الأربعاء ٣٠ نوفمبر ٢٠١١
لا خلاف أن كثيراً من المسلمين يرون البكاء على الحسين من الصالحات التي تحط الذنوب و يعدونها في أمهات “المودة في القربى” التي هي أجر الرسالة الذي يبذله المسلمون لنبيهم الذي لا يسألهم أجراً غيره. فهل تغير شئ في عقيدتهم هذه أم ما زالوا عليها؟ أقول أن هذه العقيدة في إحياء مصيبة الحسين عند أتباع المذهب الإثناعشري هي من الجبال الرواسخ التي لا تزلزها الحوادث ولا تغيرها الأيام و لا مرور السنين و القرون.
و ربما كان هذا الثبات على هذه العقيدة سبباً في طموح طلاب السياسة في الإستفادة من مأتم الحسين عليه السلام في تحقيق أهدافهم و إسباغ القدسية على قضاياهم و الوصول لمآربهم بغض النظر عن كونها نبيلة أو غير نبيلة. و لعل ذلك بسبب تفهم أصحاب القضايا السياسية من خلال تجارب السابقين لهم أن الدخول للسياسة من باب التصادم مع الدين لا يحقق ثمرة عاجلة في مجتمع متدين. و هنا كان لا بد من الإلتفاف على القضايا الدينية و إدخال السياسة للناس من أبوابها و تحقيق الأهداف. يفتح هذه الأبواب ابتداءاً أشخاص هم في الأساس غير متدينين، ثم يتبعهم فئاة من مغفلي المتدينين و من طامحي السياسة من البراغماتيين.
ما ينطبق في المأثور على دخول إبليس للعابد من باب العبادة، و ما انطبق على جميع الطامعين في السياسة على مر العصور سينطبق على من يحاولون أن يحرفوا رسالة المأتم في سعيهم لتحويله إلى دكان حزبي يتبع هذا التيار و ذلك الحزب و هذا التوجه. سينطبق على من يختزلون قضيته في ثائر مظلوم مقتول، أو طالب حكم مغلوب و ينزعون بذلك القدسية التي تحيط بسيد شباب أهل الجنة و سبط الرسول و إبن سيدة النساء و شبل فتى الإسلام الأول. لماذا ينزعون هذه القدسية؟ لتكون ميراثاً و حلة يرتديها كل صاحب قضية سياسية، و حاشا لمقام الحسين أن يقرب منه أي من طلاب المناصب السياسية.
من يريد أن يخلع على نفسه هذه الخلعة المقدسة ليكون حسين العصر سيرتقي المنبر، ثم سيقول بأن الحسين لم يقتل لنبكي عليه. كلمة حق أريد بها باطل!! قتل من أجل هدف أجل و أسمى، ثم يشرع في شرح أهدافه فيجعلها أهداف الحسين. و لأن حب والد الأئمة صار في نفوس محبيه سلطاناً لا يغلب، فعمد المجددون كما يسمون أنفسهم للسعي في “توظيف الدمعة”! و كأن الدمعة على الحسين أداة كدموع هؤلاء عند مخاطبة الحشود، كلا فالدمعة على الحسين لا تحتاج من يوظفها، إنما أثبتت قدرتها على توظيف القدرات و المهارات و الإمكانيات لخدمتها.
و في ذات سياقنا يقول العلامة المدني في تنزيه الشعائر الحسينية “ أما من كان له حسين غير حسين ابن علي ابن أبي طالب و غير ابن فاطمة و في عصر غير عصر يزيد ابن معاوية و في كربلاء ليست هي كربلاء الطفوف، من كان له حسيناً غير هذا الحسين فليعمل له مأتما كما يشاء، و ليقل فيه ما يشاء، و يعمل فيه ما يشاء، لا أن يستغل شيعة الحسين بن علي بن ابي طالب من أجل حسين غير حسين ابن علي ابن أبي طالب و غير كربلاء هي كربلاء الطفوف، من أجل حسين آخر يعيش في عصر آخر، كما يقول حسين البحرين و كربلاء البحرين فليس في البحرين حسين و ليس في البحرين كربلاء”.
سيظل بكاءنا عليك يا مولاي يا أبا عبدالله تفجعاً لمصاب رسول الله في مقتلك و ظلامتك، لا طمعاً في دنيا و لا سعياً لمكسب و لا بحثاً عن خفق النعال. إن مقاماً كمقامك ولا مقام كمقامك، هذا المقام لا يملك الإنسان أمامه إلا أن يخشع في الجلال الذي جعله الله لك منذ جعلك سيداً لشباب جنته يا قتيل الدمعة الساكبة.
آخر الوحي:
أنا دمعـةٌ عُمْرُهـا (أربعـونَ) جحيمـاً مـن الأَلـمَِ المُـتْـرَعِ
هنا في دمي بَـدَأَتْ (كربـلاءُ) و تَمَّتْ إلـى آخِـرِ المصـرعِ
كأنّـكَ يـومَ أردتَ الـخـروجَ عبرتَ الطريقَ علـى أَضْلُعـي
ويومَ انْحَنَىَ بِـكَ متـنُ الجـوادِ سَقَطْتَ ولكـنْ علـى أَذْرُعـي
ويـومَ تَوَزَّعْـتَ بيـن الرمـاحِ جَمَعْتُـكَ فـي قلبـيَ المُـولَـعِ
محمد مهدي الجواهري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق