الأحد، 22 أغسطس 2010

مع السعداء

 




الأحد 22 أغسطس 2010

يقال إن “من سعادة المرء الدار الوسيعة، والمركوبة السريعة، والزوجة المطيعة”، ويقال أيضاً إن مما يبث السعادة في الإنسان هو “الماء والخضرة والوجه الحسن”، والكثير الكثير من المقولات، التي ترسم بعض خطوط خارطة الطريق نحو السعادة التي هي الهدف الأهم في هذه الحياة.
اقتنيت منذ فترة كتابا تحت اسم “مئة سر من أسرار السعداء” يلخص في فصوله المئة العدد نفسه من الطرق للإحساس بالسعادة بشكل دائم. وسأستعرض هنا بعض عناوين هذا الكتاب: تقبل نفسك بلا شروط. أشعر الآخرين بمدى أهميتهم بالنسبة إليك. لا داعي للخوف من التقدم في العمر. تطوع. اضحك. تناول بعض الفاكهة يوميا. استمتع بنوم عميق. ساعد الشخص الذي يحتاج مساعدة بسيطة. قم بزيارة جيرانك. استمتع بماهو عادي.
كل هذه عناوين جميلة، إلا أن أحد العناوين التي لم نذكرها أعلاه هو عنوان “كن حمامة سلام”:  “إذا كان أصدقاؤك أو أفراد أسرتك على خلاف، فإنك ستشعر بعدم سعادتهم، حاول ان تكون صوت العقل والمصالحة”.
كل مصالحة تحتاج عراباً، تحتاج حمامة سلام، ذلك أن طرفي الخلاف، وإن كانت الرابطة بينهما قوية، إلا أن تقبل أحدهما ليكون البادئ بالسلام شيء صعب، يعتبره كل منهما غالباً انتقاصاً من كرامته. ولذا صار لزاماً أن يتدخل عرابٌ ما، شخص مقبول ومحترم لدى الطرفين، ليقوض هذا الخلاف ويمسك بكفي الخصيمين ويصالحهما.
يقول الشاعر زهير بن أبي سلمى:
يميناً لنعم السيدان وجدتما * على كل حالٍ من سحيلٍ ومبرمِ
تداركتما عبسا وذبيان بعدما * تفانوا ودقوا بينهم عطر منشمِ
وقد قلتما إن ندرك السلم واسعاً* بمالٍ ومعروفٍ من القول نسلمِ
صحيح أن بعض الخلافات تزول وحدها فيما بعد، أو تنتهي بانتهاء أسبابها، إلا أن هناك بعض الخلافات لا يمكن أن تزول مادام كلا الطرفين مصراً على وجهة نظره. هنا لا بد من الآتي:
  بدء مراسلات بين الطرفين عن طريق الوسيط أو العراب.
  التأكد من وجود القابلية للمصالحة في الوقت الحالي.
  عند عدم وجود القابلية سواء النفسية أو المادية، لأنه أحياناً تكون بعض الظروف الموضوعية للخلاف مانعاً من تصالح مقبل، وهذا ما يسمى بـ”حفظ ماء الوجه”. يجب الاتفاق على ما يمكن عمله لخلق هذه القابلية، وإزالة الموانع بما يحفظ لكل طرف حقوقه وكرامته.
  إيجاد طاولة مشتركة ينتهي عليها الخلاف مع وضع جدول للقاءات مشتركة مستقبلية.
في مثل هذه الأوقات يجب التأكد أن الأجواء المحيطة إيجابية. ويجب أن يكون المشاركون في العملية على مستوى من المسؤولية والوعي بخصوصية هذه الأجواء، أو بمعنى آخر يجب على الجميع أن يقول خيراً أو يصمت.
على أن من يتصدى لمثل هذا الدور ويكون وسيطاً في مصالحة أو “حمامة سلام” كما سماه الكتاب، يجب أن:
  يكون مستعداً ومتهيئاً نفسياً لما يمكن أن يلاقيه من صدود أو تعنيف أو عدم تقدير في كثير من الأحيان. وربما كانت هذه العوامل التي تنفر من القيام بهذا الدور سبباً لكون “إصلاح ذات البين” من أكثر أعمال البر ثواباً وأعظمها أجرا.
  يكون مركزه الاجتماعي أو مكانته عند الطرفين تكفل له القيام بهذا الأمر بحيث تكون له الكلمة المسموعة عندهما.
  يملك من الفطنة والحصافة ما يمكنه من القيام بهذا الدور بالشكل الصحيح.
  يتأكد أن خطوات إزالة الفتنة بلا عودة قد تمت بشكل كامل، وأن جميع أسباب الخلاف قد عولجت.
  يكون قد مضى من الوقت ما يكفل خمود جذوة الخلاف مما يسهل حل هذا الخلاف وإجراء المصالحة.
نتذكر هنا الحديث المروي عن أشرف الخلق محمد (ص): “ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة”، قيل: بلى، قال (ص): “إصلاح ذات البين”.
على أن الكتاب ولا شك، كان يشير في كلامه المقتضب عن حمامة السلام إلى السعادة النفسية الناجمة من القيام بهذا الدور، إلا أنه لا مانع مطلقاً من الجمع بين سعادة الدنيا وثواب الآخرة كما اظن.
وكما يجتمعان في العبارة الآتية. أتمنى لكم صوماً مقبولاً وإفطاراً هنيئاً...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق