الأحد، 29 أبريل 2012

مذبح الإعتدال 2





الأحد 29 أبريل 2012

اعتذر على التويتر عن مواصلة الطريق، و أخبر متابعيه أنه حان الوقت ليسكت عن الكلام المباح حين بلغ به اليأس مبلغاً. لم يوضح أسبابه، و لم يقل لم هو محبط ولا مم هو منزعج، إلا أن ظروف الإنسداد السياسي و التي رمت بغيومها الداكنة على أجواء البلاد كانت كفيلة بإزعاج الجميع و قتل التفاؤل في أشد النفوس مرحاً و تطلعاً للسعادة و الوئام. كثيرون منا قد وصلوا هذه المرحلة منذ زمن طويل و صاروا بعد طول انتظار لما قد تأتي به التواريخ الحاسمة و الأيام الحبلى و إشاعات الحوارات، صاروا لا يترقبون حكاية شرقية بختامها يتزوج الأبطال كما يقول نزار قباني، و تيقنوا أن الرياح تجري دوماً بما لا تشتهيه سفنهم الطامحة للإستقرار و الأمان.
 كان من المعتدلين و الواضحين في الإشارة إلى ما يعتقد أنه خطأ بلا مواربة و لا مجاملة رغم التزامه بعدم التصادم و عدم قطع طرق الإصلاح بين أي فرقاء بل أعلم أنه يتمنى لو يستطيع فعل شئ أي شئ ليرى المياه تسير في مجاريها. كلنا ذلك الرجل، و من لم يتوقف عن الكتابة فسيتوقف حتماً، غداً أو بعده، أو ربما سنبدأ في الكلام عن الأحوال الجوية أو أسباب ظهور الذباب في الصيف أو عن أي شئ تافه من حيث عدم اتصاله بواقع حياتنا.
 لا أدري إن كان يسعد الأطراف المؤثرون في المعادلة البحرينية أو يحزنهم أن يعلموا أن كثيرين ممن يعدون أنفسهم معتدلين قد كفروا برشد الأطراف كلها، و صاروا يرون أن ما يجري هو حوار طرشان كبير لا يسمع أطرافه بعضهم البعض. هؤلاء الكثيرين كانت أبصارهم تتنقل كل يوم بين من تعقد عليهم الآمال من شخصيات و قيادات على طريقة “هذا ربي هذا أكبر” بلا نتيجة تذكر. يستنكر أحدهم أخطاء المعارضة فلا يرى ما يسره من سواها و ينزعج لانحياز طرف فلا يجد ما يداوي انزعاجه في سلوك الآخر.
 آخر كان يتساءل و هو يرى جمعيات تبرز و تلقى دعماً خيالياً ثم تشتهر بسرعة الصاروخ و يراها تنكمش بعدها ليظهر حجمها الحقيقي فيتساءل، ألم يكن الأجدى التعامل مع معتدلين موجودين من قبل و الإستفادة من الطرح العقلاني غير المصطنع؟ ألم يكن ذلك في حينه لينزع فتائل الازمات و يؤسس لحلول جذرية، لكن ذلك لم يحدث في حينه، و لذا لم يكن في وارد الواقعية أن يتم استنهاضه بسرعة و في أجواء مغبرة و محمومة بل  ربما مكهربة.
 ثالثهم ربما كان أكثرهم صراحة و هو يجلس على الطاولة و يصارح الجالسين بأن الإعتدال قد ذبح من  الوريد إلى الوريد، بينما عيناه تكشفان ما يجول في ذهنه من مناظر تستعرضها ذاكرته و هو على يقين أن أي حل قادم سيأخذ وقتاً ليتبلور.
 سواهم كثيرون حرق اليأس قلوبهم و غير الإحباط في فكرهم و مالوا من الإعتدال إلى الإعتزال، و ثمة فرق كبير بين الكلمتين رغم أنهما لفظياً متشابهان إلا أن المعنى متباين. و في غياب الإعتدال فإن القراءة لا تشي بمستقبل أفضل حتى إذا أوجدت المعادلة حلاً.

آخر الوحي:
 إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا
 أن لا تفارقهم فالراحلون همُ

أبو الطيب المتنبي

الأحد، 22 أبريل 2012

مرضى السكلر...البيت لها !!!









الأحد 22 أبريل 2012

حينما تساءل النائب علي العطيش عن حق مرضى السكلر في إعانة ذوي الإحتياجات الخاصة، احتج على وزيرة التنمية من خلال الجوانب الموضوعية لمعاناة مرضى السكلر و حاول ذكر أوجه هذه المعاناة بإسهاب مع ذكر النصوص القانونية المرتبطة بتعريف الإعاقة. من خلال ذلك قام بمقاربة ربما تستفيد منها السلطة التشريعية في حل مشكلة إعانة مرضى السكلر و ربما تكون مدخلاً للنظر لأمراض مزمنة أخرى يمكن توصيفها بأنها من أنواع و مسببات الإعاقة.  تكلم بصورة مطلقة، دون مقارنة الممارسة أو التشريع البحريني في هذا الخصوص بأي ممارسة أو تشريع آخر، ربما لأنه كما قلنا في وقت سابق أن المرض غير شائع عالمياً و إنما هو من الأمراض التي تكثر في مجتمعنا البحريني دون غيره، لذا لم يكن في الحسبان ربما أن يقف و يقول لسعادة الوزيرة كما قال حسين في مسلسل درب الزلق للقاضي حول بيت العجوز من أنه “ في بومبي البيت لها”.  و الطريف أننا بالفعل كبشر و ربما كدول نامية فنحن تابعون في تقديراتنا و عاجزون عن سوى الإستئناس بآراء التشريعات في الدول الأخرى، و ربما من هذا الباب عجزت الوزارة أن تكون جريئة  لتصف هذا المرض أنه إعاقة فتكلف ميزانية الدولة بإجتهادها ماقد يثير امتعاض الجمهور ممن لا يعلم حقيقة معنى “سكلر”. هل هذا يعيدنا للكلام عن سلوك الوزارات الخدمية عندنا؟ و أن الوزارات عندنا هي أعجز الناس عن معرفة مدخولك عند توفير الخدمات فهي تطلب منك أن تتقدم بطلب يسيل معه ماء وجهك كله مشفوعاً بكل الأوراق التي تثبت مدخولك و قروضك و راتب زوجتك و ربما درجاتك الدراسية. أما حين تريد الإستقطاع منك أو حرمانك من الخدمة فإن كل معلوماتك بقدرة قادر تكون موجودة عند ذات الوزارة و عينها، ولله في خلقه شؤون.  و الطريف أن الوزارة إذا كانت حقاً مترددة في شأن إعانة الإعاقة لمرضى السكلر من باب عدم الإفراط في الرقة أو لئلا تتهم بتبديد الأموال و عدم الرشد في اتخاذ القرارات، فإن معلومة جديدة بالنسبة لي ربما تكون مفيدة للوزارة في حسم أمرها و إسكات من يلومها أو يتكلم عليها، ولو من باب “في نيو دلهي البيت لها”.  و هذه المعلومة تفيد أن إعانة الإعاقة تدفع لمرضى السكنسل أو السكلر بحسب نسبة المرض و تأثيره على صحة المريض، أي بالعربي الفصيح بحسب تقدير تقرير الطبيب أو اللجنة الطبية، و لكن أين؟  في المملكة العربية السعودية، و هي الدولة الملاصقة التي يربطنا بها الجوار و الأخوة و مجلس التعاون و المكاتب التنفيذية للتنسيق بين شتى أنواع الوزارات من صحة و داخلية و عمل و تنمية ، الخ الخ الخ. ترى هل من الممكن أن تستفيد الوزارة من هذه المعلومة؟ و الأهم هل سيستفيد المرضى عندنا من هذه الإعانة التي يحصل عليها نظراؤهم في السعودية و التي تصل بحسب معلوماتي إلى ثمانمائة ريال شهرياً؟ يا وزارة التنمية، في السعودية الإعانة لها.. والله من وراء القصد.

  آخر الوحي:

بنفسي من بين الأحبة ظاعن  نأى فاعترى قلبي عليه تفجع


 تؤرقني ذكراه كل عشية فأبكي ولا يجدي علي التوجع


  حسن الحداد  

الأربعاء، 18 أبريل 2012

الإحساس نعمة







الأربعاء ١٨ أبريل ٢٠١٢


في أبريل الماضي، كنت جالساً قرب كفتيريا مجمع السلمانية الطبي الواقعة قرب عيادات الفاتح، اقترب ذلك الوجه المألوف لشاب ثلاثيني عرفته حين كان وكنت في العقد الثاني من عمرينا ربما، وظللنا نلتقي مصادفة وربما فصل بين اللقاء والآخر أربعة أعوام أو خمسة. حين اقترب، لم يكن ماشياً على قدميه، وإنما كان يدفع كرسيه المتحرك دفعاً وقد علق عليه أنبوب التغذية، أخذتنا الأحاديث وتذاكرنا آخر مرة التقينا فيها وهل كانت قبل خمس سنوات أو أكثر. لم أطل الوقوف معه لاستعجالي. في أغسطس من العام نفسه وفي نفس المكان كنت على موعد مع الصدفة للقائه، وكان أيضاً راقداً في المستشفى، وكنت أنا أعود مريضاً آخر ووقفنا نفس الوقفة القصيرة. ثم مضيت أنا مسرعاً مرة أخرى، فيما بقي مكانه يأخذ فاصلاً من السرير الذي يقضي فيه جل يومه. كان مريضاً بمرض السكلر وأذكر أن آخر خبر سمعته عنه في صبانا أنه أدخل المستشفى بسبب نوبة شديدة من السكلر وقد أثرت على أطرافه بشكل كبير قد يحرمه من المشي، بالإضافة إلى مخاوف أكبر يحاول الجميع عدم التفكير فيها ويقتصرون على الدعاء له بالشفاء العاجل.
طفقت أفكر بعد لقاءاتي معه، كيف كان آخر خبر سمعته عنه غير سعيد البتة، ثم تذكرت تساؤلي عنه كلما لقيت أحداً من أقاربه لأسمع نفس الأخبار، وكيف كانت لقاءاتي به العام الماضي شاهداً على ما يعيشه من معاناة لا تطاق وآلام لا تحتمل. وأخذت أجيل أفكاري متذكراً بعض من عرفتهم في محطات متفاوتة من عمر الطفولة والشباب، وتذكرت كيف تلقيت حول شباب بهذا العمر أنباء مفجعة.
أحدهم كان محمد الذي كان من أصدقاء الطفولة، كان نحيل الجسم قصير البنية، وكان هادئ الطباع طيب الأخلاق وادعاً محبوباً من الجميع. وفي سنة من السنوات، أودى السكلر بوظائف كليتيه، الأمر الذي وضع حداً لسنوات حياته القصيرة. وبالرغم من أن أكثر من شخص كانوا يودون التبرع له، إلا أن الأجل لم يمهله طويلاً.
أما في سنوات الجامعة، فكان عقيل ذلك الشاب الممتلئ بالحياة والشديد المرح، والذي يستحيل أن لا تلاحظ وجوده وربما لا تتمكن من تجاهل غيابه، إلا أن المرض الذي كان يتحرك في عروقه لم يمهله أيضاً، فانصرف سريعاً والتحق بالرفيق الأعلى وهو في أوائل سنوات العقد الثالث من عمره القصير.
 وبين محمد وعقيل العديد من الزملاء والأصدقاء ممن تعثر في دراسته، أو سيطر عليه المرض ذاته فأقعده، وجعله يعيش على هامش الحياة الدراسية والعملية. وحقيقة لا أدري إن كان بالإمكان اعتبار هؤلاء الشباب معاقين أم نعتبرهم عابري سبيل في هذه الحياة، أو أن نقسوَ عليهم فنتعامل معهم كأشخاص عليهم نفس الواجبات وليس لهم من الحقوق ما يعينهم على ما هم فيه من مرض يحمل في نوباته الآلام المبرحة والمخاطر الجسيمة التي قد تصل إلى الوفاة.
تغيرات الطقس تحمل لهم مخاطر ووعود بنوبات المرض، الضغط النفسي يهددهم ببعض النوبات، والإرهاق قد يزيد هذه الجرعات، يضاف إلى هذا نصيبهم من النوبات غير المرتبطة بسبب محدد. يذكر أن هذا المرض بحريني بامتياز، ولا أعلم نسبة وجوده في الدول الأخرى، إلا أنني لم أسمع برنامجاً طبياً واحداً ولم أقرأ موضوعاً علمياً منفرداً عنه إلا في وسائل إعلامنا نحن. ولم أسمع عن جمعية تحمل اسم هذا المرض إلا في البحرين.
في عام 2011 كان المعدل يزيد عن وفاة واحدة كل عشرة ايام، وعموم من يموتون بسببه من الشباب ومن صغار السن. فهل فعلنا ما يمكننا فعله لخفض هذا المعدل؟ وهل ننتظر أن نتمكن من خفضه ثم نحاول توفير حياة كريمة للمصابين به أم سنبقى نقول لهم إنها غلطة آبائكم حين لم يقوموا بفحص الزواج أو لم يلتزموا بنتائجه؟
في الختام أوجه تساؤلاً لوزارة التنمية الاجتماعية وهي ذاتها وزارة حقوق الإنسان وربما كانت في وقت ما وزيرتها وزيرة للصحة بالوكالة. أقول للوزارة، والتي وجه لها النائب علي العطيش مشكوراً تساؤلاً عن إمكانية شمول مرضى السكلر في استحقاق معونة الإعاقة، ألا تستحق هذه الشريحة من المجتمع نظرة فاحصة لظروفهم ولو لكل حالة على حدة؟ فإذا كانت العبرة بقدرتهم على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، أليس من حقهم أن تنظر لجان طبية واجتماعية في تقييم كل حالة؟ ودمتم مشكورين...
أقول كفانا الله وإياكم شر المرض، ولكن لنحاول تحسس معاناة الآخرين، ولربما كانت الكلمات ندى وبلسماً لآلام إخواننا، فإذا أحسسنا بآلامهم أدركنا وأدركوا كيف أن الإحساس نعمة.

الأحد، 15 أبريل 2012

نتنياهو و باقي الشباب








الأحد ١٥ أبريل ٢٠١٢


منذ سنوات، و ككل عربي و مسلم، و أنا أتابع الأخبار و أركز على أخبار الكيان الجار الغاشم و التوسعي و العنصري، ولست أتكلم بالتأكيد هنا عن لغز، و أرجو أن لا يكون السياق الزمني للأخبار الذي صار يجعل أي تعبيرات من هذا القبيل تفسر بأنها مقدمة للكلام عن إيران مما أنسانا أن للعرب قضية كبرى تاريخية تسمى قضية فلسطين، صار آباؤنا بفضلها قوميين ناصريين، و دفعوا و دفعنا معهم في كل رسالة ثمن  طابع بريد سماوي اللون كان يذهب للمجهود الحربي. و بمعنى آخر فإن كل مواطن عربي كان لا يستنكف من أن يقدم ولو القليل لنصرة إخوانه و قضيته الكبرى، و كان كل واحد منهم يحلم بتحرير أولى القبلتين و ثالث الحرمين.
 و في متابعتي لهذه الأخبار كانت التعبيرات تزداد نعومة شيئاً فشيئاً، فالعدو المحتل، صار الكيان الصهيوني، ثم  صار القوات الإسرائيلية، و ربما غداً يصير إسرائيل الصديقة أو شريك السلام أو أي شئ آخر مما يعبر عن التطبيع التام و ربما علاقات الصداقة.
 الكثير من العرب جعلوا العداوة مع الصهاينة المنبثقة من قضية فلسطين لا تختلف عن معاداة اليهود و كأن الأمر لا يعدو طبيعة عنصرية سيئة نابعة من سوء أخلاقنا نحن. وخلافاً لهؤلاء الكثرة من العرب، أنظر لليهود كأصحاب ديانة سماوية، وديانتهم المختلفة لا علاقة لها بقضية العرب حتى و إن قامت الصهيونية على أعمدة من أهمها ما قيل عن حق اليهود في وطن قومي لهم اختير له أن يكون في قلب بلاد العرب، و اختير له أن يحاصر القبلة الأولى للمسلمين بحثاً عن هيكل سليمان ليكون شاهداً يدعم دولة الصهاينة و أن يسيطر على البلاد التي شهدت ميلاد السيد المسيح الإعجازي و دعوته.
 في السنوات الأخيرة لم تعد قضية فلسطين ولا حتى قضية السلام في الشرق الأوسط قضية العرب الأولى، بل لم يعد أحد يدعي أنها قضية مركزية لكل العرب. فالعرب الذين صاروا و لعقود مقسمين بين دول إعتدال و دول ممانعة تجاه السياسة الأمريكية بالطبع، انتقلت خلافاتهم شيئاً فشيئاً من موقف و أسلوب تجاه قضية إلى خلافات شخصية ستتمخض عنها ربما حروب طاحنة أو حروب غير مباشرة عبر دعم الأحزاب و الجماعات الساعية للتغيير مما سيسفر عن انقلابات و ثورات و زلازل داخلية شعبية.
 و بخلاف الحروب بين الجيوش النظامية التي تحمل معها أسلحتها و ولاءها و عقيدتها العسكرية، سوف تعتمد الفوضى الخلاقة المباحة الإستخدام بحسب دعوة و فتوى السيدة رايس على التجييش بحسب العقيدة الدينية و المستغلة في كل مركز من المراكز من قبل نظام سياسي ما يعمل كراعٍ لهذه العقيدة و يعمل على تحريكها و تنميتها لتنمو مصالحه السياسية و الإستراتيجية معها، لا حباً في الدين و لكن حباً في التوسع.
 الموقف الأخلاقي إذن ينحدر إلى أسفل سافلين، فالأخوة الدينية التي كانت في أجيال الممانعة و المجهود الحربي تحولت إلى نفعية  من ناحية الموقف السياسي تجاه الخارج و عدائية بين قيادات المعسكرات المتقارعة في الداخل و طائفية بين الشعوب و المذاهب، و هنا يتعمق الخلاف و يتجذر حتى يصل إلى رجل الشارع الذي كان أبوه المسلم لا يعرف مذهب جاره بينما اليوم يحذر إبنه من ذلك المذهب و أنهم شر الخلق. يتكلم الرجل هنا من منطلق ديني، إلا أن هذه النعرة التي لا تكتفي بالدعوة للمحافظة على الموروث بل تتجه لتشويه إنسانية الأفراد الآخرين لم تستيقظ وحدها، و إنما أيقظها تجار الطائفية عبر القنوات و المواقع.
 و المضحك أن هؤلاء الطائفيين المصنوعين مفضوحون بشكل غبي و سخيف بل و شديد الإبتذال. ففي قنوات يفترض أنها للدعوة المذهبية أو حتى لمهاجمة المذاهب الأخرى صراحة و علناً، يختفي فجأة موضوع الخلاف العقدي و تحتل قضايا الأزمات الداخلية للدول برامج هذه القنوات، و تضاف إلى برامجها برامج قد تخالف الرسالة المعلنة للقناة، فتجد مقدم البرنامج ليبرالياً لا ديني مشهوراً بعدم التزامه و ربما بمهاجمة التدين، إلا أن المصالح المشتركة و الرسالة غير المعلنة للقناة تقتضي ذلك الإبتذال.
 نعم،هذا هو حالنا اليوم، تشعل الحروب بين الشعوب بإسم المذاهب إما حفاظاً على الكراسي أو طلباً لها، و بينما تزيد الشقة بين الإخوة تتقارب العلاقات أكثر فأكثر مع العدو المحتل الذي يتواصل تجميل إسمه حتى اقترب أن تعبر عنه نشرات الأخبار بعبارة “نتنياهو و باقي الشباب”.
 آخر الوحي:
و رأيتك..
تقسم أيامك ما بين التبغ و بين الحب...
شئ من تبغ مع بعض الحب مضرٌ...
لكن الحب بلا تبغٍ..؟
قاتل !!

الأربعاء، 11 أبريل 2012

رفقاً بعقولنا







الأربعاء ١١ أبريل ٢٠١٢



في حرب احتلال العراق، كان وزير الاعلام الصحاف يخرج لوسائل الاعلام ويتجول في الشوارع ويطلق من الأخبار ما يكاد لا يصدقه عقل، بل ربما لا يتحمله عقل، الا أن ذلك لم يمنعه من مواصلة هذا الدور الذي جعل منه نجماً جماهيرياً حول العالم وأيقونة لهذه الحرب بلا منازع. النظام العراقي حينها كأي نظام يعيش صراعاً لم يدخر اشاعة ولا أقصوصة سخيفة الا استخدمها لصنع الرأي العام واشغاله تارة، وللحرب النفسية تارة أخرى ولرفع معنويات أتباعه وجنوده في ثالثة. بلغ من سخافة هذه الأقاصيص أنها كانت من شر البلية الذي يضحكك حد الاعياء بل يضحك الثكلى والأرملة واليتيمة. فمن تلك مثلاً قصة الطائرة الأباتشي التي أسقطها المزارع البسيط “منقاش” ببندقية صيد. وأذكر أن التندر بهذه الرواية قد دفع أحد الكافتيريات الى ابتكار سندويتش أسماه “منقاش”، وآخر سماه “الصحاف” ولعل هذه الكافتيريا مازالت تقدم هاتين الشطيرتين.
ومن أمثال ذلك ما خرج به اللبنانيون حول ما حصل خلال حرب تموز حين رأى بعض اللبنانيين أجساماً تقاتل معهم وتدفع عنهم الأعداء. أحد هذه الأدوار قام به أحد الدعاة الدينيين وهو يروي على الهواء قصة من سوريا عن فرسان بيض على أفراس بيضاء بدت لجنود بشار في اليقظة لا المنام كما لو كان بشرى بقرب انتصار ثوار سوريا على نظامهم بل كانت عوناً لهم في معاركهم.
ومن أمثال ذلك الكلام عن أن الثورة المصرية هي ثورة شعبية خالصة، غير أن واقع الحال يدل على غير ذلك. فمنذ أول يوم لدخول الجيش، ظل المشهد المتكرر على الشاشة مشهد الدبابات تعبر الكوبري من أمام الاشارة وقد كتب عليها عبارة “يسقط مبارك” وكأن الجيش طرف في المعركة وجزء مهم من الثورة، طبعاً في حينها حين تتكلم وتشير الى شيء مريب يحصل وأن الثورة يتم استغلالها لتغطية انقلاب عسكري تتم مواجهتك بحمية وحماس شديدين للدفاع عن الثورة، حتى يسفر الصبح لذي عينين وترى من كان يرفض ذلك التحليل وهويهتف ضد حكم العسكر و ضد الفلول من نظام مبارك.
هذا هو الحال في أوقات الأزمات عقول مستعدة للتصديق بسهولة، لا تملك من الوقت ما يكفي للتشكيك في أي اشاعة أو بروبوغاندا، يدفعها لذلك الحماس والخوف والطمع، الا أنه ما ان ينقشع الغبار حتى يتجلى ما كان خافياً وهنا يبدأ دور التاريخ في توضيح وتوثيق ما لعبه الاعلام من أدوار قذرة في استغلال عواطف الناس ومشاعرهم وتجييرهم في اتجاهات معينة بناء على الخديعة، وتنقلب الأدوار فيصير المتهم ضحية والضحية متهماً.
بعد كل هذا تجد بعض الأقلام والوجوه التي جرت ما جرت على الناس من كذب وافتراء وفبركة تملك بعض الحياء لتعتزل بعد أن سودت وجه التاريخ وحان اسوداد وجهها وقليل هم هؤلاء، فأغلبية من يعتزل فهو يعتزل مكرهاً، ولعله يصدر كتاباً فيما بعد يستثمر فيه سواد وجهه. أما الغالبية منهم فيقومون باعادة خرط اقلامهم خرطة جديدة تتناسب مع العهد الجديد والدور الجديد والفكر الجديد.
ومن الطريف في ذلك ما يحكى في المقامة الدينارية من مقامات الحريري، حين طلب من رجل أن يمدح الدينار مدحاً لا يوصف ليستحق أن يعطى ديناراً فقال مدحاً كان منه:
أكرم به أصفر راقت صفرته... جواب آفاق ترامت سفرته
مأثورة سمعته وشهرته... قد أودعت سر الغنى أسرته

وقارنت نجح المساعي خطرته... وحببت الى الأنام غرته
وختم هذه الأبيات بقوله “لولا التقى لقلت جلت قدرته”.

فطلب منه أن يذمه أسوأ الذم لينال ديناراً آخر، فكان مما قال مرتجلاً:
 تبا له من خادع مماذق... أصفر ذي وجهين كالمنافق
يبدو بوصفين لعين الرامق... زينة معشوق ولون عاشق
وحبه عند ذوي الحقائق... يدعو الى ارتكاب سخط الخالق
وربما كان حال شاعرنا في هذه المقامة حال الكثير من كتابنا الذين يتطرفون في اتجاه حتى ينتهي أمده فيضطرون مرة أخرى للتطرف في الاتجاه الآخر، فلا يرفقون بعقولنا عند تصديقهم في الأولي، ولا هم يرفقون بها عند انقلابهم في الثانية، فانتظروا وأنا معكم من المنتظرين، فعجائب الدنيا لا تنقضي وغرائبها في كل يوم تتجدد.

الأحد، 8 أبريل 2012

مناهجنا المثقلة









الأحد ٨ أبريل ٢٠١٢


قبل أن أتخصص في مجال إدارة الأعمال، كنت قد أنهيت دراستي الثانوية في المسار العلمي. و بالطبع حين كانت جامعة البحرين الخيار الوحيد للدراسة، كان اختيار التخصص في المسار العلمي هو الخيار الأسلم ليضمن الخريج أن خيارات التخصص أمامه تبقى مفتوحة، فيمكنه دخول المجالات الأدبية أو العلمية أو التجارية أو الهندسية حين يبدأ باختيار رغبات التخصص الجامعي. و ذلك بخلاف الحال فيما لو اختار المسار التجاري أو الأدبي و الصناعي، فتكون الخيارات حينئذ محدودة لكل مسار.
 و بالرغم أنني استفدت جماً  من اختيار هذا المسار، إلا أنني اليوم حين أفكر، أقول ان مناهجنا المدرسية عامة تكون مركزة و دقيقة رغم عدم احتياج الطلاب لكثير من مواضيعها في المستقبل. فمن يتوقع ان يصادف الخريج الصيغة الجزيئية لمركب البنزين او بنزوات الصوديوم أو بيكربونات الماغنيسيوم كم كنا نحتاج لندرس المواد الكيميائية المركبة، و كم سنحتاج من تعمق في دراسة الفيزياء و الكهرومغناطيسية  و مساقات الأحياء الدقيقة و الوراثة.
 تبقى لهذه المواد الدراسية فائدتها إلا أن ما نحتاجه ليحقق لنا الفائدة المماثلة في عصر الجوجل أكثر بكثير من مجرد حفظ جدول العناصر الكيميائية أو مساقات الكواكب عن كوكب الأرض. فكل هذه المناهج تركز بشكل ظاهر على الحفظ و الذاكرة بدل الفهم و الإستفادة و التطبيق العملي.
 التطبيق الذي كنا نتمنى دوما أن يكون مثل حصص المجالات ذا فائدة عملية مباشرة للطالب و الذي يعتبر منهجاً عملياً بخلاف معظم ما ندرسه من مقررات لا تحمل تطبيقات بل تعتمد أكثر ما تعتمد على الحفظ و تغطية أعمق مستوى ممكن من المعلومات تحتاج لجهود جبارة لحفظها و كأن المنهج الدراسي هدفه إغراق عقل الطالب بدلاً من دفعه للتفكير و الإبداع.
 تفتقر مناهجنا لبعض حصص المهارات الموجودة في مناهج دول أخرى، كالجدال مثلاً، فمدارس بعض الدول كالمدارس الهندية تدرس مادة الجدال في هيئة مسابقات داخل المدرسة و تشكيل فرق للمسابقات بين المدارس حتى الوصول للدور النهائي. هذا النوع من المواد و المهارات العقلية التي تهتم بالجانب التطبيقي لدراسة المنطق فيه من الفائدة الشيء الكثير لتنشيط أذهان الطلاب و شحذ عقولهم كأداة تفكير لا أداة تخزين و حفظ . تفتقر مناهجنا إلى توضيح عملي لمساوئ العقل الجمعي، و تفتقر إلى خلق مساحات للإختلاف في الرأي، و تفتقر إلى آداب الإختلاف في الرأي و تقبله و التعامل معه باحترام.
 كذلك فإن تدريس مواد تنمي عند الإنسان مهارة تحويل أي فكرة إلى منتج ثم بيعه و تسويقه و إيجاد مدخول مادي منه، يجعل فكرة أن يمارس أي إنسان العمل أو النشاط العلمي أو الأدبي الذي يحبه فكرة غير مرتبطة بسوق العمل و احتياجاته. سوق العمل و الإهتمام باحتياجاته شىء مهم للتخطيط على مستوى الدول، و لكن الحال عندنا اليوم أن كل إنسان صار يدفن مواهبه و اهتماماته بسبب أنه يخشى أن لا يجد لها مكاناً في سوق الإنتاج، صار التفكير في احتياجات سوق العمل اهتماماً فردياً و تخطيطاً شخصياً بدل أن يكون على مستوى المؤسسات و الدول. لذا صار لزاماً للإستفادة من المواهب أن تزرع فيها الإستقلالية منذ طور الدراسة و توفر لها المؤسسات الراعية بعد الدراسة.
لقد انخفضت نسبة الأمية، و ازدادت عندنا أعداد حملة الشهادات العليا، و لكن هل المجتمع بالفعل يفيد بكل شخص من حملة الشهادات كما كان حين كانوا قلة يمارسون أدواراً مختلفة في المجتمع و في الوظيفة و في إنشاء المؤسسات الأهلية. أم أن كثيراً منهم اليوم هم باحثون عن القبول في العمل و في المجتمع؟ هل يقومون بإثراء المجتمع أم يكونون ضمن سيطرة السلطة الإجتماعية؟ أعتقد أن مناهجنا منذ المراحل التأسيسية لها الدور الأكبر في خلق ذهنية التابع و دفن ذهنية الرائد، و إن كان الإحتكار يستفيد من خلق الأتباع  إلا أن المجتمع ككل يتضرر من غياب و قلة الرواد.

آخر الوحي:
عاد الزمان و ما عادت ليالينا***كسابق العهد نحييها و تحيينا
عاد الزمان و ما ابتلت مرابعنا***بوابل الحب هل جفت مراعينا؟
من يا ترى يرجع الأيام باسمة***و من يكفكف دمعاً من مآقينا؟

محمد هادي الحلواجي

الأربعاء، 4 أبريل 2012

ذكرى و تغريدات ٢







الأربعاء ٤ أبريل ٢٠١٢


لم يكن الشيخ سليمان المدني رحمه الله غائباً عن أحداث 2011، بل كان يراها كامتداد طبيعي للأحداث التي سبقتها، وكان أن حذر من كل العواقب الوخيمة التي من الممكن أن تعصف بالبلاد جراء غياب الرفق والحكمة والتعقل وانتهاج الشدة والتخاصم والتشاجر في التسعينات. لذلك حذر في التسعينات من التشدد ودعا الى التحاور، والاشكاليات التي كان يراها في النهج المعارض آنذاك كلها حاضرة اليوم وبنفس القوة وربما بشكل أكبر.
 مبدئياً كان يرفض الدعوة للدولة المدنية، فهو قد قال في كلمة “موقفنا من الحياة النيابية” نصاً “فاذن توجهي ليس ضد الحياة النيابية لا سابقاً ولا لاحقاً، ولكنني لست مستعداً أن أطالب بالحياة النيابية على وفق النسخة الأوروبية الخالصة والتي منها الصيغة الدستورية في البحرين للحياة النيابية”. واعتقد أن المطالبة بهذه الصيغة حالياً هي مطالبة صريحة لا تقبل التشكيك ولا المراوغة.
 وسياسياً كان يرى منذ ذلك الحين عدم الامكانية لتحقيق مثل هذا المطلب، بالنظر الى السياق الاقليمي وما يمثله مجلس التعاون من ثقل وتأثير اقتصادي وسياسي على البحرين لا يمكن تجاوزه. وهذه الاعتمادية ما تزال حاضرة ولها كثير من الشواهد.
 من ناحية ترتيب الاولويات، كان يرى ضرورة رفع المستوى العيشي والعمل على زيادة الحرية الشخصية في التعبير والتنقل. وخلق قنوات شرعية يعبر الانسان فيها عن رأيه ويكون هذا الرأي مسموعاً ومحل اعتبار من المسؤولين.
 كذلك كأسلوب كان يرفض التبرير للعنف والمواجهة والعنف المضاد من أي طرف، ولا يرى أي مبرر من أي طرف لانتهاجه في أي مرحلة. وهذا مازال حاضراً وان اختلف مسار الأحداث الا أن حساب واحد زائد واحد زائد واحد هو تبادلي في جميع الاتجاهات.
 كذلك كان يرفض تفاصيل العمل السياسي الذي يبرر لمخالفة الدين، كرفضه مقولة تقديم المصلحة العامة على الحكم الشرعي اذا تعارضا على مستوى حتى تقدير الأفراد. وهذا ما زال حاصلاً اليوم وحاضراً بقوة.
 كتحالفات كان يرفض التحالف مع اللادينيين والعمل معهم للوصول للمآرب السياسية. ولا شك أن هذه التحالفات حاضرة بقوة اليوم.
ثم أعجب بعد هذا كله ممن يأتيني ليقول ان الموقف المبدئي قد تغير او اختلف، بين ما كان يجري من قبل وما يجري اليوم، ليبرر التغير في توجهه، الا أنني أعذر هؤلاء وغيرهم وأقول كما قيل قديماً من أنها اذا أقبلت شبهت واذا أدبرت نبهت.
أما قول صاحبي عن تمييع الفكر المصان، فهو محق، وحول قوله عن اختراق ماهيتي فهو محق أيضاً، أما عن التماهي الحاصل، واذ أجبته أنه تماهي من الآخرين، فله الحق أن أذكر شاهداً على ذلك.
أذكر أنه قد قال بعض سياسيي الساحة يوماً إن التنسيق مع الشيوعيين جائز لكن التمكين لهم في قلوب الناس غير جائز، ومع أننا لم نرض منه هذا القول، الا أنه ليت السياسيين من الدينيين قد التزموا بهذا التفصيل، ولو أنهم التزموا به لما وجدنا الناس تهتف لرموز اليسار، ولما وجدناهم مقدمين في الاحترام والشرف على كل الناس، ولما وصلنا لمرحلة تصير صورهم على الجدران وفوق “أفاتارات” التويتر كأنهم مفخرة وشعار ورمز.
قل لي بربك يا صديقي كيف تسقط تلك التي هتف الناس ضدها أمس وهي العلمانية، ثم تنادوا بالمدنية والليبرالية ومع كل هذا التناقض الفاضح أستذكر أياماً مضت في طفولتنا التسعينية المتعبة وأنظر للارض وأقول “اييييه، الله يرحمك يا شيخ سليمان”.

آخر الوحي:
كشفت بأمس وجه غد تليد  تمطت عنه قافية شرود
كزرقاء اليمامة حين جلى  مصائر قومها بصر حديد

محمد مهدي الجواهري

الأحد، 1 أبريل 2012

ذكرى و تغريدات






الأحد ١ أبريل ٢٠١٢



قبل حوالي الأسبوع مرت علينا الذكرى التاسعة لرحيل الشيخ سليمان المدني رحمه الله، و هي تمر هذا العام في خضم من الأحداث التي زادت الشعور بالغياب لقامة دينية قل نظيرها و عز مثيلها، ففي الأوقات التي مرت والتي  كانت تتطلب المواقف الحاسمة و الآراء الحازمة و النظرة الثاقبة و الصراحة المتناهية مع الجميع، كان كل من عرفه و عاش معه يأسف لغيابه، و في الليلة الظلماء يفتقد البدر.
 يومها كنت أمر في جدحفص و رأيت منظر أحد جدرانها، فكتبت في حساب التويتر تغريدة تقول “من هوان الدنيا على الله أن نرى صور رموز اليسار على جدران جدحفص، ولن يفهم كلامي إلا من يعرف جدحفص” حينها رد علي أحد الأصدقاء الأعزاء،وهو أديب و أكثر من متابع عادي للساحة الثقافية و السياسية بتغريدة يقول فيها “هو أولى نماذج تمييع الفكر المصان لسنوات. إما أن يكون تماهياً مع الآخر المخالف أو إختراقاً لماهيتك المستقلة. ولا هوان في الأمرين”. و لم يكن مني سوى أن أرد مغرداً “هو اختراق لماهيتي بسبب تماهي بعض الآخرين. و هو ليس هواني و لكن هوان هذه الدنيا”.
 كان ذلك عندي من هوان الدنيا على الله و تقلب الأيام و تداولها لأن جدحفص التي نتحسر على مدنيها الراحل كانت لعقود قلعة و ساحة صراع بين الفكر الإسلامي و التيارات اللادينية، كانت رأس حربة في ذلك الصراع الفكري ثم السياسي و الإجتماعي، و كانت بعض الشخصيات الدينية الموجودة في الساحة اليوم إضافة إلى بعض من غابت شخوصهم وعاشت تعاليمهم عناصر شراكة و إسناد في هذا الطريق. كان الصراع حاداً حين كانت التيارات اللادينية في أوج قوتها، ربما بفعل كونها مسنودة من نظرائها في دول أخرى تمكنت فيها أن تصل إلى سدة الحكم بل كانت تمثل توازن القوى العظمى في أيام القطبية المزدوجة الشيوعية و الراسمالية. حينها كان الهجوم على الدين صريحاً و نعته بالقوى الرجعية و الظلامية في قبال التنوير و التقدمية و ما إلى ذلك.
 وقد انحسرت الموجة في البحرين بعد ذلك، و لكن انجلت الغبرة عن جثة الشهيد عبدالله المدني، الذي مثل رحيله بهذه الصورة المفجعة صدمة كبيرة لكل محبيه و عموم أهل البحرين و هو الشخصية الدينية و الإجتماعية و السياسية التي كانت تتسم بالحضور الطاغي في جدحفص و في قرى الريف الشمالي للبحرين. رحل تاركاً بصمات لا تمحى في النفوس عن قذارة تلك القوى الوصولية في سعيها للسيطرة على البلد و الناس و عدم استنكافها من استخدام أي وسيلة لبلوغ غاياتها و مآربها.
 ظلت جدحفص بعد ذلك عصية على التيارات اللادينية، و لم يكن أسوأ على أسماع أهلها كما أهل البحرين عامة من لفظة شيوعي، بكل ما تحمله اللفظة من مدلول على الإلحاد و العداء للأديان. و رغم إنحسار الموجة و ترجل أحد الفرسان الذين كانوا في طليعة من جابهوها، إلا أن أخاه الشيخ سليمان كان حاضراً بقوته و رباطة جأشه في صفوف المواجهة الأمامية.
 الرجل وقف في التسعينات موقفاً مبدئياً مبنياً على عدد من المبادئ التي كرر غرسها في أبناء الجيل التالي لجيل الستينات و السبعينات، و كان حازماً في مواجهة مآرب الأحزاب التي استطاع أن يسبر ببصره الثاقب ما ستجره على البحرين من بلاء، رغم تبصره و تذكيره الدائم لما يعتري الوضع السياسي من مشاكل تحتاج إلى حلول دائمة و مباشرة كان يرى ضرورة التأسيس لها، فلم يقتصر توجيهه و مناصحته على الناس بل كان واضحاً و صريحاً حتى مع مؤسسة الحكم، و كانت نصائحه و إرشاداته عن طريق الخطب و الكلمات جنباً إلى جنب مع التواصل المباشر الذي يقطع دابر كل الشكوك و الهواجس، و لذلك لم يستطع التحرك المعارض تجاوزه. و قد كان ذلك سواء بمحاولة ضمه إلى التحرك، أو بالسعي الممنهج لتسقيط شخصه و شخوص كبار العلماء معه في ذلك الحين. و للحديث تتمة.
 آخر الوحي:
 سيذكرني قومي إذا جد جدهم*** و في الليلة الظلماء يفتقد البدر

أبو فراس الحمداني