الأحد ١ يوليو ٢٠١٢
في تراثنا العربي منذ أن كنا أطفالاً قصة علاء الدين و المارد، و التي هي بالمختصر تروي حكاية ساحر يخطط بكل وسيلة للحصول على مصباح سحري يحوي بداخله مارداً من مردة الجن. و بحسب القصة فإن المصباح مدفون في مغارة سحرية ما، لا يمكن الوصول إليها إلا عبر الإستعانة بفتى له مواصفات خاصة. فكان أن الساحر توصل إلى أن إسم الشاب الذي يحتاجه لهذا الغرض هو علاء الدين، و قد تمكن الساحر من تحديد مكان الفتى، فاحتال للإستعانة به في الوصول لمغارة الكنز، فلما دخل الفتى المغارة، طلب منه الساحر أن يناوله المصباح، فأبى الشاب ذلك إلا أن يخرجه أولاً، و حين تمسك كل منهما بمخاوفه، مضى الساحر مخلفاً علاء الدين في مغارته المسحورة.
و في تلك الظلمات، يفرك الفتى المصباح موقظاً المارد، الذي يخرج فيثير فزع الفتى الذي يتمالك نفسه فيما بعد، و يبدأ المارد في تحقيق أمنيات الفتى إلى أن يخطب ود السلطان و يطلب كريمته للزواج. و تتواصل القصة التي نعرف جميعنا تفاصيلها.
في هذه القصة من المفردات المهمة في صنع الإستعارة البلاغية الموجهة ما يستوجب التحليل النقدي و فتح آفاق لمفردات إضافية تكمل الصورة بوضوح. أول تلك المفردات هي مفردة الصحوة، و التي تعتبر أهم هذه الألفاظ و مفتاحها. فالصحوة تعني للمخاطب أنه كان نائماً، و حان موعد أن يصحو، و هذا التوجيه فيه من التقريع و من استخدام أزمة الضمير جزء بالغ الخطورة بحيث يصنع طوقاً على عنق هذا المخاطب و يرغمه على ترك التقصير و إصلاح الخلل و سد الفجوة و جبر الكسر.
ثم مع هذا الطوق يدخل المخاطب في حالة بالفعل تشبه من صحا من النوم، و الصحو من النوم معناه أن كل الماضي هو حلم، و هو خيال و هو وهم، و الحقيقة تتمثل في الآتي و المقبل فحسب. و هنا نصطدم مع حقيقة نعرفها جميعاً، أن من يتم إيقاظه على وقع خبر ما، هو أسير لمن أوقظه، مصدق له فيما يقول، متبع لتوجيهه، ليس هناك تحقق أو تأكد يتبين منه الحقيقة من الكذب أو الإنصاف من التجني.
إذن من يوقظك، يكون فعلياً هو من يوجهك و ينبهك و يقودك. و لكن الإستعارة أكثر توضيحاً و تأطيراً، فهي صحوة المارد، و خروجه من القمقم. كلمة المارد تدل بوضوح على القوة، فمن يصنع منك مارداً يتكلم عن قدرات هائلة تتمتع بها لا يمكن الإستفادة منها إلا حين تصحو. و هذه الإستعارة بقدر ما توضح قوتك و إمكاناتك، إلا أنها تؤكد أنك حبيس لقمقم، و أن قدراتك كلها رهن لإشارة علاء الدين، و هو نفسه الشخص الذي وجدك نائماً فأوقظك، أو ساكناً فحركك.
و بالطبع فكلمة المارد، هي كلمة تحفيزية استخدمتها بعض الكتب في التعبير عن القدرات المكبوتة للفرد فضلاً عن المجموعة أو الجماعة، إلا أنها أمر غير جديد في الحركات الجماهيرية التي تعتمد على تخدير الجمهور و تطويعه و استخدامه.
حين تكون مارداً، فلا بد أن هناك علاء الدين، أو كما قالت بعض الأفلام المصرية “أنا المخ و أنت العضلات” ، فهل بالفعل توجد هذه العلاقة بين المفكر و الجمهور؟ و هل ينظر إليهم كأدوات؟ أم أن الهدف مشترك و الأدوار مختلفة؟
يتواصل التأطير، فالمقابل لعلاء الدين لا يمكن أن يكون إلا الساحر الشرير، و عودة المارد للقمقم، أو إنفصاله عن علاء الدين تعني بالضرورة إنتصار الشر على الخير بسبب ما يمتلكه الشرير من قدرات يضيف إليها قدرات المارد.
القصة تستمر فيما بعد لتصل إلى مرحلة يتمكن فيها الساحر من الإحتيال و الحصول على المصباح، فيدخل علاء الدين في صراع معه، يساعده خلاله جني الخاتم، و الذي تقل قدراته عن خادم المصباح، إلى أن يحقق مبتغاه بالإنتصار و إستعادة المصباح السحري. في زماننا هذا، حين نقرأ القصص و الأساطير نتمنى لو تحققت جوانبها المشرقة لنا. و لكن السؤال هو إلى أي درجة تعيش معنا هذه الأساطير و كم منها يستخدم معنا في تسويق الأفكار و المنتجات و أنماط السلوك؟
آخر الوحي:
لو خرج المارد من قمقمه
و قال لي لبيك
دقيقة واحدة لديك
تختار فيها كل ما تريده
من قطع الياقوت و الزمرد
لاخترت عينيك..بلا تردد
نزار قباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق