الأحد 29 يوليو 2012
كثيراً ما نعبر كما عبرت الأديان والمبادئ والنظريات الأخلاقية التي تحث بطبيعتها على الخير، وكما عبر القرآن بأن ما نفعله من خير فنحن لا نقدمه للآخرين إنما نقدمه لأنفسنا، نقدمه لسعادتنا ونقدمه لراحتنا. في المنظور الديني وعلى أساس عقيدة القيامة والحساب والحياة الأخرى، لكل هذه الأعمال الحسنة مردود إيجابي مشابه لطبيعة هذه الأعمال يبرر التصرف بهذه الطريقة. وفي المنظور العقلي أو النفسي والأخلاقي المجرد من الدين والمبني على نظريات فلسفية، فإن هذه التصرفات مدفوعة بما تخلقه من سعادة ورضا وسلام نفسي.
وربما يكون من الطريف ملاحظة السلوك الحيواني الخير في هذا الاتجاه من قبيل الوفاء عند الكلب والطائر والطاعة عند الحمار والإحجام عن أكل الميتة عند السبع بل وامتناعه عن الافتراس إلا عند الجوع. وكذلك، ما يتركه الإحسان في نفوس كثير من الحيوانات. فمراقبة أمثال هذه التصرفات و الطبائع قد توصلنا إلى انطباع أن التصرفات الأخلاقية الإيجابية هي تصرفات فطرية قبل أن تكون عقلية أو دينية. وباختصار فإن الإحسان والأذى يؤثران في نفس كل ذي نفس حين يقعان عليه، وبالتأكيد يؤثران على كل ذي نفس حين يصدران منه.
وفي هذا الباب هناك كلمة تؤثر عن أحد العلماء في البحرين، يقول فيها انه حتى القط في البحرين يميز بين الحلال والحرام، وذلك أن القط حين ترمى له قطعة اللحم يأكلها في مكانه دون أن يتحرك آمناً مطمئناً، أما حين يسرق السمكة فهو يولي هارباً لعلمه بأن فعله جريرة تستدعي العقاب.
وبالتأكيد فإن هذا ما ينطبق على الفعل الحسن وتأثيره في النفس وما يخلقه من السعادة، فالفعل السيئ يخلف أثراً سيئاً ومزعجاً لا يمكن التخلص منه بالنسبة لأي مخلوق يقترفه حتى لو كان حيواناً، فقد قدمنا أن الحيوان يميز بين الحق وبين العدوان، لذا فإن الإنسان ربما تميز عن الحيوان بقدرته على خلق التبرير بسبب وجود وازع أو واعظ داخلي يزعجه عندما يتصرف بالطريقة الخاطئة.
وربما كان أسوأ ما يساق من تبريرات للنفس وبالتالي للمجاميع هو إطلاق صفة التكفير على الآخر ومن ثم يصير كل ما يصدر تجاهه من أفعال مباحاً لا ضير في اقترافه، وبالتالي حماية النفس من التأثير النفسي السلبي الناتج من التصرف السلبي. مثل هذه التنظيرات صدرت مراراً وتكراراً لتبرير الاعتداءات التي تحصل في أي صراع بين فئات مجتمعية مختلفة. ربما كان لنا أن نتذكر يوم هتف أحد المسلمين عند فتح مكة “اليوم يوم الملحمة، اليوم تسبى الحرمة” وكيف أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم دعا حينها أن ينادى “اليوم يوم المرحمة، اليوم تصان الحرمة”.
التبريرات تشمل أيضاً أن يكون الإنسان مظلوماً، فتجد في كثير من الأحيان أن مظلوماً بالفعل استحال إلى ظالم حين عاقب من لا ذنب له أو تجاوز حدود ما وقع عليه من الاعتداء، فرغم أننا لا نزعم المثالية، إلا أنه من الجهالة والظلم الفاحش أن يعتدي الإنسان على من لا ذنب له فيسلبه حقاً من حقوقه، أو أن يأخذ بالجريرة المحسن والمسيئ أو يتجاوز حدود حقه فيعتدي فوق ما اعتدي عليه.
لذا فإننا حين نجد مجتمعاً يتجه بهذا الاتجاه فإننا نعلم أنه على شفير منحدر أخلاقي ونفسي يؤدي آخر ما يؤدي إلى كوارث لا تنتهي، وهنا يتوجب تنبيه الناس أن يكفوا عن إيذاء أنفسهم في الدنيا على المدى القصير والبعيد ومن ثم إيذائها فيما بعد.
في شهر رمضان نجد المسلمين يتنبهون لذلك مؤقتاً فتجد الواحد منهم حين يهم بإيذاء الآخر يتذكر أن أذاه سيصيب أول ما يصيب صيامه هو، فيحجم عن هذا التعدي ويقول “اللهم إني صائم”!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق