الأحد، 29 يوليو 2012

الآخر أم أنفسنا؟








الأحد 29 يوليو 2012


كثيراً ما نعبر كما عبرت الأديان والمبادئ والنظريات الأخلاقية التي تحث بطبيعتها على الخير، وكما عبر القرآن بأن ما نفعله من خير فنحن لا نقدمه للآخرين إنما نقدمه لأنفسنا، نقدمه لسعادتنا ونقدمه لراحتنا. في المنظور الديني وعلى أساس عقيدة القيامة والحساب والحياة الأخرى، لكل هذه الأعمال الحسنة مردود إيجابي مشابه لطبيعة هذه الأعمال يبرر التصرف بهذه الطريقة. وفي المنظور العقلي أو النفسي والأخلاقي المجرد من الدين والمبني على نظريات فلسفية، فإن هذه التصرفات مدفوعة بما تخلقه من سعادة ورضا وسلام نفسي.
وربما يكون من الطريف ملاحظة السلوك الحيواني الخير في هذا الاتجاه من قبيل الوفاء عند الكلب والطائر والطاعة عند الحمار والإحجام عن أكل الميتة عند السبع بل وامتناعه عن الافتراس إلا عند الجوع. وكذلك، ما يتركه الإحسان في نفوس كثير من الحيوانات. فمراقبة أمثال هذه التصرفات و الطبائع قد توصلنا إلى انطباع أن التصرفات الأخلاقية الإيجابية هي تصرفات فطرية قبل أن تكون عقلية أو دينية. وباختصار فإن الإحسان والأذى يؤثران في نفس كل ذي نفس حين يقعان عليه، وبالتأكيد يؤثران على كل ذي نفس حين يصدران منه.
وفي هذا الباب هناك كلمة تؤثر عن أحد العلماء في البحرين، يقول فيها انه حتى القط في البحرين يميز بين الحلال والحرام، وذلك أن القط حين ترمى له قطعة اللحم يأكلها في مكانه دون أن يتحرك آمناً مطمئناً، أما حين يسرق السمكة فهو يولي هارباً لعلمه بأن فعله جريرة تستدعي العقاب.
وبالتأكيد فإن هذا ما ينطبق على الفعل الحسن وتأثيره في النفس وما يخلقه من السعادة، فالفعل السيئ يخلف أثراً سيئاً ومزعجاً لا يمكن التخلص منه بالنسبة لأي مخلوق يقترفه حتى لو كان حيواناً، فقد قدمنا أن الحيوان يميز بين الحق وبين العدوان، لذا فإن الإنسان ربما تميز عن الحيوان بقدرته على خلق التبرير بسبب وجود وازع أو واعظ داخلي يزعجه عندما يتصرف بالطريقة الخاطئة.
وربما كان أسوأ ما يساق من تبريرات للنفس وبالتالي للمجاميع هو إطلاق صفة التكفير على الآخر ومن ثم يصير كل ما يصدر تجاهه من أفعال مباحاً لا ضير في اقترافه، وبالتالي حماية النفس من التأثير النفسي السلبي الناتج من التصرف السلبي. مثل هذه التنظيرات صدرت مراراً وتكراراً لتبرير الاعتداءات التي تحصل في أي صراع بين فئات مجتمعية مختلفة. ربما كان لنا أن نتذكر يوم هتف أحد المسلمين عند فتح مكة “اليوم يوم الملحمة، اليوم تسبى الحرمة” وكيف أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم دعا حينها أن ينادى “اليوم يوم المرحمة، اليوم تصان الحرمة”.
التبريرات تشمل أيضاً أن يكون الإنسان مظلوماً، فتجد في كثير من الأحيان أن مظلوماً بالفعل استحال إلى ظالم حين عاقب من لا ذنب له أو تجاوز حدود ما وقع عليه من الاعتداء، فرغم أننا لا نزعم المثالية، إلا أنه من الجهالة والظلم الفاحش أن يعتدي الإنسان على من لا ذنب له فيسلبه حقاً من حقوقه، أو أن يأخذ بالجريرة المحسن والمسيئ أو يتجاوز حدود حقه فيعتدي فوق ما اعتدي عليه.
لذا فإننا حين نجد مجتمعاً يتجه بهذا الاتجاه فإننا نعلم أنه على شفير منحدر أخلاقي ونفسي يؤدي آخر ما يؤدي إلى كوارث لا تنتهي، وهنا يتوجب تنبيه الناس أن يكفوا عن إيذاء أنفسهم في الدنيا على المدى القصير والبعيد ومن ثم إيذائها فيما بعد.
في شهر رمضان نجد المسلمين يتنبهون لذلك مؤقتاً فتجد الواحد منهم حين يهم بإيذاء الآخر يتذكر أن أذاه سيصيب أول ما يصيب صيامه هو، فيحجم عن هذا التعدي ويقول “اللهم إني صائم”!!

الأحد، 22 يوليو 2012

رمضان...الصوم و المقاصد










الأحد  22 يوليو 2012

استقبلنا في هذا الأسبوع شهر رمضان، شهر آخر من شهور العبادة وموسم آخر من مواسم التقرب الى الله عز وجل. يحوي هذا الشهر أحد أهم أركان العبادة وهو الصيام عن المفطرات بين طلوع النهار الى مغيب الشمس، لمدة شهر كامل.
في هذا الموسم تتحقق للمسلم فوائد عدة من الصفاء في بدنه وروحه وعقله، وفي محصلة حسناته وسيئاته، وفي مراجعته لمنهج حياته، وفوائد كثيرة، أحدها في احساس الانسان بحال من هو أضعف منه حالاً، حين يحس بلسعة الجوع وهي تقرصه، فيستشعر ما يصيب الفقراء من الجوع ويحس بما يتوجب عليه تجاههم فرداً ومجتمعاً.
وربما كان الجوع بصورة عامة في مجتمعاتنا غير حاصل للفقراء الا في حالات يفترض ندرتها، الا أن الحاجة لكثير من متطلبات الحياة موجودة وتتطلب حراكاً من المجتمع لرفع المستوى المادي لهم وسد هذه الحاجات الماسة في الملبس والمسكن والعلاج والتعليم والزواج.
سد هذه الحاجات ممكن بما يتوافر من موارد مادية يملكها المجتمع، الا أن المعضلة التي تقف عائقاً أكبر هي معرفة المحتاجين خصوصاً وكثير منهم يسترهم تعففهم عن أن تعرف احتياجاتهم فيحصلوا على العون الذي يحتاجونه.
في مثل هذا الشهر الكريم، يتوجب على المسلم، بصورة أكبر، أن يتلمس حاجات أخيه ويسعى الى مساعدته بما أوتي من قدرات مادية ومعنوية ليستفيد المجتمع المسلم قدر الامكان من حالة الصفاء النفسي والروحي بأعلى مستوياتها التي قد تتوفر في هذا الشهر دون غيره وبصورة أكبر.
اليوم توجد مؤسسات عدة لمساعدة ذوي الحاجة ولكنها مهما تمكنت فانها تحتاج دوماً للوصول الى المتعففين، وذلك يتم في أفضل صوره عبر ارشادها الى ذوي الحاجة الذين لم يتمكنوا لسبب من أسباب نقص المعلومات عندهم أو حولهم من الحصول على المساعدة.
بامكان الجمعيات الخيرية القيام بالأنشطة البحثية اذا تمكنت من الحصول على مساعدة الأهالي في ايصال معلومات حول النماذج التالية: أسر ذات عدد كبير من الأفراد، أسر لديها أفراد من أصحاب الاحتياجات الخاصة، أشخاص من أصحاب المديونيات، أشخاص فقدوا أعمالهم لسبب أو آخر.
كلما توفرت معلومات من هذا القبيل كان بالامكان ارشاد الجمعيات الى حالات مستحقة للمساعدة، وهنا نتمنى على الأهالي التواصل بشكل أكبر والابلاغ عن حاجات لحالات ترفض التقدم بالطلب بينما هي في أمس الحاجة دون أن ترى.
كل عام وأنتم بخير، أعاننا الله واياكم على اتمام الصيام والقيام وتقبل طاعاتنا جميعاً.

الأحد، 15 يوليو 2012

رقم شخصي مميز








الأحد 15 يوليو 2012


لا أعلم إن كان سيعتبر ما أقوله ذا بال أم سيعتبر كلاماً لا قيمة له. بدأت الحكاية و نحن نتكلم مع بعض الأصدقاء عن إجراءات استخراج البطاقة الشخصية، فتكلم أحدهم عن إمكانية شراء رقم شخصي مميز للمواليد الجدد. أي للتوضيح، يمكن للوالدين دفع مبلغ إضافي عند تسجيل قيد المولود ليحصل على رقم شخصي متناسق الأرقام.
للوهلة الأولى ذهلت و ظننت أنني ضحية لمزحة أو مقلب، و لو كان موظف قيد المواليد هو الذي عرض علي هذا العرض، لضحكت باحثاً عن الكاميرا الخفية، إلا أنني و مع تأكيد الكلام من صاحبي مرة أخرى و استشهاده بأكثر من شخص يتكلمون عن نفس الموقف، لم أتقبل هذا الموضوع بتاتاً رغم تصديقي لما نقل لي.
وحين قمت بإشعال جهاز الكمبيوتر، و دخول موقع جوجل “العظيم” كتبت كلمتين هما “رقم شخصي” فاقترح علي مباشرة عبارة “رقم شخصي مميز”. و كأنه يقرأ أفكاري و ما أود كتابته. و بالفعل قمت بإختيار هذا الخيار لأجد نفسي أمام صفحة تابعة للجهاز المركزي للمعلومات، تعرض هذه الصفحة شروط و أحكام الخدمة و التي تقسم الأرقام المميزة إلى 3 فئات. أولى هذه الفئات تكلف مائة دينار، و الثانية بخمسة و سبعين ديناراً، فيما تكلف الفئة الثالثة خمسين ديناراً.
إذن فالكلام حقيقة و ليس مزاحاً، و هذه من المصائب التي يقال عنها “شر البلية ما يضحك”. و كمواطن يحق لي إبداء رأيي في الظواهر و الإجراءات، فإنني لا ادري بماذا أصف مثل هذه الخدمة، و ربما طلبت الإستعانة بصديق.
قائل قد يرد علي بمقولة المصريين “اللي ما عندوش، ما يلزموش” و قارئ آخر سيقول “لماذا تحجر على من يبحث عن التميز؟” و ثالث سيقول “لو لم يزعج المراجعون الموظفين بالإلحاح لما استحدثت هذه الخدمة”. و رابع سيتساءل “و ما الذي اختلف بين تسعير أرقام السيارات و الهواتف و الأرقام الشخصية؟”.
و هنا أبدأ بالسؤال الرابع فأقول أن التنافس على الأرقام المميزة حين يبدأ من الناس كما في أرقام تسجيل السيارات فتحاول مؤسسات الدولة ترشيده فهذا مقبول، أما حين تتبناه الدولة فهنا يكون الأمر عجيباً. أقول حين يكون الرقم قابلاً للتداول فيما بعد، فمن المعقول أن يدفع الإنسان ثمناً قد يمكنه استرداده فيما بعد بالبيع. حين يكون الرقم يضفي ميزة تجارية كرقم الهاتف ،أو يكون مكملاً لفخامة المركبة التي يستقلها الإنسان بسبب وجاهة إجتماعية معينة، فهذا أمر آخر. و لكن ما الذي يحمله من ذلك الرقم الشخصي؟
يرد سؤال هنا، إذا كان الأمر كما أقول، فلن يكون هناك شخص يتقدم لهذه الخدمة، ففيم الكلام؟ و أقول أن طبيعة المجتمع الإستهلاكية ستجعل هذا الأمر من موضة طارئة لتحوله إلى ضرورة، و ربما رأينا من يتساءل إن كان يجب على الوالد أن يحسن إختيار الرقم الشخصي كوجوب إختياره للإسم الحسن.
ثم لننظر للمبالغ المرصودة كتسعيرة لهذه الخدمة، فنجد أنها مبالغ فاحشة الغلاء بالنسبة للخدمة التي سيتم تقديمها، فالخمسين دينار التي تدفع كحد أدنى، هي نفسها التي تدفعها الدولة لأسرة كاملة لمساعدتها على تحمل الغلاء، أليس ذلك غبناً للمشترك من ناحية و بطراً منه على النعمة، أم أننا يجب أن نراجع مستوى علاوة الغلاء التي هي بأدنى مستويات هذه الخدمة؟
و ختاماً، فكنت أتمنى أن نجد إبداعاً في أفكار تخدم المواطن و تزيد استفادته من الخدمات بدلاً من الإبداع في بيعه ما لا يفيده، هذا رأيي كمواطن، و أنتم؟ ما رأيكم؟

الأربعاء، 11 يوليو 2012

بين سلتين







الأربعاء 11 يوليو 2012


عندما يحصل الشقاق أو حتى الخلاف في أي مجتمع، تصير مسألة فرز الناس بين الشقين أو الشقوق المختلفة أمراً بديهياً أوتوماتيكياً يصير بموجبه كل فردٍ أو مجموع مفروزاً بحسب معيار واحد أو أكثر يغلب عليه التعميم. تصبح صباحاً فتجد نفسك دون أن تقول شيئاً، رغم أنه لا ينسب لساكت قول، تجد نفسك و قد تم فرزك، و تحتاج إلى أن تخرج نفسك من هذا الفرز بردٍ أو موقف ربما لا يتلاءم مع قناعاتك، أو لأنه يدفعك دفعاً للتطرف أو دخول صراعٍ يختلف الدخول فيه مع بعض مبادئك الأساسية.
و هنا، لا ضير أن تحسب على فريق لا يمثلك، إذا كان المعيار متجنياً هذا لأن من يريد أن يقوم بفرزك لا يهمه ما تعتقده إذا لم يتمكن من استخدامك لدعم أفكاره و توجهاته.
و في البحرين مثلاً، عشنا فترة و ربما مازلنا نعيشها، يتعامل فيها بعض وجوه الإعلام و الجمعيات و التيارات السياسية بهذا التطرف. و هناك خياران لدى هؤلاء، إما أن تكون من الشرفاء أو أن تكون من الخونة. و ظاهراً في أول الأمر، قد تعتقد أن التصنيف يعتمد على مواقفك العملية في دعم إتجاه حزبي هنا أو اتجاه حزبي هناك. إلا أن الواقع يقول أمراً آخر، فأنت بنظر هذه المكائن الإعلامية و الحزبية محكوم عليك سلفاً لا بحسب موقف حالي أو سابق و إنما بسبب إنتماء ديموغرافي معين، فأنت خائن أو شريف، حر أو متخاذل بحسب السلة الكبيرة للتعريف، و تصرفك أو موقفك سينقلك للسلة الضيقة في أحد الإتجاهين، من باب “يخرج الحي من الميت و يخرج الميت من الحي”.
هناك من قد يقول أن هذا القول غير صحيح، و أنا أقول أن صحته تتضح، حين تنظر إلى محاولة كل ماكينة إعلامية تمجيد و تلميع الأشخاص الذين يتفقون معها سياسياً أو فكرياً و يختلفون معها في الإنتماء الإثني إذا صح التعبير.
و لعمري أن مثل هذا التمجيد غير مستغرب، من باب “و شهد شاهد من أهلها”، و لن أعترض عليه لأن الناس قد اعتادت منذ الأزل أن يجر كل إمرئ النار إلى قرصه. إنما ما أعترض عليه هو التجني في الإتهام على كل من لا يقف معك في قضية، سواء بسبب اختلاف على المبدأ أو الأسلوب أو كليهما. و ربما كان عدم وقوفه معك راجعاً إلى أنك كطرف لا تتعامل بأمانة حين تتخاصم.
و إذا كنت غير راغب أن أحشر حشراً و قسراً في إحدى السلتين، و لم أتصادم مع أحد فعلى أي أساس يتم إبعادي عن موقعي الفكري لأحسب على فلان أو علان دون أن أكون له شريكاً أو لا حليفا.
حين يصل الشقاق إلى أن يتداعى كتاب الصحف و الإعلاميون و بعض السياسيين إلى التخوين و الدعوة للمقاطعات الإقتصادية و الإجتماعية و تقطيع أواصر الأخوة، على خلاف ما تعلنه الدولة من مصالحة و تحييد للشأن الإقتصادي عن السياسة فهذا أمر مؤلم أن يكون عقلاء القوم هم الدعاة للتدابر و التناحر. أمر مؤلم أن يكون إعتمادنا على من يفسد في إصلاح خراب البلاد و حين نتوقع من الشتام أن يصير مداحاً أو إنساناً محترماً.
جلست في ذلك المحل أنظر إلى محلين تجاريين متقابلين و بينهما موقف سيارات كبير، و كان واضحاً أن العلامات التجارية بين المحلين تدفع كلا منهما ليمتلئ بأناس لن يعبروا إلى الضفة الثانية، و كأن هذين المحلين رمزان للمقاطعة في الجانبين.
حقيقة، هي أن من أجلسته في السلة الواسعة قسراً لن يحاول الإنتقال، إلا أنك ستكون  خسرته و أخرجته من جادة الصواب إلى جادة الخطأ. خصوصاً و هو يفتقد عندك الرشد كطرف و يفتقد صوابك الذي يطير عند الخصومة.
ألسنا أمة محمد صلى الله عليه و آله و سلم الذي قالت عنه الآيات “ و إنك لعلى خلق عظيم”: ألسنا ممن يتأسون به صلى الله عليه و وآله و سلم و هو الذي يقول فيه القرآن “و لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك”؟؟
أخيراً، حبذا لو يتم كسر السلال الكبيرة، ثم تنقية النفس و حل الخلافات و يتم تكسير سلال الفرز الصغيرة فيما بعد أيضاً، خصوصاً و الحديث يكثر عن إيرلندا و عن المصالحة.
آخر الوحي:
إذا عجز الإنسان حتى عن البكى
فقد بات محسودا على الموت نائله
وإنك بين اثنين فاختر ولا تكن
كمن أوقعته في الهلاك حبائله
تميم البرغوثي

الأحد، 8 يوليو 2012

القنوات العلمية و الإثارة !!







الأحد 8 يوليو 2012


فيما تعيش شعوب أفريقيا حالة من المجاعة و الإهمال من العالم أجمع، و تعيش المرض و الفقر و الجهل. نجد أن العالم يعرف مما يجري فيها أكثر مما يحتاجه لمساعدة الأفارقة و توجيه خطط التنمية و الإغاثة إليهم. إلا أن ما تحصل عليه الدول الأخرى من خيراته، يكفيها لتغض النظر عما يجري فيه من صراعات و ما يعيشه من مشكلات.
وحقيقة لا أعلم بالمدخول الذي تحققه الشركات الأجنبية من خلال عملها في أفريقيا، ربما كان أقلها ما تنتجه شركات إنتاج البرامج العلمية حول طبيعة أفريقيا و الكائنات الموجودة فيها، و عادات شعوبها و الكثير الكثير من المواضيع التي نجدها على الشاشة حول أفريقيا.
هذه القنوات توفر لنا و للشعوب الأخرى الإثارة و نحن نرى الصراع بين الأسد و الضبع، و قتال الحيوانات من أجل الحياة،، و رحلات هجرة الطيور و القطعان من منطقة إلى أخرى، و هي مواضيع جميلة تحمل من الإثارة الشيء الكثير، و ماذا يحتاج الإنسان المترف غير بعض الإثارة التي تشعره بالحياة الحقيقية. ألا يحتاج الإنسان لمواضيع يتكلم عنها و يفتح فاه في تعجب؟ هذه القنوات توفر هذه الحاجة للأفراد و المجتمعات، و هو ينظر لمخلوقات أقل منه و هي تشق طريقها في الحياة، و عجائب سلوكها و خفايا طبائعها و علاقاتها.
في نفس المسار نجد القنوات الغربية في بلادنا العربية، تقوم بنفس الدور من الإستفادة من الإثارة الحاصلة على مستوى الشعوب، لتبثها إلى شعوبها المتعطشة للإثارة، فنجد كل بلد من بلادنا صار مادة إعلامية لفترة، حتى يمل منها المشاهد و يبدأ ملف آخر مثير بالظهور.
و أنا أشاهد الصراع الإعلامي على أشده، فيما نجد المتلقي في الخارج طرباً على أصداء الإثارة المتصاعدة، تذكرت كم الإستمتاع الذي توفر لنا صغاراً و نحن نشاهد مباريات المصارعة الحرة،  و رأيت كيف أن الدنيا صارت شاشة كبيرة، كلنا قنوات فيها و مادة إعلامية، هذه المادة نوفر نحن فيها الإثارة للمشاهد الأجنبي، و هو يرى حرب أبطاله مع أشرار الشرق، من سكنة الكهوف المتاخمة لحقول النفط.
يرى حرب أبطاله مع متشددي الأديان الأخرى، يراها مع الأنظمة الديكتاتورية، و حتى مع الشعوب التي قد تخلق ديكتاتوريات جديدة. يرى أبطاله ينصرون الأقليات. ثم يرى الصراع بيننا على البقاء و تستمر لديه الإثارة كمن يشاهد برنامج عالم الحيوان أو المصارعة الحرة العالمية. فيما نحن لا نستنكف من هذه الصراعات، و مع ما نوفره من الإثارة لكم  أهلاً بكم يا قنوات الإعلام الحر.

 آخر الوحي:
 ثم غدونا فرجة في آخر النهار
يشاهد العالم، يستنكر، وقع الموت و الدمار
مبتئساً، مشجعاً، و مشفقاً
و مصلحاً ما بيننا، شأن الكبار رحمة الصغار
و نكتفي بأننا نظهر في إذاعة الأخبار

الأحد، 1 يوليو 2012

الصحوة، والمارد... و علاء الدين









الأحد ١ يوليو ٢٠١٢

 في تراثنا العربي منذ أن كنا أطفالاً قصة علاء الدين و المارد، و التي هي بالمختصر تروي حكاية ساحر يخطط بكل وسيلة للحصول على مصباح سحري يحوي بداخله مارداً من مردة الجن. و بحسب القصة فإن المصباح مدفون في مغارة سحرية ما، لا يمكن الوصول إليها إلا عبر الإستعانة بفتى له مواصفات خاصة. فكان أن الساحر توصل إلى أن إسم الشاب الذي يحتاجه لهذا الغرض هو علاء الدين، و قد تمكن الساحر من تحديد مكان الفتى، فاحتال للإستعانة به في الوصول لمغارة الكنز، فلما دخل الفتى المغارة، طلب منه الساحر أن يناوله المصباح، فأبى الشاب ذلك إلا أن يخرجه أولاً، و حين تمسك كل منهما بمخاوفه، مضى الساحر مخلفاً علاء الدين في مغارته المسحورة.

و في تلك الظلمات، يفرك الفتى المصباح موقظاً المارد، الذي يخرج فيثير فزع الفتى الذي يتمالك نفسه فيما بعد، و يبدأ المارد في تحقيق أمنيات الفتى إلى أن يخطب ود السلطان و يطلب كريمته للزواج. و تتواصل القصة التي نعرف جميعنا تفاصيلها.


في هذه القصة من المفردات المهمة في صنع الإستعارة البلاغية الموجهة ما يستوجب التحليل النقدي و فتح آفاق لمفردات إضافية تكمل الصورة بوضوح. أول تلك المفردات هي مفردة الصحوة، و التي تعتبر أهم هذه الألفاظ و مفتاحها. فالصحوة تعني للمخاطب أنه كان نائماً، و حان موعد أن يصحو، و هذا التوجيه فيه من التقريع و من استخدام أزمة الضمير جزء بالغ الخطورة بحيث يصنع طوقاً  على عنق هذا المخاطب و يرغمه على ترك التقصير و إصلاح الخلل و سد الفجوة و جبر الكسر.

ثم مع هذا الطوق يدخل المخاطب في حالة بالفعل تشبه من صحا من النوم، و الصحو من النوم معناه أن كل الماضي هو حلم، و هو خيال و هو وهم، و الحقيقة تتمثل في الآتي و المقبل فحسب. و هنا نصطدم مع حقيقة نعرفها جميعاً، أن من يتم إيقاظه على وقع خبر ما، هو أسير لمن أوقظه، مصدق له فيما يقول، متبع لتوجيهه، ليس هناك تحقق أو تأكد يتبين منه الحقيقة من الكذب أو الإنصاف من التجني.

إذن من يوقظك، يكون فعلياً هو من يوجهك و ينبهك و يقودك. و لكن الإستعارة أكثر توضيحاً و تأطيراً، فهي صحوة المارد، و خروجه من القمقم. كلمة المارد تدل بوضوح على القوة، فمن يصنع منك مارداً يتكلم عن قدرات هائلة تتمتع بها لا يمكن الإستفادة منها إلا حين تصحو. و هذه الإستعارة بقدر ما توضح قوتك و إمكاناتك، إلا أنها تؤكد أنك حبيس لقمقم، و أن قدراتك كلها رهن لإشارة علاء الدين، و هو نفسه الشخص الذي وجدك نائماً فأوقظك، أو ساكناً فحركك.

و بالطبع فكلمة المارد، هي كلمة تحفيزية استخدمتها بعض الكتب في التعبير عن القدرات المكبوتة للفرد فضلاً عن المجموعة أو الجماعة، إلا أنها أمر غير جديد في الحركات الجماهيرية التي تعتمد على تخدير الجمهور و تطويعه و استخدامه.


حين تكون مارداً، فلا بد أن هناك علاء الدين، أو كما قالت بعض الأفلام المصرية “أنا المخ و أنت العضلات” ، فهل بالفعل توجد هذه العلاقة بين المفكر و الجمهور؟ و هل ينظر إليهم كأدوات؟ أم أن الهدف مشترك و الأدوار مختلفة؟

يتواصل التأطير، فالمقابل لعلاء الدين لا يمكن أن يكون إلا الساحر الشرير، و عودة المارد للقمقم، أو إنفصاله عن علاء الدين تعني بالضرورة إنتصار الشر على الخير بسبب ما يمتلكه الشرير من قدرات يضيف إليها قدرات المارد.

القصة تستمر فيما بعد لتصل إلى مرحلة يتمكن فيها الساحر من الإحتيال و الحصول على المصباح، فيدخل علاء الدين في صراع معه، يساعده خلاله جني الخاتم، و الذي تقل قدراته عن خادم المصباح، إلى أن يحقق مبتغاه بالإنتصار و إستعادة المصباح السحري. في زماننا هذا، حين نقرأ القصص و الأساطير نتمنى لو تحققت جوانبها المشرقة لنا. و لكن السؤال هو إلى أي درجة تعيش معنا هذه الأساطير و كم منها يستخدم معنا في تسويق الأفكار و المنتجات و أنماط السلوك؟  

آخر الوحي:

لو خرج المارد من قمقمه

و قال لي لبيك

دقيقة واحدة لديك
تختار فيها كل ما تريده

 من قطع الياقوت و الزمرد

 لاخترت عينيك..بلا تردد

 نزار قباني