الأربعاء 11 يوليو 2012
عندما يحصل الشقاق أو حتى الخلاف في أي مجتمع، تصير مسألة فرز الناس بين الشقين أو الشقوق المختلفة أمراً بديهياً أوتوماتيكياً يصير بموجبه كل فردٍ أو مجموع مفروزاً بحسب معيار واحد أو أكثر يغلب عليه التعميم. تصبح صباحاً فتجد نفسك دون أن تقول شيئاً، رغم أنه لا ينسب لساكت قول، تجد نفسك و قد تم فرزك، و تحتاج إلى أن تخرج نفسك من هذا الفرز بردٍ أو موقف ربما لا يتلاءم مع قناعاتك، أو لأنه يدفعك دفعاً للتطرف أو دخول صراعٍ يختلف الدخول فيه مع بعض مبادئك الأساسية.
و هنا، لا ضير أن تحسب على فريق لا يمثلك، إذا كان المعيار متجنياً هذا لأن من يريد أن يقوم بفرزك لا يهمه ما تعتقده إذا لم يتمكن من استخدامك لدعم أفكاره و توجهاته.
و في البحرين مثلاً، عشنا فترة و ربما مازلنا نعيشها، يتعامل فيها بعض وجوه الإعلام و الجمعيات و التيارات السياسية بهذا التطرف. و هناك خياران لدى هؤلاء، إما أن تكون من الشرفاء أو أن تكون من الخونة. و ظاهراً في أول الأمر، قد تعتقد أن التصنيف يعتمد على مواقفك العملية في دعم إتجاه حزبي هنا أو اتجاه حزبي هناك. إلا أن الواقع يقول أمراً آخر، فأنت بنظر هذه المكائن الإعلامية و الحزبية محكوم عليك سلفاً لا بحسب موقف حالي أو سابق و إنما بسبب إنتماء ديموغرافي معين، فأنت خائن أو شريف، حر أو متخاذل بحسب السلة الكبيرة للتعريف، و تصرفك أو موقفك سينقلك للسلة الضيقة في أحد الإتجاهين، من باب “يخرج الحي من الميت و يخرج الميت من الحي”.
هناك من قد يقول أن هذا القول غير صحيح، و أنا أقول أن صحته تتضح، حين تنظر إلى محاولة كل ماكينة إعلامية تمجيد و تلميع الأشخاص الذين يتفقون معها سياسياً أو فكرياً و يختلفون معها في الإنتماء الإثني إذا صح التعبير.
و لعمري أن مثل هذا التمجيد غير مستغرب، من باب “و شهد شاهد من أهلها”، و لن أعترض عليه لأن الناس قد اعتادت منذ الأزل أن يجر كل إمرئ النار إلى قرصه. إنما ما أعترض عليه هو التجني في الإتهام على كل من لا يقف معك في قضية، سواء بسبب اختلاف على المبدأ أو الأسلوب أو كليهما. و ربما كان عدم وقوفه معك راجعاً إلى أنك كطرف لا تتعامل بأمانة حين تتخاصم.
و إذا كنت غير راغب أن أحشر حشراً و قسراً في إحدى السلتين، و لم أتصادم مع أحد فعلى أي أساس يتم إبعادي عن موقعي الفكري لأحسب على فلان أو علان دون أن أكون له شريكاً أو لا حليفا.
حين يصل الشقاق إلى أن يتداعى كتاب الصحف و الإعلاميون و بعض السياسيين إلى التخوين و الدعوة للمقاطعات الإقتصادية و الإجتماعية و تقطيع أواصر الأخوة، على خلاف ما تعلنه الدولة من مصالحة و تحييد للشأن الإقتصادي عن السياسة فهذا أمر مؤلم أن يكون عقلاء القوم هم الدعاة للتدابر و التناحر. أمر مؤلم أن يكون إعتمادنا على من يفسد في إصلاح خراب البلاد و حين نتوقع من الشتام أن يصير مداحاً أو إنساناً محترماً.
جلست في ذلك المحل أنظر إلى محلين تجاريين متقابلين و بينهما موقف سيارات كبير، و كان واضحاً أن العلامات التجارية بين المحلين تدفع كلا منهما ليمتلئ بأناس لن يعبروا إلى الضفة الثانية، و كأن هذين المحلين رمزان للمقاطعة في الجانبين.
حقيقة، هي أن من أجلسته في السلة الواسعة قسراً لن يحاول الإنتقال، إلا أنك ستكون خسرته و أخرجته من جادة الصواب إلى جادة الخطأ. خصوصاً و هو يفتقد عندك الرشد كطرف و يفتقد صوابك الذي يطير عند الخصومة.
ألسنا أمة محمد صلى الله عليه و آله و سلم الذي قالت عنه الآيات “ و إنك لعلى خلق عظيم”: ألسنا ممن يتأسون به صلى الله عليه و وآله و سلم و هو الذي يقول فيه القرآن “و لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك”؟؟
أخيراً، حبذا لو يتم كسر السلال الكبيرة، ثم تنقية النفس و حل الخلافات و يتم تكسير سلال الفرز الصغيرة فيما بعد أيضاً، خصوصاً و الحديث يكثر عن إيرلندا و عن المصالحة.
آخر الوحي:
إذا عجز الإنسان حتى عن البكى
فقد بات محسودا على الموت نائله
وإنك بين اثنين فاختر ولا تكن
كمن أوقعته في الهلاك حبائله
تميم البرغوثي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق