الأحد 15 أغسطس 2010
هاهو شهر رمضان يعود إلينا في هذا العام، حاملاً معه كل خير ويمن وبركة. شهر الصيام هو، وشهر للتراحم، وشهر لتلاوة القرآن، وقبل ذلك كله، شهر للورع عن المحرمات. وكما يحمل معه التواصل بين الاهل والأقارب في حميمية خاصة بشهر الصيام، فإنه يحمل معه موسماً ثقافياً هائلاً بين دروس القرآن ومجالس الذكر والمحاضرات اليومية من أول ليلة في الشهر مروراً بذكرى استشهاد أمير المؤمنين (ع) في لياليها الثلاث ووقوفًا مع روحانية ليلة القدر إلى وداع الشهر الفضيل في ليلة الختم.
وكل تلك المحطات العظيمة، والمحافل العامرة في الشهر الفضيل تبرز فيها الخطابة لتصل إلى درجة تكون فيها إحدى سماتها، ما يجعلنا نفتش عن نماذج شامخة في الخطابة.
ويمثل المرحوم الشيخ حسن زين الدين أحد أعمدة الخطابة في البحرين والمنطقة في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث امتد عطاؤه زهاء خمسة وستين عاماً منذ احترافه الخطابة في 1940 حتى انتقاله للملكوت الأعلى في عام 2005. والمقال هنا ليس تأبينياً ولا توثيقياً لرحلة حياة الرجل المديدة والحافلة في المجال الخطابي، أو لتجربته السياسية في المجلس التأسيسي وما بعده. على أن الوقت قد فات للتحسر على عدم تدوين شهادته على العصر في شكل كتاب أو مذكرات أو سلسلة مقابلات، وللحقبة المهمة التي عاشها، التي هي فترة تأسيس البحرين الحديثة.
ومما لا شك فيه، أن الخطابة في وقتنا الحالي في البحرين، رغم حضور العديد من الأسماء اللامعة فيها التي لا يتسع المجال لذكرها، إلا أنها –أي الخطابة- لا تعيش عصرها الذهبي، بعد ارتحال أكثر قاماتها أو اعتزالهم بعد طول العطاء لأسباب صحية.
ولعل هذا من الدوافع للكلام عن مميزات أسلوب الشيخ الراحل في الخطابة، التي هي في الغالب من مشتركات ما يمكن تسميته بالعصر الذهبي للخطابة، الذي كان هو أحد أبرز أسمائه على المستوى المحلي على الاقل؛ إذ إن استحضار هذه المميزات والخصائص الأسلوبية كخطوة أولى، يؤسس لاستمرار هذه الثقافة وهذا اللون الفني بمقاييس الجودة ذاتها بما يكفل حداً أدنى من التميز، تتمكن الأجيال التالية من المحافظة عليه والإضافة إليه في موازنة بين المبادئ الأساسية لهذا المجال والتطورات التي تطرأ في السنوات اللاحقة.
وفي قراءة نقدية مختصرة، من خلال استماعي المحدود لخطابه، على أن ذلك لم يكن في أوج عطائه وتميزه، ربما أمكنني تلخيص ما أمكنني استخلاصه من مميزات هذا الخطاب فيما يأتي:
- الخطاب المفهوم وغير المتعالي ومراعاة تفاوت المستوى الثقافي للمستمعين ومخاطبتهم على قدر عقولهم.
- التكامل في أركان المحاضرة التقليدية من القصيد والحديث والنعي.
- قوة حضوره وسيطرته على انتباه المستمعين، وتوزيع النظرات عليهم بالتساوي وكأنه يخاطب كلاً منهم.
- التركيز على السيرة ونقل الحوادث التاريخية والالتزام بنص الرواية بقدر الإمكان.
- يتميز السرد لديه بالعامل التصويري الذي ينقل المستمع إلى موقع الحدث.
- تبتعد خطاباته عن الكلام عن المنامات أو الأمور التخيلية والروايات الضعيفة.
- تخلو خطاباته من الكلام في القضايا السياسية والحماس العاطفي المفرغ من المضمون.
- يبتعد هذا الخطاب المحافظ عن الجدل والمسائل الخلافية بين المدارس المذهبية المختلفة.
- تتميز محاضراته بالوحدة الموضوعية، بما يجعل لكل محاضرة موضوعاً محدداً بالإضافة إلى الحديث عن المناسبة.
وعسى أن أكون لامست بعض جروح الخطابة لدينا بسرد تلك المميزات، واللبيب بالإشارة يفهم. ولا يفوتني أن أتمنى لكم صوماً مقبولاً وذنباً مغفوراً في هذا الشهر الكريم، وكل عام وأنتم بخير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق