قد تتساءلون عن إمكانية هذا العنوان، هل من الممكن أن يكون هناك جدل في المسلمات؟
ولي هنا أن أضع لكم من التفريعات بقدر ما أشتهي وتشتهون، فأعمق الخلافات وأصعبها حلاً، يقع للأسف في هذه الزاوية. أجدني هنا أتكلم عن نوعين من المسلمات، نوع وضعته القوانين، وصار مسلماً به، وغير قابل للجدال وكأنه قرآن منزل، رغم أنه يفتقر إلى العدالة، و نوع آخر تضمنه الدستور إلا أنه ظل محلاً للجدل الدائم، رغم أنه لا يفترض أن يختلف عليه اثنان، لأنه قد يكون قرآنا منزلا بالفعل. ولقائل أن يقول إن ما أسميه أنا بالمسلمات، ليس كذلك، ويحيلنا إلى نسبية الأمور، وأن ما أراه صواباً يراه هو خطأ، والعكس بالعكس. وهنا يتوجب علي أمران، على المستوى النظري أطلب منه بعض القراءة في نظريات الأخلاق والحقوق، النسبية والمطلقة، ليرجع لي برؤية واضحة في هذا الباب، لأنه بدون سد هذا الباب يبقى النقاش عقيماً. أما على المستوى العملي فمن حقه علي أن أطرح بعض الأمثلة التي توضح القصد وتجعله يقف معي على مسافة واحدة ليسلم بماهو مسلم به من المسلمات أو ليخبرني بمسلماته المتسالم عليها. لأن مالا تسلم به عقولنا مجتمعين، لا يبقى من المسلمات. بعيداً عن الصيغ الصرفية لكلمة المسلمات، أو التقارب في الجذر اللغوي مع كلمة إسلام، فإن من أعقد القضايا التي تواجه تجربتنا التشريعية والرقابية، مشكلة توزيع الدوائر الانتخابية. فالدستور يفترض أن المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، إلا أن الوضع القائم حالياً، يجعل أصوات الناخبين في درجة خمس أو سبع نجوم، وإخوانهم في مناطق أخرى ضمن درجة النجمة اليتيمة. ذلك أن من الدوائر ما تحوي ما يربو على خمسة عشر ألف ناخب، وأخرى تحوي ألفاً أو ألفين. لماذا هذا التقسيم، و هل بالضرورة أن يكون لكل محافظة عشرة نواب؟ نخرج هنا من المساواة بين المواطنين إلى المساواة بين المحافظات في التمثيل النيابي. هذا هو مثالي على المسلمات من النوع الأول و التي جعل منها التشريع مسلمات رغم كونها تحتاج إعادة النظر. أما المسلمات من النوع الثاني فهو الخلاف الحاضر الغائب على مصادر التشريع. يقول دستور مملكة البحرين أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع. و نجد أحياناً وقوع التذمر على أشده في كون تشريع ما أخذ صيغة متشددة (بمعنى متوافقة مع الشريعة) بسبب تركيبة المجلس التي يغلب عليها الإسلاميون. وينسى المدافعون والمنتقدون أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد المذكور بالاسم في دستور مملكتنا الحبيبة. قضية منع المشروبات الكحولية تقع ضمن هذا النطاق، و كان الأحرى بالمتبرمين من الموضوع بدلا من انتقاد النواب أن ينتقدوا الدستور في هذه الناحية حيث فضل الإسلام كمصدر للتشريع، أو أحرى أن الإسلام كان نوعاً ما متشدداً في هذه الناحية. نقطة من نافلة القول الإشارة إليها لكي لا يكون الكلام فضفاضاً أو ساذجاً. وهو أنه يبقى عذرٌ لكل المختلفين في تفسير نصٍ ما للوصول إلى المقصود من النص. فكثيراً ما يغير مكان الفاصلة أو النقطة أو العبارة معنى نصٍ بأكمله فيصير عكس المعنى الأول تماماً. و هنا نرى الباحثين يحاولون جلب القرائن و يحاولون فهم الظروف الزمانية والمكانية لصدور النص، فإن المعنى المراد بالنص هو ما تريد جميع الأطراف الوصول إليه، لا ما يفهمه كل طرف منه. نتفهم هذه الاختلافات بين المؤرخين أو الباحثين في نصوص لم يعيشوا في زمن صدورها. و لكن لا معنى لأن نسيء فهم نصوص معاصرة، يفترض بها أن تكون أوضح الواضحات، إلا أن يكون المعنى في قلب الشاعر. |
الأربعاء، 4 أغسطس 2010
جدل في المسلمات
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق