الأحد، 8 أبريل 2012

مناهجنا المثقلة









الأحد ٨ أبريل ٢٠١٢


قبل أن أتخصص في مجال إدارة الأعمال، كنت قد أنهيت دراستي الثانوية في المسار العلمي. و بالطبع حين كانت جامعة البحرين الخيار الوحيد للدراسة، كان اختيار التخصص في المسار العلمي هو الخيار الأسلم ليضمن الخريج أن خيارات التخصص أمامه تبقى مفتوحة، فيمكنه دخول المجالات الأدبية أو العلمية أو التجارية أو الهندسية حين يبدأ باختيار رغبات التخصص الجامعي. و ذلك بخلاف الحال فيما لو اختار المسار التجاري أو الأدبي و الصناعي، فتكون الخيارات حينئذ محدودة لكل مسار.
 و بالرغم أنني استفدت جماً  من اختيار هذا المسار، إلا أنني اليوم حين أفكر، أقول ان مناهجنا المدرسية عامة تكون مركزة و دقيقة رغم عدم احتياج الطلاب لكثير من مواضيعها في المستقبل. فمن يتوقع ان يصادف الخريج الصيغة الجزيئية لمركب البنزين او بنزوات الصوديوم أو بيكربونات الماغنيسيوم كم كنا نحتاج لندرس المواد الكيميائية المركبة، و كم سنحتاج من تعمق في دراسة الفيزياء و الكهرومغناطيسية  و مساقات الأحياء الدقيقة و الوراثة.
 تبقى لهذه المواد الدراسية فائدتها إلا أن ما نحتاجه ليحقق لنا الفائدة المماثلة في عصر الجوجل أكثر بكثير من مجرد حفظ جدول العناصر الكيميائية أو مساقات الكواكب عن كوكب الأرض. فكل هذه المناهج تركز بشكل ظاهر على الحفظ و الذاكرة بدل الفهم و الإستفادة و التطبيق العملي.
 التطبيق الذي كنا نتمنى دوما أن يكون مثل حصص المجالات ذا فائدة عملية مباشرة للطالب و الذي يعتبر منهجاً عملياً بخلاف معظم ما ندرسه من مقررات لا تحمل تطبيقات بل تعتمد أكثر ما تعتمد على الحفظ و تغطية أعمق مستوى ممكن من المعلومات تحتاج لجهود جبارة لحفظها و كأن المنهج الدراسي هدفه إغراق عقل الطالب بدلاً من دفعه للتفكير و الإبداع.
 تفتقر مناهجنا لبعض حصص المهارات الموجودة في مناهج دول أخرى، كالجدال مثلاً، فمدارس بعض الدول كالمدارس الهندية تدرس مادة الجدال في هيئة مسابقات داخل المدرسة و تشكيل فرق للمسابقات بين المدارس حتى الوصول للدور النهائي. هذا النوع من المواد و المهارات العقلية التي تهتم بالجانب التطبيقي لدراسة المنطق فيه من الفائدة الشيء الكثير لتنشيط أذهان الطلاب و شحذ عقولهم كأداة تفكير لا أداة تخزين و حفظ . تفتقر مناهجنا إلى توضيح عملي لمساوئ العقل الجمعي، و تفتقر إلى خلق مساحات للإختلاف في الرأي، و تفتقر إلى آداب الإختلاف في الرأي و تقبله و التعامل معه باحترام.
 كذلك فإن تدريس مواد تنمي عند الإنسان مهارة تحويل أي فكرة إلى منتج ثم بيعه و تسويقه و إيجاد مدخول مادي منه، يجعل فكرة أن يمارس أي إنسان العمل أو النشاط العلمي أو الأدبي الذي يحبه فكرة غير مرتبطة بسوق العمل و احتياجاته. سوق العمل و الإهتمام باحتياجاته شىء مهم للتخطيط على مستوى الدول، و لكن الحال عندنا اليوم أن كل إنسان صار يدفن مواهبه و اهتماماته بسبب أنه يخشى أن لا يجد لها مكاناً في سوق الإنتاج، صار التفكير في احتياجات سوق العمل اهتماماً فردياً و تخطيطاً شخصياً بدل أن يكون على مستوى المؤسسات و الدول. لذا صار لزاماً للإستفادة من المواهب أن تزرع فيها الإستقلالية منذ طور الدراسة و توفر لها المؤسسات الراعية بعد الدراسة.
لقد انخفضت نسبة الأمية، و ازدادت عندنا أعداد حملة الشهادات العليا، و لكن هل المجتمع بالفعل يفيد بكل شخص من حملة الشهادات كما كان حين كانوا قلة يمارسون أدواراً مختلفة في المجتمع و في الوظيفة و في إنشاء المؤسسات الأهلية. أم أن كثيراً منهم اليوم هم باحثون عن القبول في العمل و في المجتمع؟ هل يقومون بإثراء المجتمع أم يكونون ضمن سيطرة السلطة الإجتماعية؟ أعتقد أن مناهجنا منذ المراحل التأسيسية لها الدور الأكبر في خلق ذهنية التابع و دفن ذهنية الرائد، و إن كان الإحتكار يستفيد من خلق الأتباع  إلا أن المجتمع ككل يتضرر من غياب و قلة الرواد.

آخر الوحي:
عاد الزمان و ما عادت ليالينا***كسابق العهد نحييها و تحيينا
عاد الزمان و ما ابتلت مرابعنا***بوابل الحب هل جفت مراعينا؟
من يا ترى يرجع الأيام باسمة***و من يكفكف دمعاً من مآقينا؟

محمد هادي الحلواجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق