الأربعاء، 4 يناير 2012

الفئة الضالة






الأربعاء ٤ يناير ٢٠١٢


فيما يعرض الكاتب عن الدخول في منزلقات السياسة، لأسباب قد يجهلها هو نفسه، فان بعض الأحاديث الجانبية ومناقشة أفكاره مع الآخرين توصله لبعض الحقائق حول حقيقة شعوره وما وصل اليه من قناعات مؤلمة أزعجت عقله الباطن واستلزمت مواجهات فكرية مزعجة في داخله لتجاوز الدرجات المهترئة من سلم التفكير المشوش.
في الوضع الذي تمر به البحرين منذ قرابة العام وصلت الأمور الى درجة من التعقيد صار معها التفكير في الحلول المنطقية بعيداً عن أي جدوى، خصوصاً مع تكرار التجارب التي تتسبب شيئاً فشيئاً في قطع كل خيوط الثقة بين الفرقاء والاخوة الخصوم. أضف الى هذا غياب الاستراتيجية الواضحة من الدولة في التعاطي مع المتغيرات، مع توقفها هي والمعارضة في آن واحد عن مواجهة كل سلوك لا يمثلها بصورة حازمة قاطعة، حتى صارت هذه الفوضى طليقة السراح مرخاة العنان قابلة للانفجار من الاتجاهين وفي الاتجاهين لتصيب البريء قبل المذنب والمغرر به قبل المحرض وذا الرتبة المنخفضة قبل الرتبة العالية والأطفال قبل الكبار والنساء قبل الرجال.
هذا التعقيد المتسارع والايقاع المتصاعد وما سبقه من أحداث وما لحقه من نتائج وما تخلله من خطابات، وما رافقه من وعود وتعهدات جعل جميع من يعتبرون أنفسهم من أصحاب النوايا الخيرة يقولون خيراً أو يصمتون، وينتقدون أخطاء جميع الأطراف بدرجة لا تتسبب في تعثر الحلول المرتقبة وانما فقط لمواجهة التشدد من كل طرف.
وعول أصحاب النوايا الخيرة على رشد بعض أطراف الخلاف وتحضر أصحاب الحل والعقد، لدرجة أن الجميع صاروا ينتظرون كل تاريخ متفائلين ثم يصابون بالاحباط وهكذا دواليك حتى وصل كثير منهم الى قناعة أن الحل يستعصي على الباحثين عنه، وتكرست درجة عالية من الاحباط حول نجاح أي حلول عملية واقعية توازن بين تطلعات الناس ومخاوفهم من ناحية وبين المعطيات الدولية والاقليمية من ناحية أخرى.
هذا الاحباط الذي يسيطر على عموم الناس من المتابعين لا يستثني أحداً، فيبقى الجميع يدورون ويحلقون في الحلقة المفرغة ينتظرون أن يقرض الجرذ الشبكة لينطلقوا نحو فضاء أرحب. ولا شك أن تعويلنا على جرذ من خارج الشبكة التي نطير فيها يجب أن يكون أقل من تعويلنا على قدرتنا في ايجاد ايقاع متناغم يطير به الجميع فيرتفعون بشبكة الصياد عن الأرض حتى ايجاد حل دائم.
نفس هذا الاحباط واليأس من توصل الفرقاء الى حلول هو ما يرسل الكاتب الى صومعة بعيدة، ويجعل المرء يصمت عن موضوع لا يمكنه أن يقول أو يفعل فيه خيراً. بل لا أبالغ ان قلت إنه حتى الطرح الجريء يكون غالباً غير مسموح به رغم فائدته في لمس الجراح والوصول الى مكامن الخلل، فهوامش حرية الكتابة تقل تلقائياً عند الكاتب وعند الصحيفة. وفي هذا الباب أستذكر تساؤل أحد الكتاب في جريدة “البلاد” في مقاله ما اذا كان يصح أن تناقش المشاكل الخدماتية كالاسكان وغيرها أم ينتظر تجاوز فترة الطوارئ.
وخلال هذه التجاذبات الحوارية المستكشفة للكوامن والمشاعر كنت أشاهد برنامجا في تلفزيوننا المحلي بدأت احدى فقراته التي تعني بالتكنولوجيا بنقاش أهمية ترشيد لغة الخطاب في مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك والتويتر حفاظاً على اللحمة الوطنية. في نفس البرنامج يطلع على المشاهدين فاصل آخر سياسي يبدأ الكلام فيه حول أزمة البحرين بالكلام عن الفئة الضالة!! حينها كان لي تعليق على تلك المفارقة على حسابي في التويتر. فسألني أحد الأصدقاء التويتريين عن سبب اعتراضي وهل هو لفظة “الفئة الضالة” أم ما بعدها؟
قلت له وأقول إن المشكلة ليست في انتقاء الالفاظ بقدر ما هوالثيم العدائي والاستعدائي الذي يدخل به المعد والمقدم وقد يجر معه ضيوفه الى موقف مسبق لا يتوافق مع هدف اعادة اللحمة أو الحفاظ عليها؛ وانما يكرس لطرح مواقف ومشاعر شخصية تنتمي لأفكار سياسية لا تخدم أهداف اللحمة أو الوحدة الوطنية التي نتشدق بها جميعاً ونقطعها بكل ما يتوافر لدينا من ألفاظ حادة وتطلعات طامعة يجر كل منا بها النار الى قرصه.
أقول للكبار والعقلاء وذوي النظرة البعيدة، ان أمل البحرين معقود على واقعية الطرح وعقلانية الكبار والتسامي على المصالح الشخصية والفئوية وعدم حرق مراحل تبين جلياً أن اجتيازها يستلزم منا جميعاً أن نكون أكبر من الوقوع في حفر لا تليق بحضارتنا ولا مخزوننا الفكري، حفر مصنوعة من خوف أو طمع وانعدام ثقة. والله من وراء القصد.

آخر الوحي:

ماذا يفيد الصوت مرتفعا... ان لم يكن للصوت ثمّ صدى؟
والنور منبثقا ومنتشرا... ان لم يكن للناس فيه هدى؟
انّ الحوادث في تتابعها... أبدلنني من ضلّتي رشدا
ما خانني فكري ولا قلمي لكن رأيت الشعر قد كسدا
 ايليا أبوماضي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق