الأحد ١ أبريل ٢٠١٢
قبل حوالي الأسبوع مرت علينا الذكرى التاسعة لرحيل الشيخ سليمان المدني رحمه الله، و هي تمر هذا العام في خضم من الأحداث التي زادت الشعور بالغياب لقامة دينية قل نظيرها و عز مثيلها، ففي الأوقات التي مرت والتي كانت تتطلب المواقف الحاسمة و الآراء الحازمة و النظرة الثاقبة و الصراحة المتناهية مع الجميع، كان كل من عرفه و عاش معه يأسف لغيابه، و في الليلة الظلماء يفتقد البدر.
يومها كنت أمر في جدحفص و رأيت منظر أحد جدرانها، فكتبت في حساب التويتر تغريدة تقول “من هوان الدنيا على الله أن نرى صور رموز اليسار على جدران جدحفص، ولن يفهم كلامي إلا من يعرف جدحفص” حينها رد علي أحد الأصدقاء الأعزاء،وهو أديب و أكثر من متابع عادي للساحة الثقافية و السياسية بتغريدة يقول فيها “هو أولى نماذج تمييع الفكر المصان لسنوات. إما أن يكون تماهياً مع الآخر المخالف أو إختراقاً لماهيتك المستقلة. ولا هوان في الأمرين”. و لم يكن مني سوى أن أرد مغرداً “هو اختراق لماهيتي بسبب تماهي بعض الآخرين. و هو ليس هواني و لكن هوان هذه الدنيا”.
كان ذلك عندي من هوان الدنيا على الله و تقلب الأيام و تداولها لأن جدحفص التي نتحسر على مدنيها الراحل كانت لعقود قلعة و ساحة صراع بين الفكر الإسلامي و التيارات اللادينية، كانت رأس حربة في ذلك الصراع الفكري ثم السياسي و الإجتماعي، و كانت بعض الشخصيات الدينية الموجودة في الساحة اليوم إضافة إلى بعض من غابت شخوصهم وعاشت تعاليمهم عناصر شراكة و إسناد في هذا الطريق. كان الصراع حاداً حين كانت التيارات اللادينية في أوج قوتها، ربما بفعل كونها مسنودة من نظرائها في دول أخرى تمكنت فيها أن تصل إلى سدة الحكم بل كانت تمثل توازن القوى العظمى في أيام القطبية المزدوجة الشيوعية و الراسمالية. حينها كان الهجوم على الدين صريحاً و نعته بالقوى الرجعية و الظلامية في قبال التنوير و التقدمية و ما إلى ذلك.
وقد انحسرت الموجة في البحرين بعد ذلك، و لكن انجلت الغبرة عن جثة الشهيد عبدالله المدني، الذي مثل رحيله بهذه الصورة المفجعة صدمة كبيرة لكل محبيه و عموم أهل البحرين و هو الشخصية الدينية و الإجتماعية و السياسية التي كانت تتسم بالحضور الطاغي في جدحفص و في قرى الريف الشمالي للبحرين. رحل تاركاً بصمات لا تمحى في النفوس عن قذارة تلك القوى الوصولية في سعيها للسيطرة على البلد و الناس و عدم استنكافها من استخدام أي وسيلة لبلوغ غاياتها و مآربها.
ظلت جدحفص بعد ذلك عصية على التيارات اللادينية، و لم يكن أسوأ على أسماع أهلها كما أهل البحرين عامة من لفظة شيوعي، بكل ما تحمله اللفظة من مدلول على الإلحاد و العداء للأديان. و رغم إنحسار الموجة و ترجل أحد الفرسان الذين كانوا في طليعة من جابهوها، إلا أن أخاه الشيخ سليمان كان حاضراً بقوته و رباطة جأشه في صفوف المواجهة الأمامية.
الرجل وقف في التسعينات موقفاً مبدئياً مبنياً على عدد من المبادئ التي كرر غرسها في أبناء الجيل التالي لجيل الستينات و السبعينات، و كان حازماً في مواجهة مآرب الأحزاب التي استطاع أن يسبر ببصره الثاقب ما ستجره على البحرين من بلاء، رغم تبصره و تذكيره الدائم لما يعتري الوضع السياسي من مشاكل تحتاج إلى حلول دائمة و مباشرة كان يرى ضرورة التأسيس لها، فلم يقتصر توجيهه و مناصحته على الناس بل كان واضحاً و صريحاً حتى مع مؤسسة الحكم، و كانت نصائحه و إرشاداته عن طريق الخطب و الكلمات جنباً إلى جنب مع التواصل المباشر الذي يقطع دابر كل الشكوك و الهواجس، و لذلك لم يستطع التحرك المعارض تجاوزه. و قد كان ذلك سواء بمحاولة ضمه إلى التحرك، أو بالسعي الممنهج لتسقيط شخصه و شخوص كبار العلماء معه في ذلك الحين. و للحديث تتمة.
آخر الوحي:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم*** و في الليلة الظلماء يفتقد البدر
أبو فراس الحمداني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق