الأربعاء، 14 مارس 2012

ثقافة الخبر







الأربعاء ١٤ مارس ٢٠١٢


تكلمت بإيجاز في مقال سابق عن ثقافة الخبر، وما أعنيه بهذا المصطلح هو الاعتماد في صوغ شخصية أتباع اتجاه سياسي أو اجتماعي معين على تتابع الأخبار وليس تتابع الأفكار. بمعنى أن المتلقي لا يتلقى مبادئ يقيس بها الخطأ والصواب والمستقيم من الأعوج، إنما يتعرض لزخم من الأحداث المتوالية وعرضها عرضاً إعلامياً موجهاً إلى زوايا محددة تم اختيارها بعناية بحيث يتلقى رسالة محددة من هذا الزخم فتكون لديه رصيداً جديداً من القناعات والأفكار.
هذه العملية من البرمجة يستخدمها كل الفرقاء السياسيين في صياغة فكر الأتباع بحيث يصوغ تتابع الأحداث المتوالية والمعروضة بشكل مسرحي فكر الأتباع. وربما يكون هذا ملحوظاً بعد نهاية بعض الأفلام ذات الطبيعة المتسارعة ليكتشف المشاهد بعد نهاية الفيلم أنه ليس متعاطفاً مع جانب الخير بالضرورة.
منذ أيام مثلاً جربت هذه التجربة مع ابنتي ذات السنوات الثلاث من خلال كارتون توم وجيري، فلم يكن مستغرباً بتاتاً أنها تتعاطف مع جيري وتحبه أكثر من توم، فهو صاحب المقالب وهو المنتصر في عموم حلقات هذا الكارتون.
أما بالنسبة لي فقد أحببت روبين هود، وأرسين لوبين وعلي بابا. هؤلاء جميعاً لم يكونوا أشخاصاً خيرين، بل كانوا لصوصاً، شرع أولهم وثانيهم جواز السرقة من الغني وإعطاء الفقير فيما كان ثالثهم يقوم بسرقة اللصوص فصنع مفهوم أن السرقة من اللصوص لا تعد لصوصية.
وبالطبع فإنه لو عرض علينا هذا المبدأ مجرداً من الأحداث المحيطة به وهي المتسارعة و لمثيرة والممتعة، لما كان هناك شغفٌ بانتهاء القصة في صالح صاحب هذا السلوك المشين. يتحول هذا التعاطف الناجم ربما من الرغبة بمشاهدة القصة وإكمالها إلى حب لهذه الشخصية وربما فيما بعد إلى تشرب بطباعها وسلوكياتها الصحيحة والخاطئة. وهنا ياتي دور المعايير والمبادئ في تقويم هذه الأفكار والسلوكيات وأخذ الصحيح منها ورد الباطل.
وبعيداً عن الأمثلة المتعددة في واقع الحياة أو في الفن والأدب، فإن التعاطف مع المعاناة الإنسانية ليس عيباً بل هو سلوك محمود، ولكن ينبغي الالتفات إليه ومحاصرته بحيث لا يتحول إلى مسوغ لارتكاب الأخطاء أو تبني المناهج الباطلة. فالشخص نفسه الذي يقع عليه الظلم من أشخاص بعينهم لا ينبغي أن يتحول إلى ناقم على المجتمع ككل بحيث يذنب في حق المجتمع. وإذا سلمنا بعدم أحقية المظلوم في تبني الظلم، فإنه لا ينبغي لافراد المجتمع اختلاق المعذورية له في ظلمه.
كذلك فإن من ضمن ثقافة الأخبار التي يحملها كثير من مثقفونا اليوم الاحتجاج بسلوك الآخرين والتبرير للتصرف المقابل له كردة فعل طبيعية، وأقول ان السلوك الأول الخاطئ بالضرورة قد يكون سبباً إلا أنه لا يجوز أن يكون مبرراً. نعم، قد تحصل أخطاء آنية كردة فعل، لكن لا يصح التنظير لذلك بحيث يصير الخطأ الثاني مقبولاً.
لاحظت أن كثيراً من الناس حين تناقش معهم قضية ما فإنه يهرب من نقاشها. وفي وقت آخر يسعى ليقنع عاطفتك بما لم يقتنع به عقلك. والفكرة أن الشحن العاطفي والإغراق في التأثر سيقودك حتماً إلى الانجرار في هذا النمط أو التوجه، وهذا قطعاً ليس هو المطلوب. إذ ان صحة الفكرة وثباتها لو قيست بالمثيرات العاطفية نحوها، فإن زيادة الأذى ومسببات التعاطف سيكون محبباً لصاحب الفكرة لأنه يثبت فكرته عند من يتبعه، أما التفكير المبدئي وإن كان لا يستتبع أفراداً أكثر إلا أنه يخلق أفراداً برؤية أوضح.
آخر الوحي:
لم يعد يذكرني منذ اختلفنا غير قلبي.. والطريق
صار يكفي
كل شيء طعمه.. طعم الفراق
حينما لم يبق وجه الحزب وجه الناس
قد تم الطلاق
مظفر النواب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق