الأربعاء ٤ أبريل ٢٠١٢
لم يكن الشيخ سليمان المدني رحمه الله غائباً عن أحداث 2011، بل كان يراها كامتداد طبيعي للأحداث التي سبقتها، وكان أن حذر من كل العواقب الوخيمة التي من الممكن أن تعصف بالبلاد جراء غياب الرفق والحكمة والتعقل وانتهاج الشدة والتخاصم والتشاجر في التسعينات. لذلك حذر في التسعينات من التشدد ودعا الى التحاور، والاشكاليات التي كان يراها في النهج المعارض آنذاك كلها حاضرة اليوم وبنفس القوة وربما بشكل أكبر.
مبدئياً كان يرفض الدعوة للدولة المدنية، فهو قد قال في كلمة “موقفنا من الحياة النيابية” نصاً “فاذن توجهي ليس ضد الحياة النيابية لا سابقاً ولا لاحقاً، ولكنني لست مستعداً أن أطالب بالحياة النيابية على وفق النسخة الأوروبية الخالصة والتي منها الصيغة الدستورية في البحرين للحياة النيابية”. واعتقد أن المطالبة بهذه الصيغة حالياً هي مطالبة صريحة لا تقبل التشكيك ولا المراوغة.
وسياسياً كان يرى منذ ذلك الحين عدم الامكانية لتحقيق مثل هذا المطلب، بالنظر الى السياق الاقليمي وما يمثله مجلس التعاون من ثقل وتأثير اقتصادي وسياسي على البحرين لا يمكن تجاوزه. وهذه الاعتمادية ما تزال حاضرة ولها كثير من الشواهد.
من ناحية ترتيب الاولويات، كان يرى ضرورة رفع المستوى العيشي والعمل على زيادة الحرية الشخصية في التعبير والتنقل. وخلق قنوات شرعية يعبر الانسان فيها عن رأيه ويكون هذا الرأي مسموعاً ومحل اعتبار من المسؤولين.
كذلك كأسلوب كان يرفض التبرير للعنف والمواجهة والعنف المضاد من أي طرف، ولا يرى أي مبرر من أي طرف لانتهاجه في أي مرحلة. وهذا مازال حاضراً وان اختلف مسار الأحداث الا أن حساب واحد زائد واحد زائد واحد هو تبادلي في جميع الاتجاهات.
كذلك كان يرفض تفاصيل العمل السياسي الذي يبرر لمخالفة الدين، كرفضه مقولة تقديم المصلحة العامة على الحكم الشرعي اذا تعارضا على مستوى حتى تقدير الأفراد. وهذا ما زال حاصلاً اليوم وحاضراً بقوة.
كتحالفات كان يرفض التحالف مع اللادينيين والعمل معهم للوصول للمآرب السياسية. ولا شك أن هذه التحالفات حاضرة بقوة اليوم.
ثم أعجب بعد هذا كله ممن يأتيني ليقول ان الموقف المبدئي قد تغير او اختلف، بين ما كان يجري من قبل وما يجري اليوم، ليبرر التغير في توجهه، الا أنني أعذر هؤلاء وغيرهم وأقول كما قيل قديماً من أنها اذا أقبلت شبهت واذا أدبرت نبهت.
أما قول صاحبي عن تمييع الفكر المصان، فهو محق، وحول قوله عن اختراق ماهيتي فهو محق أيضاً، أما عن التماهي الحاصل، واذ أجبته أنه تماهي من الآخرين، فله الحق أن أذكر شاهداً على ذلك.
أذكر أنه قد قال بعض سياسيي الساحة يوماً إن التنسيق مع الشيوعيين جائز لكن التمكين لهم في قلوب الناس غير جائز، ومع أننا لم نرض منه هذا القول، الا أنه ليت السياسيين من الدينيين قد التزموا بهذا التفصيل، ولو أنهم التزموا به لما وجدنا الناس تهتف لرموز اليسار، ولما وجدناهم مقدمين في الاحترام والشرف على كل الناس، ولما وصلنا لمرحلة تصير صورهم على الجدران وفوق “أفاتارات” التويتر كأنهم مفخرة وشعار ورمز.
قل لي بربك يا صديقي كيف تسقط تلك التي هتف الناس ضدها أمس وهي العلمانية، ثم تنادوا بالمدنية والليبرالية ومع كل هذا التناقض الفاضح أستذكر أياماً مضت في طفولتنا التسعينية المتعبة وأنظر للارض وأقول “اييييه، الله يرحمك يا شيخ سليمان”.
آخر الوحي:
كشفت بأمس وجه غد تليد تمطت عنه قافية شرود
كزرقاء اليمامة حين جلى مصائر قومها بصر حديد
محمد مهدي الجواهري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق