يطل علينا في أيام عيد الفطر المقبل رجل أمريكي نصراني، ليعلن للعالم أجمع مناسبة جديدة وهي مناسبة حرق المصحف الشريف في نفس الفترة من كل عام. الرجل بالطبع جعل هذه الذكرى السنوية هي الحادي عشر من سبتمبر من كل عام، مناسبة ليبين للعالم مدى شناعة الدين الإسلامي، وشناعة كتابه الذي يدعو إلى الجهاد، وحيث إنه وحسب كلامه، كتاب يؤدي إلى العنف وإلى جهنم ولذلك لا بد من حرقه.
الرجل يدعى تيري جونز ويشرف على كنيسة محلية في فلوريدا تسمى كنيسة اليمامة. شاهدت المقابلة المسجلة معه من قبل قناة سي إن إن، وكان المذيع ينهاه عما ينوي فعله، ويسأله لماذا تتحدى مشاعر 1.5 مليار إنسان مسلم حول العالم. فيجيب برعونة طفل أن من حقي أن أفعل ذلك، أرحب بالمسلمين في أمريكا ولكن سأحرق كتابهم!! يقوم الرجل هنا بربط عجيب بين القرآن الكريم وما حدث في أمريكا في الحادي عشر من سبتمبر؛ لأنه وبحسب دعواه، لابد للمسيحيين والأمريكان عموماً من النهوض لمواجهة هذا الفكر المتشدد الذي أنتج أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ووجه التعجب من هذا الربط هو سببان، أولهما الربط بين تصرفات بعض المسلمين العدوانية الناجمة من فهمهم الخاطئ للقرآن وبين موقفه من القرآن نفسه دون أدنى محاولة لفهم القرآن فهماً صحيحاً، والثاني وصوله لنتيجة أن المسلمين هم بالفعل من نفذوا هذه الأحداث الغامضة.
طبعاً، لا اعتقد أنني أقول جديداً إذا قلت إن الكثير الكثير من المثقفين والمتابعين والسياسيين وعموم الناس حول العالم يعتقدون أن النخبة الحاكمة في أمريكا دخلت في عملية تآمرية لتدبير أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.
بل بالإمكان بمجرد سؤال محرك البحث جوجل عن مدبر أحداث 11 سبتمبر أن يدل على عشرات المواقع بشتى اللغات، ومختلف السيناريوهات التي تتفق كثيراً مع بعضها في تحليل هذه الأحداث. وتشير في كل مرة إلى النخبة الحاكمة والمرتبطة بمشروع النظام العالمي الجديد، والشرق الأوسط الجديد، والفوضى البناءة، والحروب الصليبية الجديدة.
وربما كانت أسهل طريقة للبحث عن الجاني الحقيقي، هي البحث عن حامل القميص، كما في أغلب القصص التاريخية، من قصة يوسف والذئب إلى غيرها من القصص التي يغص بها التاريخ وتغص بأقمصة الذرائع الشهيرة، أو البحث عن أكبر منتفع من النتائج، فقد شاهدنا بعد تلك الأحداث أوسع تحركات عسكرية أمريكية في وقت واحد، فمن غزو أفغانستان بحجة الحرب على الإرهاب إلى غزو العراق بذريعة أسلحة الدمار الشامل، إلى تحديد محاور الشر حول العالم هي في الواقع دول تسبح خارج فلك المصالح الأمريكية. والمنتفع ولاشك في كل ذلك هو الهيمنة الأمريكية على العالم.
لقد كان الزمان كفيلاً بتبيين كذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق، وكما شهدنا مؤخراً تحول الاتهامات حول مقتل الرئيس الحريري في لبنان التي كانت تشير إلى سوريا، إلى جهات أخرى سواء إسرائيل أو جهات استخباراتية أخرى.
السؤال هو: لماذا تتحرك نخب وفعاليات دينية وثقافية في نفس الاتجاه الذي تتحرك فيه النخب السياسية الأمريكية؟ ولماذا تدخل معركة ليست بالضرورة معركة دينية؟ والجواب أن السياسي في تحوله لعسكري يحتاج لصنع بروباغندا (مجموعة مركزة من الرسائل بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد من الأشخاص) تجعل الرأي العام متقبلاً وداعماً لتحركه العسكري، ويحول الآخر من كونه جهة مأمونة في نظر الرأي العام إلى جهة خطرة ومعادية ينبغي مواجهتها بالقوة.
أما مصلحة بعض هذه النخب فهي في كونها تملك أهدافاً إستراتيجية على المستوى الفكري والتي قد تتحقق من خلال هذا التحالف لضرب الآخر.
ولعل من أشهر الامثلة التاريخية على التحالف بين الديني والسياسي هو في فتنة خلق القرآن التي حدثت في زمن الدولة العباسية، التي كان هدف النخبة السياسية فيها إضعاف الأشاعرة، وكان هدف النخبة الدينية من المعتزلة الانتقام من خصومهم التقليديين وقمعهم.
من كل هذا نستنتج، أن هدف الرجل، ومن وراءه، من هذه الحملة الشعواء لحرق المصاحف هو تذكير الرأي العام بأحداث الحادي عشر من سبتمبر وترسيخ هذه الحالة العدائية تجاه المسلمين في الأذهان وتجديد الاتهام للإسلام والاستفادة من ذلك إلى أقصى حد في تطويع الرأي العام ربما تمهيداً لمعارك جديدة في الشرق الاوسط تحديداً، وكأنه يريد أن يهتف لكل الأمة الأمريكية: “لكي لا ننسى”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق