الأحد، 17 فبراير 2013

أعطني عقل طفل



الأحد 17 فبراير 2013

اشتهر بين علماء النفس القول ان الطفل هو إنسان ذكي وذكاؤه يفوق ما نتصوره. قد يكونون يتكلمون أكثر ما يتكلمون عن الذكاء الاجتماعي للطفل إن صح التعبير، وقدرته على الوصول لمآربه عبر الضغط على البالغين أو الاحتيال عليهم بأساليب مختلفة، أو قد تكون مزاوجة بين الذكاء العاطفي والذكاء الاجتماعي. إلا أنني لا أعتقد أنهم يتكلمون عن البناء المنطقي للطفل، أو قدرته على رد الجمل المنطقية المتناقضة وتمييزها عن الجمل المنطقية السليمة. إلا أنه يبدو أن الطفل هو بالفعل أيضاً متمكن من هذه الناحية بمقدار لم نتكلم عنه من قبل.
نعم، غاية ما يمثل نقطة ضعف للطفل هو محدودية معلوماته، إلا أن الجمل المنطقية التي نزوده بها في صغره وتتفق مع فطرته وتوقظ إحساسه بهذه الفطرة هي أحجار زاوية وصندوق أدوات يغرق في استخدامه بحيث يصبح في فترة وجيزة متمكنا منه وقادراً على مضاعفته في سرعة ينمو معها تفكيره في سرعة قد تتناسب أو تفوق نموه البدني، وهنا ينبغي الحذر من العبث، لأن أي أحجار هشة أو رخوة نضعها، ستفرز فرداً متوجساً من المحيطين به ما يلبث أن يرد علينا بضاعتنا الفاسدة بطريقة أو أخرى.
وعلى هذا المنوال يجد الوالد طفله أو طفلته الصغيرين يسألانه عن أمر غريب يشاهدانه ويترقبان تعليقه عليه ثم ما يلبثان أن يشيدا بكلام الأب إن تناسب وتجانس مع المخزون العقلي أو يصمتان ليعيدا التفكير في المسألة ويركبا الحجر الجديد في موقعه في هذا العقل الغض في سلسلة لا تنتهي من التساؤلات التي يعيشها الإنسان، إلا أنه مع الزمن يجد مصادر جديدة للعلم والمعرفة بعيداً عن المصدر الأساسي الأولي في اتجاه متصاعد الاستقلالية حتى يستقر نمط التفكير نسبياً وتخفت تلك الحدة في تقلباته.
تعرض عليه طفلته تصرفا ما باعتباره جديداً عليها، فإما أن يسهب في الموضوع معها أو يجيبها بكون هذا التصرف صواباً أو خطأ، وينبغي الحذر هنا، فالصواب لابد له من تعليل، وكذلك الخطأ، ولابد أن تلحق سمة أو وصمة بمرتكب هذا التصرف، ومن هنا يكون بناء النموذج الأخلاقي للطفل، والذي قد يعيش مع الطفل طيلة حياته. وبعيدا عن النموذج الأخلاقي، فإنه ما لم تكن الأسباب منطقية، فإننا نخلق فجوات ونضع قطعا رخوة في بنائه المنطقي تجعله فيما بعد غير قادر على الوصول إلى النتائج المنطقية ولا الاستقلال بذاته العقلية.
وهنا تكمن صعوبة أن يعيش الإنسان في فترة يغلب عليها عدم الاستقرار، فلا يسود فيها الالتزام بنهج سلوكي صحيح، ومن ثم تأتي التبريرات للسلوك الخطأ، فيتعرض العقل الناشئ لهزاته الأولى التي يجب دعمه فيها ليصمد فلا يتهاوى ولا يتزلزل في سنواته المقبلة.
مفهوم يتفق مع الغريزة أو الفطرة هو مفهوم حب البقاء وتجنب الهلكات، وفي مقابله مفهوم الشجاعة والإقدام، وكلاهما مفهوم نبيل الغاية في موضعه، أحدهما يقع فوق الجبن وثانيهما يقع دون الطيش والتهور. كلاهما يجب أن يوضع مميزا يميزه عن ما يشبهه وينقله من خانة الغريزة الفطرية إلى خانة الهدف النبيل والقرار الواعي وإلا صار طبعاً من الألفة أو الشراسة لا قيمة له يتحول معه المرء إما إلى معزاة أو إلى ذئب، يتصرف في جميع المواقف بنفس التصرف بحسب الطباع لا بسبب ما يمليه العقل ولا الدين ولا المبادئ والمثل التي هي المقاييس الأهم لقياس المصلحة بصورة أعم وتمييزها من المفسدة.
مفهوم مثل مفهوم حماية القانون وأخذ المسيء إلى عقابه يتهدم على صخرة الواقع حين يجد الطفل والده أو أخاه يعاقب بلا جريرة. مثلما أن مفهوم الدين هو مصدر الفضيلة والمدافع عنها يتهاوى مع أي سلوك خاطئ يشيع في المجتمع فلا يجد رادعاً ولا نكيرا من الناس عموماً أو ممن يتخذه الطفل مثلا أو قدوة خصوصا.
وبعيداً عن طرح الأمثلة المتكثرة على السلوكيات والتصرفات الخاطئة التي نشاهدها هذه الأيام من مختلف الأطراف، فإن سلسلة التبرير الطويلة لوجودنا في هذا الوضع غير مجدية في الشرح. فلا يمكننا أن نزينها أو نزين من يرتكبها في أعين الأطفال وإلا خلقنا جيلاً لا يحمل أي شيء من القيم الحقيقية. ذلك أن التصرفات الخاطئة تصنف من يفعلها عند الطفل تحت خانة الأخيار أو الأشرار، وربما خانة إضافية تحمل شيئاً من المعذورية المؤقتة وهي خانة الأغبياء.
هذا العقل البريء والواضح في مناطق الأبيض والأسود هو ما يمكننا من تدارك مثل هذا الوضع، فإما أن نحافظ عليه أو نجني على نموه بحسب أمانتنا في التعامل معها. وعن نفسي فإني أحار كثيراً حين تمر سيارتي على أي مشهد من مشاهد هذه الأزمة أو تتسلل إلينا رائحة من روائحها، ماذا أقول حين تسألني عن تصرف خاطئ تراه؟ وماذا تفعلون أنتم في هذه المواقف؟ الإجابة مهمة وتحمل معها الكثير من المفاتيح، وتدفعنا مجدداً للتفكير في هذا الواقع بصورة نجنبهم فيها ما نحن فيه من حيرة، لنفكر بعقولهم فربما كانت أكثر منطقية.

آخر الوحي:
إنّني أشهد في نفسي صراعا وعراكا 
وأرى ذاتي شيطانا وأحيانا ملاكا 
هل أنا شخصان يأبى هذا مع ذاك اشتراكا 
أم تراني واهما فيما أراه؟ 
لست أدري! 
إيليا أبو ماضي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق