الأربعاء، 27 فبراير 2013

وصايا أب لا يلوم الضحية







الأربعاء 27 فبراير 2013

أب يقول لابنه الذي يقل عن الخامسة عشر عمراً: بني اخرج للشارع واعبره، لا تعبأ بالسيارات المسرعة. أنت لك حق عبور الشارع، وإذا أصابك حادث من سائق مسرع لا يلتزم بالقانون فهو ذنبه. لا تلتمس السلامة ولا تبحث عن الحذر ولا تجتنب مواطن الخطر.
بني ليس خارج البيت أصحاب سوء، فأنت أكبر من أن تستغل، ليس هناك في مجتمعك إلا حملان وديعة تنفع ولا تضر، كلهم إخوانك وكلهم يريدون لك الخير، لن يحاول أحدهم أن يجرك إلى طريق فيه مضرتك ليستفيد على حسابك، وإذا حاول أحدهم فأنت قادر وحدك أن تكشف ذلك كله.
بني، دراستك والنجاح فيها هو قرارك، وأنت تختار طريقك ومصيرك، اختر الطريق الذي تريد، فأنت الأقدر على تحديد مصلحتك. بني، إن كنت تريد فعل شيء فافعله، وليس للناس الحق في مصادرة حقك بدعوى أنك تضيق عليهم حياتهم وتؤذيهم أو تجر عليهم البلاء.
الحذر غير واجب عليك، فقد قمت بواجبي نحوك حين أبديت لسواك ما لك من حق، لن أنصحك، فواجب النصح علي يقع نحو الآخرين فقط لكي أضمن ألا تتأذى، فإن وقع عليك ضرر فذنبهم وحدهم، لا ذنبي ولا ذنبك.
هذا ما قاله أحد الآباء لابنه، أو كافل لأيتام وهو يخاطب من هم تحت كفالته، أو ناصح أمين لمن ينصحهم، ليتجنب أن يلوم الضحية، ليكون عند الناس محقاً في زمن تجب فيه النصيحة للجار قبل الابن، وللأبعد قبل الأقرب. هذا لأن من يقول أي كلمة أو رأي لا يكون إلا خائناً إن كانت كلمة نحو إطفاء نار أو إخماد فتنة.
هذا لأننا زمن يغلب الشحن فيه من كل الاتجاهات لغة المنطق والشرع والقانون، زمن يكون فيه إلقاء الإنسان بنفسه في الخطر ومواجهة مصيره هو الصواب، زمن لا يكون فيه للأب إلا مهمة الإنفاق ربما ولا يفتح بابه صباحا أو يغلقه مساء. زمن يكون فيه المد البشري متقدماً على من يفترض أن يسيروا أمامه ويوجهوه. زمن يكون فيه الناصح خبيثاً، أو متخاذلاً أو قابضاً للثمن.
متى يأتي مثل هذا الزمن، يأتي حين يكون هناك من يقوم باستثمار بأرباح موعودة فيظن الناس كل الخير قادماً منه أو لا يريدون أن يروا غيره، ثم يكتشفون أنه يأخذ من مال هذا ويعطي هذا، لا كرما منه ولا عبقرية وحذقا في التجارة. يأتي هذا الزمن حين يقول كل إنسان أنني واحد من الناس إن أصابوا أصبت وإن أخطأوا أخطأت. يأتي هذا الزمان حين يصبح من الطبيعي أن ممارسة السياسة مصدر للويلات بدلا من المكاسب، يأتي هذا الزمان حين تكون نخبة المجتمع محبوبة، فلا يتحقق مصداق “لا تحبون الناصحين”. زمان تسود فيه لغة الغاضب، فلا أحد يستمع ولا أحد يرى ولكن الجميع يتكلم.
عندها يصير الأب الذي يسلم أبناءه لكل المخاطر بشتى أنواعها هو الأب الأمين الذي يمنح أبناءه كل الحرية ولا يزعجهم بأي نصيحة فيها وصاية عليهم. عندها، ترى نفسك تكلم الناس جميعاً بلغة الأقربين فيرد عليك بلغة الأبعدين، سآوي إلى جبل يعصمني من الماء. لغة مثل هذا الأب المستسلم هي اللغة التي يريدها من تنصحه فيجلدك ويقول لك أنت تساوي بين الفعل ورد الفعل وبين الضحية والآخرين، فيحرمك أنت وحدك من حرية الرأي التي ينشدها ويحرم نفسه من حقه في النصيحة.

آخر الوحي:
كانت مودة سلمان لهم رحماً
ولم تكن بين نوح وابنه رحم

أبوفراس الحمداني



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق