الأربعاء ١٨ أبريل ٢٠١٢
في أبريل الماضي، كنت جالساً قرب كفتيريا مجمع السلمانية الطبي الواقعة قرب عيادات الفاتح، اقترب ذلك الوجه المألوف لشاب ثلاثيني عرفته حين كان وكنت في العقد الثاني من عمرينا ربما، وظللنا نلتقي مصادفة وربما فصل بين اللقاء والآخر أربعة أعوام أو خمسة. حين اقترب، لم يكن ماشياً على قدميه، وإنما كان يدفع كرسيه المتحرك دفعاً وقد علق عليه أنبوب التغذية، أخذتنا الأحاديث وتذاكرنا آخر مرة التقينا فيها وهل كانت قبل خمس سنوات أو أكثر. لم أطل الوقوف معه لاستعجالي. في أغسطس من العام نفسه وفي نفس المكان كنت على موعد مع الصدفة للقائه، وكان أيضاً راقداً في المستشفى، وكنت أنا أعود مريضاً آخر ووقفنا نفس الوقفة القصيرة. ثم مضيت أنا مسرعاً مرة أخرى، فيما بقي مكانه يأخذ فاصلاً من السرير الذي يقضي فيه جل يومه. كان مريضاً بمرض السكلر وأذكر أن آخر خبر سمعته عنه في صبانا أنه أدخل المستشفى بسبب نوبة شديدة من السكلر وقد أثرت على أطرافه بشكل كبير قد يحرمه من المشي، بالإضافة إلى مخاوف أكبر يحاول الجميع عدم التفكير فيها ويقتصرون على الدعاء له بالشفاء العاجل.
طفقت أفكر بعد لقاءاتي معه، كيف كان آخر خبر سمعته عنه غير سعيد البتة، ثم تذكرت تساؤلي عنه كلما لقيت أحداً من أقاربه لأسمع نفس الأخبار، وكيف كانت لقاءاتي به العام الماضي شاهداً على ما يعيشه من معاناة لا تطاق وآلام لا تحتمل. وأخذت أجيل أفكاري متذكراً بعض من عرفتهم في محطات متفاوتة من عمر الطفولة والشباب، وتذكرت كيف تلقيت حول شباب بهذا العمر أنباء مفجعة.
أحدهم كان محمد الذي كان من أصدقاء الطفولة، كان نحيل الجسم قصير البنية، وكان هادئ الطباع طيب الأخلاق وادعاً محبوباً من الجميع. وفي سنة من السنوات، أودى السكلر بوظائف كليتيه، الأمر الذي وضع حداً لسنوات حياته القصيرة. وبالرغم من أن أكثر من شخص كانوا يودون التبرع له، إلا أن الأجل لم يمهله طويلاً.
أما في سنوات الجامعة، فكان عقيل ذلك الشاب الممتلئ بالحياة والشديد المرح، والذي يستحيل أن لا تلاحظ وجوده وربما لا تتمكن من تجاهل غيابه، إلا أن المرض الذي كان يتحرك في عروقه لم يمهله أيضاً، فانصرف سريعاً والتحق بالرفيق الأعلى وهو في أوائل سنوات العقد الثالث من عمره القصير.
وبين محمد وعقيل العديد من الزملاء والأصدقاء ممن تعثر في دراسته، أو سيطر عليه المرض ذاته فأقعده، وجعله يعيش على هامش الحياة الدراسية والعملية. وحقيقة لا أدري إن كان بالإمكان اعتبار هؤلاء الشباب معاقين أم نعتبرهم عابري سبيل في هذه الحياة، أو أن نقسوَ عليهم فنتعامل معهم كأشخاص عليهم نفس الواجبات وليس لهم من الحقوق ما يعينهم على ما هم فيه من مرض يحمل في نوباته الآلام المبرحة والمخاطر الجسيمة التي قد تصل إلى الوفاة.
تغيرات الطقس تحمل لهم مخاطر ووعود بنوبات المرض، الضغط النفسي يهددهم ببعض النوبات، والإرهاق قد يزيد هذه الجرعات، يضاف إلى هذا نصيبهم من النوبات غير المرتبطة بسبب محدد. يذكر أن هذا المرض بحريني بامتياز، ولا أعلم نسبة وجوده في الدول الأخرى، إلا أنني لم أسمع برنامجاً طبياً واحداً ولم أقرأ موضوعاً علمياً منفرداً عنه إلا في وسائل إعلامنا نحن. ولم أسمع عن جمعية تحمل اسم هذا المرض إلا في البحرين.
في عام 2011 كان المعدل يزيد عن وفاة واحدة كل عشرة ايام، وعموم من يموتون بسببه من الشباب ومن صغار السن. فهل فعلنا ما يمكننا فعله لخفض هذا المعدل؟ وهل ننتظر أن نتمكن من خفضه ثم نحاول توفير حياة كريمة للمصابين به أم سنبقى نقول لهم إنها غلطة آبائكم حين لم يقوموا بفحص الزواج أو لم يلتزموا بنتائجه؟
في الختام أوجه تساؤلاً لوزارة التنمية الاجتماعية وهي ذاتها وزارة حقوق الإنسان وربما كانت في وقت ما وزيرتها وزيرة للصحة بالوكالة. أقول للوزارة، والتي وجه لها النائب علي العطيش مشكوراً تساؤلاً عن إمكانية شمول مرضى السكلر في استحقاق معونة الإعاقة، ألا تستحق هذه الشريحة من المجتمع نظرة فاحصة لظروفهم ولو لكل حالة على حدة؟ فإذا كانت العبرة بقدرتهم على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، أليس من حقهم أن تنظر لجان طبية واجتماعية في تقييم كل حالة؟ ودمتم مشكورين...
أقول كفانا الله وإياكم شر المرض، ولكن لنحاول تحسس معاناة الآخرين، ولربما كانت الكلمات ندى وبلسماً لآلام إخواننا، فإذا أحسسنا بآلامهم أدركنا وأدركوا كيف أن الإحساس نعمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق