هي باكية على حظها العاثر في جمع التوت. فكان أن أرسلت الأم إلى الكلب الذي في الناحية و قالت له هل لا عضضت عروه ابنتي لترغمها على المجئ؟ فرفض الكلب ذلك. فأرسلت إلى العصا لتضرب الكلب ليعض عروه لتعود المنزل و تتغدى، فتتلكأ العصا و تعتذر. فترسل الام إلى النار لتحرق العصا فتضرب الكلب فيعض عروه فتتغدى. و حين ترفض النار ترسل الأم إلى الماء ليطفئ شيئاً من النار فتسارع إلى حرق العصا لتضرب الكلب ليعض عروه فتتغدى، و حين يستكبر الماء، ترسل الأم إلى الجمل ليشرب من الماء فيهاجم الماء النار فتحرق النار العصا فتضرب العصا الكلب فيعض الكلب عروه فتعود للمنزل لتناول الغداء، و يرفض الجمل. هنا تصل السلسلة إلى المخلوق الصغير وهو الذبابة فتقوم بإزعاج الجمل بالدخول في منخره، فيسارع لشرب الماء الذي يهرب ليهدد النار فتهدد العصا فتلوح للكلب فيفغر فاه ليخيف عروه التي تهرول سريعاً إلى المنزل و تتغدى.
هذه القصة في طولها و تعقيدها هي أشبه ما تكون في واقعنا بقضية المفصولين التي طالت كثيراً و تشعبت و كان النفر منا يبتعد عن الكتابة عنها لإحساسه بتعقيدها و لتمنيه ان الخيار القادم سيكون فيه الحل. لكن الأمر طال و تعقد و تشعب. ففي أول ظهور له حمل البروفيسور بسيوني بشائر بأن المفصولين سيعودون بحسب ما بلغه من توجيهات ملكية، يومها راهنت بأنهم سيعودون سريعاً خصوصاً و الرجل قد وضعت مصداقيته و مصداقية جدية التعامل مع لجنته في ميزان واحد حين يحمل هو هذه البشائر. و للأسف لم تتقدم القضية، و ظلت توجيهات القيادة تتوالى في اتجاه الحل فسمعنا جلالة الملك يأمر أكثر من مرة، ثم سمو رئيس الوزراء يوجه و سمو ولي العهد يتابع، ثم رئيس السلطة التشريعية يتم تكليفه مع لجنته ثم وزير العمل يجتمع، و يتم تأجيل الموعد النهائي في كل مرة.

المزعج أن أشخاصاً يخرجون بين الفينة و الأخرى معترضين على رجوع المفصولين رغم أن التوجيهات تكلمت عمن كان فصلهم غير قانوني، ففيم تحذلق من يعترض على الرجوع فيما يتشدق مثله بمطالبته بسيادة القانون، وبأن ولاءه للقيادة، و هو يخالف توجيهات القيادة المعلنة والمنشورة في الصحف والتي لا تقبل تأويلاً ولا تعليلا. هناك من تكلم عن أن مفاصل الدولة قد غزاها أناس، إلا أن من غزاها فعلياً هو من يمكنه الوقوف في وجه توجيهات عليا سامية من القيادة الحكيمة كالتي ذكرتها، و الله المستعان على ما يصفون.
الطريف أن الخبر المنشور هذا الأسبوع من أن الشركات التي وضعت شروطاً اعتبرت غير منصفة قد تراجعت عنها، لاقى تعليقات سمجة و غير مقبولة من البعض في مواقع التواصل، رغم أنني أكرر أن التوجيهات كانت لإنصاف من كان فصله غير قانوني، أما من كان فصله قانونياً فهذا شأن آخر لسنا بصدد الكلام عنه.
ووجدنا قبل ذلك عريضة يوقعها عدد من النواب ترفض إرجاع المفصولين، ولا نريد أن تطول القصة مرة أخرى فنقول إن كان فصلهم قانونياً و إلا فالواقفون مع استمرار انقطاع أرزاق مئات البحرينيين يحتاجون ليراجعوا موقفهم من القانون وربما الإنسانية والاخوة الوطنية. سدد الله توجيهات القيادة إلى ما فيه خير البلاد والعباد و ثبت خطاها لحفظ اللحمة و جمع شمل الأمة، ولا عزاء للمكارثيين.

آخر الوحي:
أفبعد ما مكنت من أسبابه
ألقيت قلبي في جحيم عذابه
قلبي الذي لم يحو غيرك في الهوى
لا عاذلاً، لا شامتاً بمصابه
لم يدر ما شوق الفراق ولا درى
ما الوصل إلا في قصور سرابه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق