الأربعاء، 25 يناير 2012

لمن يجرؤ





الأربعاء ٢٥ يناير ٢٠١٢


يخطئ البعض حين يظن أن الكلام عن الواقعية السياسية مؤداه هو الاستسلام أو التنازل والترحيب بالعجز والقصور دون حتى إبداء للرأي لأوجه هذا القصور أو سبل حله. ومخطئ أيضاً من يظن أن الخطاب الواقعي موجه فقط للطرف المعارض من أطراف المعادلة السياسية دون أن يشمل باقي أطراف المعادلة من مؤسسة حكم أو مؤسسات مجتمعية ونخب اجتماعية ودينية وسياسية إلى باقي الشركاء ومجموعات التأثير.
الصحيح هو أن الواقعية تستدعي القراءة الصحيحة للواقع المعاش، وترتيب أولويات العمل بحيث يخلق أكبر إجماع وتوافق على ما يجب البدء به ثم ما يجب الصيرورة إليه، بهذا يكون العمل منطلقاً من حقيقة الإحتياجات المجتمعية ليسد الفجوة بين الواقع والمأمول.
وفي نظري أن المعارضة في البحرين، استطاعت السير في هذا الإتجاه جزئياً عندما دخلت في التجربة التشريعية في عام 2006، ووضعت برنامج عمل واستطاعت أن تكمل التجربة بشكل شجعها على المشاركة في 2010. ربما قلت إن ترتيب طرح الملفات والتركيز على الملفات السياسية استطاع أن يفت في عضد التطوير الطبيعي للتجربة والذي كان لينطلق من الحاجة بعد وضوح إلحاحها، ولكن قائلاً قد يقول إن المعارضة حين ركزت على ملفات مثل التجنيس السياسي أو صلاحيات المجلس أو التقرير المثير فهي بذلك كانت تركز على مسببات المرض بدلاً من علاج نتائجه وعواقبه.
أقول، إن المشكل المعيشي كان المفتاح الذي كان بإمكان الحكومة من خلاله أو المعارضة أن تجمع من خلاله التوافق على مدى نجاحها وتحشد لها أكبر عدد من المؤيدين من واقع نتائج العمل وليس من خلال وعود المعارض السياسي ولا من خلال تخويفات “اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش”. وللأسف فقد أخفق الاثنان في حل مشاكل بمستوى مآس وعيوب جوهرية لم يكن ممكناً التغافل عنها، إلا أن الدولة تلام فيها أكثر من المؤسسة الرقابية والتشريعية لأسباب يطول المقام فيها لأنها تقع في باب توضيح الواضحات.
في المقابل، استطاعت الدولة أن تغض عن الواقعية في التعاطي مع مشاكل حقيقية وملحة بشكل غريب يشير إلى حلول لا ترقى أن تكون ترقيعية بل ربما وقعت في خانة التسويق غير الفعال. أضرب مثالاً بموضوع الخط الساخن للتبليغ عن حالات الفساد الإداري والذي أظن أنه أعلن عنه بعيد نشر احد تقارير ديوان الرقابة. الحال أن التعاطي الجريء والجدي مع التقرير وتوجيهه للقنوات القانونية الفعالة للمساءلة والمحاسبة كان ليحل مشاكل حقيقية بدلاً من أن نقول للعامة إن جدوى التقرير ونتائجه ليست كافية لكن بلاغاً تلفونياً سيكون خطوة في طريق الحل.
الواقعية التي نطلبها من الدولة أيضاً في أزماتنا التي نعيشها تكمن في قراءة جريئة للوضع السياسي في المنطقة والعالم والتي نطق ببعض ملامحها شخصيات خليجية استضافتها المنتديات ولقد أثبتت الأزمات السابقة الحاجة إلى التعاطي الجاد مع هذه الأزمات وإيجاد حلول توفيقية ناجحة، وحين أقول توفيقية فهي لا تعني محاصصات وموازنات وإنما تعني توفيق بين الكلفة والفائدة لهذا الوطن.
الواقعية التي نطلبها من المعارضة في أزماتنا تستدعي عدم إعطاء أي فرصة لمواجهات بين المواطنين بعضهم بعضا أو المواطنين والدولة، فالوطن هو بلا شك آخر من يستفيد من حدوث أي خسائر في الأرواح أو الأموال ومن حدوث تشنجات أمنية ومن أن تتحول حياة الناس إلى أتون مشتعل من قلة الأمن بغض النظر عمن يكون السبب فيه. وهذه الواقعية تنظر إلى ما يمكن منعه من الخسائر وليس إلى ما تحقق منها، خصوصاً إذا كنا نرى أن هيكل وتكوين بعض المؤسسات الأمنية ما زال يشوبه قصور يؤدي إلى العجز عن منع حدوث الجرائم ومنع كشف حيثياتها بعد حدوثها.
ذكرت أمثلة قليلة والكلام كثير، إلا أن الكلام عن الواقعية المطلوبة قد توقفه واقعية الطرح الذي ينظر إلى أن لا طرف يستمع، وإنما هو سجال قائم ومستمر، سيؤدي إلى كسر عظام الوطن وسيكون الصراخ على قدر الألم. ولكن معذرة إلى ربكم.
آخر الوحي:
يعانق الشرق أشعاري ويلعنها
فألف شكر لمن أطرى ومن لعنا
فكل مذبوحة دافعت عن دمها
وكل خائفة أهديتها وطنا

نزار قباني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق