الاثنين، 30 أغسطس 2010

الإمام علي بن أبي طالب حاكماً

      








  تمرّ بنا هذه الأيام ذكرى استشهاد رابع الخلفاء الراشدين للدولة الإسلامية الأولى، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وما كان لنا أن نفوت مثل هذه الفرصة، لنستلهم من سيرته العطرة كل تلك القيم العليا التي عاش (ع) واستشهد في سبيلها، قيم دين الإسلام الحنيف الذي كان أول من حمل راية الدعوة إليه مع ابن عمه وأخيه المصلح الأهم في تاريخ البشرية النبي محمد (ص). لقد كان علي أول من آمن بهذا الدين، وأعظم من جاهد في سبيله، وأول من فدى وذب عن رسول الإسلام، وكان باب مدينة العلم، وحامل الراية يوم خيبر، ومن سدت جميع الأبواب الشارعة في المسجد إلا بابه. وكان الصهر للنبي (ص) ووالد سبطيه، وأقضى المسلمين وأعدلهم وأشجعهم، ولم يرد في الفضل لمسلمٍ ما ورد له.

إلا أنني في هذه العجالة، لا أحتاج إلى التعريف بكل هذا وغيره، وإنما أتعرض تعرضاً بسيطاً للجوانب التي وردت في تقرير الأمم المتحدة لعام 2002 للتنمية البشرية والموجه للدول العربية، على أنني وللأمانة لست أول من يتكلم عن موضوع هذا التقرير في الصحف العربية، فتقرير بهذا الوزن يتكلم عن شخصية بهذا الوزن لا يعقل أن أكون سابقاً إليه خصوصاً مع كون التقرير صادراً منذ عام 2002.

ترد أقوال علي (ع) في هذا التقرير في جدولين توضيحيين أحدهما في الصفحة 82 عن العلم والعمل. ثم يرد جدول آخر في الصفحة 107 بخصوص الحكم الرشيد، وهو باب الشاهد في موضوعنا، وأورد هنا أبرز النقاط كما وردت في هذا الجدول باللغة الإنجليزية التي هي أساساً مترجمة عن كلمات أمير المؤمنين في كتاب نهج البلاغة:

- من نصب نفسه للناس إماما فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم.

- ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج (الضرائب)؛ لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة خرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا.

- لا خير في السكوت عن الحق كما أنه لا خير في القول الباطل.

- اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك في نفسك، ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم ولا يتمادى في الزلة ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه. وأوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج وأقلهم تبرماً بمراجعة الخصم وأصبرهم على تكشف الأمور وأصرمهم عند اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء وأولئك قليل.

إن الكلام عن الحكم الرشيد، كثيراً ما يتبادر منه الذهن إلى الكلام عن رأس السلطة، وإن كان الحكم الرشيد ليس معنياً بالحاكم وحسب، فهو يتعلق كذلك بممارسات الأشخاص الذين يتم توليتهم مناصب سياسية تؤثر في حياة الناس وتمس مصالحهم؛ لأن التفويض لا يلغي المسؤولية الأساسية. وهذا الجانب قد أشارت إليه النقطة الأخيرة من الاقتباس من أن هناك مواصفات معينة يرى نموذج الإمام علي ضرورة توافرها في الشخصيات القيادية لتمثل الحاكم خير تمثيل في رعيته.

والمتتبع لآثار أمير المؤمنين كحاكم يجده يبدأ كل عامل له على إقليم بمكاتبته، وإعطائه تعليماته، يأمر هذا بالأمانة ويوصي ذاك بالرفق بالرعية ويطلب من الآخر الاقتصاد والتواضع. وهذا شأن كل من يولي إنساناً مسؤولية جسيمة، يبصره بجوانبها ويوصيه فيما يرى من صلاحها. يذكر في نفس السياق ما ينقل عن كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة قوله: “قول علي بن أبي طالب يا مالك إن الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، هذه العبارة يجب أن تعلَّق على كلّ المنظمات، وهي عبارة يجب أن تنشدها البشرية”، ومالك هو مالك الأشتر أحد أهم قيادات الجند في جيش أمير المؤمنين، وعامله على مصر.

على الرغم من كون علي بن أبي طالب صاحب هذه الشخصية المركزية، التي تهلك بعض الفرق الإسلامية فيها بين “محب غالٍ ومبغضٍ قالٍ”، وعلى رغم شهادة الجميع له بالفضل في كل الميادين إلا أنه قال لما دعاه الناس ليبايعوه كلمة هي مدعاة للكثير من التأمل، خصوصاً لإنسان بمكانة وأهمية وفضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، قال في ذلك اليوم: “وأنا لكم وزيرًا خيرٌ لكم مني أميرًا”.

وللحديث بقية...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق