الأربعاء ١٥ فبراير ٢٠١٢
رغم أن المزمع لهذا الموضوع كان أن يتركز على زاوية أوسع في نوعية المفاهيم المحرفة، إلا أنه تركز على مفهومي الديموقراطية و الدولة المدنية من الناحية النظرية، ثم توسعت في المقال الفائت ليحيط بتوصيف الواقع العملي في البحرين لأمور متصلة و هي مدى إسلامية الشارع حقيقة و هل يمكن التعويل عليها للدفاع عن العقيدة و الشريعة أم لا. وإن كان المفهومان قد دخلا على موضوعنا من نافذة مقال “الاشتراكيون أنت إمامهم” فضيقا على ذلك الموضوع و قاما بغزو هذا الموضوع. إلا أن أحاديثنا الأريحية في هذه المقالات لا يضيرها التبسط و تقديم موضوع على الآخر ما دام الجميع في سياق توضيح ما تم تحريفه من مفاهيم و سرقته من تراث ليجير في خدمة الأحزاب.
بل ربما كان من حسن الطالع ما حصل من تضييق على الموضوعين لأنهما شديدا القرب فصار دمجهما لطيفاً في بعض النواحي. حيث أن المصداق و المفهوم إذا التقيا صارت الصورة أوضح و أقرب للتدبر و الفهم.
يقول العلامة المدني في كلمة بعنوان “معالم التحريف في الثقافة الإسلامية” ألقاها في أكثر من جزء في عام 1980 واصفاً أحد التيارات التي كانت تسعى لتحريف الثقافة الإسلامية:
“هذا التيار أول عمل عمله هو محاولة تحويل الإسلام إلى مبدأ فلسفي بدل أن يكون ديناً سماوياً، فنفي الخوارق و المعجزات في إثبات النبوة و هو في حقيقته إنما يقصد به تحويل الدين الإسلامي إلى مذهب فلسفي كسائر المذاهب الفلسفية التي يصح أن يؤخذ به و ألا يؤخذ به، و يبقى الناس أحراراً في ذلك”.-انتهى الإقتباس.
وفي اعتقادي أن هذا النوع من أنواع التحريف هو من أخطرها حيث صرنا في عصرنا الحاضر نتكلم عن الدين و الشريعة بالفعل كفلسفة حياة ربما قمنا بمزجها ببعض موروث البوذيين و الهندوس و شئ من ديموقراطية الغرب و قليل من فلسفة ملاحدة الشرق، و ربما ختمنا الأمر بقولنا أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهي له.
بالأمس فقط كنت أتكلم مع أحدهم عن نقطة معينة من الوارد في الهدي النبوي فقال انه لا يؤمن بهذا الكلام، فما تتكلم عنه تظنه مكروهاً وليس حراماً حتى. أقول لو كان مكروهاً وليس واجباً عليك الالتزام به فليس لك تسخيفه، ثم ان تسخيف الموروث الديني يرافقه حالة من الإعجاب الشديد بحضارة الغرب عند البعض و محاولة نسبة بعض ما ينظر إليه كحسنات إلى الدين الإسلامي، فترى القومي يركز على أحاديث تمدح العرب و البعثي ينادي أنها الأمة التي أنجبت محمد صلى الله عليه و آله و سلم، و الشيوعي يراه إمام الإشتراكيين و الرأسمالي يريد أن ينسب إلى الإسلام الرأسمالية و هكذا دواليك في رحلة البحث عن المشتركات في محاولة تغطية النقص واستدعاء التحضر لثقافته بطريقة تسمح له باتباع الثقافات الأخرى بلا تحرج.
والطريف أن من يؤصل لفكرته قد قسم شخصيات التاريخ إلى تيارات سياسية، فنجد أبا ذر الغفاري و قد ألبس ثوب ثائر اشتراكي مثل جيفارا و نرى من يشبه الإمام علي بالشيوعيين و من يشبه النبي بإمام الإشتراكيين. و عندنا فهناك من قسم أئمة أهل البيت إلى أئمة مهمين و آخرين ليسوا كذلك، و بعضهم ثائرون و آخرون مسالمون، و إلى غير ذلك من التصنيفات التي يقصد بها الكاتب تدعيم أفكاره و مواقفه بالتأصيل لها تأصيلاً بلا أساس.
نفس هذا النوع من محاولة التأصيل والذي هو في الواقع تحريف دفع البعض إلى مقولة “نحن حسينيون لا حسنيون” في أسلوب انتقائي لا يؤمن به متشيع، و لكن ربما مارسته بعض الأحزاب دون أن تستطيع التنظير له بعبارات صريحة قد تتصادم مع الوجدان الواقع تحت تأثير التخدير.
من خلال هذه التحريفات دخلت علينا مفاهيم الديموقراطية والمساواة بين الجنسين وجهاد المرأة والحرية الشخصية والكثير من المفاهيم التي تحارب مفاهيم إسلامية أخرى، فهل يمكن إرجاع المفاهيم إلى حقيقتها بعد أن قبلناها نظرياً و بدأ الغرب في رفضها عملياً.
آخر الوحي:
إن أبا علامة الزمان
أفتى بأن الصوم ركعتان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق