الأحد 01 أغسطس 2010
عوداً على مقال “ذهول التنوع”، والذي ذكرتُ فيه بعض دوافع تبني منطلق التغيير من أجل التغيير. قلتُ وحينها إن أحد أهم هذه الدوافع ينبع من عدم وجود إيمان كافٍ بقيمة المخزون الثقافي الموروث. ولا غرابة، إذ إن من طبيعة البشر دوماً أن يروا الجانب الآخر من السياج أكثر اخضراراً، ومن طبيعتهم الفطرية أيضاً البحث الدائم عن الكمال، ولعلهم لذلك قد جبلوا على أن يروا مزايا ما لا يملكون وعيوب ما يملكون؛ ليواصلوا بحثهم الدؤوب عن الكمال.
أعود هنا لأقول إنه لا عيب في الاطلاع على تجارب الآخرين وفهمها، ولكن الاستعجال في تبنيها دون فهم صحيح لمحتواها والفلسفة التي تقوم عليها ونتائجها أمر غير محمود العواقب، خصوصاً أن مع اختلاف تركيبة مجتمع عن الآخر، في قيمه وديانته وعادات شعبه، يصبح نقل بعض التجارب والقناعات غير ممكن، إلا مع نسف هذه القيم السائدة.
سأذكر هنا مثالين واضحين للضعف في الدفاع عن قيم المجتمع والانجرار إلى قيم من الخارج، وربما كان الحماس لتبني التجربة أكثر من حماس أصحابها الأصليين. إلا أنني أؤكد أنني أترك للقارئ إضافة عوامل نفسية وفكرية وسياسية أخرى سببت التغيير تضاف إلى عامل الانبهار الناشئ من عدم وجود توازن في المخزون الثقافي الذي أسلط عليه الضوء هنا.
المثال الأول
في عام 1980 أصدر الرئيس التونسي بورقيبة القانون 108، والذي يقضي بمنع ارتداء الحجاب. كان هذا سابقة فجة في العالم الإسلامي، لم يسبق إليها إلا كمال أتاتورك الناقم على الإسلام والدولة العثمانية في تركيا، ولعل المضحك المبكي هو ما ينقل من تبرير بورقيبة للقرار، فإن المنقول قوله إن الحجاب زي طائفي يؤدي إلى انقسام المجتمع!!
وهذا الكلام مستغرب خصوصاً إذا علمنا أن المسلمين كانوا يمثلون 98 % من عدد السكان في ذلك الوقت.
وإن الاستغراب الأكبر من كون أمثال هذه القوانين تسن في دولة مسلمة، بينما حتى الدول غير المسلمة لم تصل إلى هذا الحد من العداء للمظاهر الإسلامية، إلا بصور فردية أمثال قضية المرحومة مروة الشربيني في ألمانيا، حيث قتلت بيد متطرف ألماني لأسباب عنصرية. خصوصاً مع كون أمثال هذه التشريعات تلغي أبسط قواعد الحرية الشخصية التي تتفاخر دول الغرب بحمايتها وكفالتها لكل فرد على أراضيها، وتدعي سعيها لتكون حقاً مكفولاً لكل سكان الأرض.
المثال الثاني
ما بين عامي 1920 و1933 كان الدستور الأمريكي بنسخته الثامنة عشرة يحظر بيع الكحول وصناعتها ونقلها لأغراض الاستهلاك. ونجحت هذه التجربة في التقليل من استهلاك الخمور بشكل كبير حتى مارس 1933.
إلا أن الكساد العظيم في العام نفسه والإحباطات الشعبية المرتبطة به دفعت بالرئيس روزفلت للسماح ببيع بعض أنواع المشروبات الكحولية؛ إثر تزايد الاعتراضات على هذه القانون، ولأن الإدارة الأمريكية احتاجت أن تقوم بأي حركة تخفف الضغط عليها. وفي نهاية العام نفسه صدرت النسخة الحادية والعشرين من الدستور، والتي ألغت قرار المنع نهائياً.
في السياق نفسه، لو تابعنا الجدل الذي دار في عام 2010 في البحرين حول مشروع بقانون لمنع الخمور، لوجدنا أن كثيراً من أصوات الكتَّاب والاقتصاديين تعالت لإيقاف مثل هذا المشروع من التحقق على أرض الواقع.
الكتاب كانوا ينطلقون من منطلقات “وهْم الحرية الشخصية”، وكأن منع الخمور في البحرين سيقصم ظهر حرية المواطنين الشخصية، ويعتبرون أن هذه بداية لوضع تشريعات أخرى نابعة من الشريعة الإسلامية، واستخدم بعضهم كلمات مثل “طالبان، كابل، طورا بورا” لوصف مستقبل البلاد.
حدث هذا على الرغم من أن التشريع تم عن طريق نواب البرلمان وفي إجماع تاريخي كان من المستغرب تجاهله في العقد الأول للتجربة التشريعية في البحرين، وكأن ماعدا هذه الأصوات “المتنورة” يمثل التشدد!!
بينما كانت دعوى بعض التجار أن مثل هذا القانون سيدمر الاقتصاد البحريني، وكأنهم يجهلون تركيبة الناتج المحلي البحريني الذي قوامه النفط والصناعة.
أتساءل هنا حقيقة، هل كتَّابنا “المتنورون” انبهروا لهذه الدرجة بالنموذج الغربي أم أن لديهم أسباباً أخرى؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق