الأحد 29 أبريل 2012
اعتذر على التويتر عن مواصلة الطريق، و أخبر متابعيه أنه حان الوقت ليسكت عن الكلام المباح حين بلغ به اليأس مبلغاً. لم يوضح أسبابه، و لم يقل لم هو محبط ولا مم هو منزعج، إلا أن ظروف الإنسداد السياسي و التي رمت بغيومها الداكنة على أجواء البلاد كانت كفيلة بإزعاج الجميع و قتل التفاؤل في أشد النفوس مرحاً و تطلعاً للسعادة و الوئام. كثيرون منا قد وصلوا هذه المرحلة منذ زمن طويل و صاروا بعد طول انتظار لما قد تأتي به التواريخ الحاسمة و الأيام الحبلى و إشاعات الحوارات، صاروا لا يترقبون حكاية شرقية بختامها يتزوج الأبطال كما يقول نزار قباني، و تيقنوا أن الرياح تجري دوماً بما لا تشتهيه سفنهم الطامحة للإستقرار و الأمان.
كان من المعتدلين و الواضحين في الإشارة إلى ما يعتقد أنه خطأ بلا مواربة و لا مجاملة رغم التزامه بعدم التصادم و عدم قطع طرق الإصلاح بين أي فرقاء بل أعلم أنه يتمنى لو يستطيع فعل شئ أي شئ ليرى المياه تسير في مجاريها. كلنا ذلك الرجل، و من لم يتوقف عن الكتابة فسيتوقف حتماً، غداً أو بعده، أو ربما سنبدأ في الكلام عن الأحوال الجوية أو أسباب ظهور الذباب في الصيف أو عن أي شئ تافه من حيث عدم اتصاله بواقع حياتنا.
لا أدري إن كان يسعد الأطراف المؤثرون في المعادلة البحرينية أو يحزنهم أن يعلموا أن كثيرين ممن يعدون أنفسهم معتدلين قد كفروا برشد الأطراف كلها، و صاروا يرون أن ما يجري هو حوار طرشان كبير لا يسمع أطرافه بعضهم البعض. هؤلاء الكثيرين كانت أبصارهم تتنقل كل يوم بين من تعقد عليهم الآمال من شخصيات و قيادات على طريقة “هذا ربي هذا أكبر” بلا نتيجة تذكر. يستنكر أحدهم أخطاء المعارضة فلا يرى ما يسره من سواها و ينزعج لانحياز طرف فلا يجد ما يداوي انزعاجه في سلوك الآخر.
آخر كان يتساءل و هو يرى جمعيات تبرز و تلقى دعماً خيالياً ثم تشتهر بسرعة الصاروخ و يراها تنكمش بعدها ليظهر حجمها الحقيقي فيتساءل، ألم يكن الأجدى التعامل مع معتدلين موجودين من قبل و الإستفادة من الطرح العقلاني غير المصطنع؟ ألم يكن ذلك في حينه لينزع فتائل الازمات و يؤسس لحلول جذرية، لكن ذلك لم يحدث في حينه، و لذا لم يكن في وارد الواقعية أن يتم استنهاضه بسرعة و في أجواء مغبرة و محمومة بل ربما مكهربة.
ثالثهم ربما كان أكثرهم صراحة و هو يجلس على الطاولة و يصارح الجالسين بأن الإعتدال قد ذبح من الوريد إلى الوريد، بينما عيناه تكشفان ما يجول في ذهنه من مناظر تستعرضها ذاكرته و هو على يقين أن أي حل قادم سيأخذ وقتاً ليتبلور.
سواهم كثيرون حرق اليأس قلوبهم و غير الإحباط في فكرهم و مالوا من الإعتدال إلى الإعتزال، و ثمة فرق كبير بين الكلمتين رغم أنهما لفظياً متشابهان إلا أن المعنى متباين. و في غياب الإعتدال فإن القراءة لا تشي بمستقبل أفضل حتى إذا أوجدت المعادلة حلاً.
آخر الوحي:
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا
أن لا تفارقهم فالراحلون همُ
أبو الطيب المتنبي