الأربعاء ٥ فبراير ٢٠١٢
في جلسة حوارية أشبه ما تكون بالمنتدى المفتوح، تكلم بعض الأساتذة عن مفهوم الديموقراطية و تداخله مع مفهوم العدالة و تعارضه مع بعض المفاهيم الدينية الأساسية في دين الإسلام. الإسلام باعتباره لا يقتصر على العقيدة و ممارسة الشعائر العبادية و إنما يمتد ليمثل شريعة تغطي جميع مناحي حياة المسلم. ولعله قد تم تعطيل الجزء الواسع من هذه الشريعة و صارت حياتنا الدينية مقتصرة على شعائر العبادة و تقسيم المواريث و عقود الزواج و مسائل الطلاق و النفقة.
أحد أوجه التعارض الذي تم التأكيد عند ذكره على ما تم توضيحه مراراً من قبل وهو إستناد الديموقراطية إلى أن التشريع هو حق الناس يتوافقون على مواده و قوانينه فيمثل شريعتهم، بغض النظر إن كان ما يتوافقون عليه نابعاً من شرائع ذات أصل سماوي أو أهواء أو مبنياً على قوانين وضعية مستنسخة من أمم أخرى. طبعاً هذا الإشكال هو على المستوى النظري و مؤداه المتعارض مع العقيدة هو أن الأمة تتوافق على أن التشريع لا يعود سماوياً بل هو أرضي، فبذلك يحصل إنفكاك عن الإلتزام بالشرائع.
لا شك إن الجدل في هذا الموضوع يحتاج إلى مساحة واسعة، إلا أن ما أردت توثيقه هنا هو أن الديموقراطية أدخلت قسراً في ثقافتنا، رغم أننا لا نحتاج أن ننتسب إليها لزيادة مساحة حرية الرأي أو للمطالبة بحق المشاركة السياسية سواء في الإدارة أو التشريع أو الرقابة. إلا أن ما يروعك كمتلقي هو حين تكتشف أن هذا المفهوم الذي رفضه المفكرون الإسلاميون صار يستخدم بأريحية بالغة من سياسيين ينتسبون إلى الخط الإسلامي، و بشكل لا يوضحون للناس فيه التناقض النظري الموجود، و العملي الذي يصطدمون به عند بدء التطبيق. و السؤال، هل عندنا من المفكرين من هو أمين على المفاهيم بحيث يوضح للناس أن الديموقراطية ليست من الإسلام و أنها لا تعني العدالة؟
فهذه الكلمة التي تدل في معناها الواسع على حكم الشعب لنفسه و القائم على حكم الأغلبية و في معانٍ ضيقة على نظام التصويت لا تعني العدالة أبداً و إنما هي آلية و نظام حياة كغيره من النظم التي تقوم عليها الدول و تدعي من خلالها توفير العدالة، و هو تبشير يقوم به كل صاحب فكرة أو نظرية.
المدهش أن هذا الخلط و الإلتباس الذي يقع لبسطاء الناس وقع فيه حتى بعض النخب، فحين يدافع شخص عن مشروعه ليقول أن التوصيف الدقيق لمشروعه ليس الليبرالية بل الديموقراطية، فإنه واقعاً لم يجمل الصورة بل ربما زاد من قبحها. ذلك أن الإستيحاش الذي يقع فيه الناس المجبولون على التدين من كلمة ليبرالي نتيجة ارتباطها بالتحرر من القيود الدينية ليس نفسه في بعض التوصيفات العلمية للديموقراطية. إذ أن الديموقراطيات الليبرالية تتميز بأنها تراعي حقوق الأقليات و الأفراد بخلاف الديموقراطيات اللا ليبرالية التي قد لا تلزم نفسها بهذا الإلتزام تجاه الأفراد و الأقليات.
بعد هذه الجلسة الحوارية حاولت التأكد من فهم الأساتذة للديموقراطية إذ أن الكلام الذي ذكروه رغم رصانته خطير و يستلزم أن السكوت عن هذا الخلط الحاصل هو إخلال بالأمانة على المفاهيم. قمت حينها بالبحث عبر الإنترنت فوجدت استطلاع رأي قامت به البي بي سي في منتصف العقد الفائت عن مدى إمكانية التوفيق بين الإسلام و الديموقراطية. حين تقرأ ما كتبه المشاركون و تستبعد المشاركات ذات الطابع الإنشائي تجد أن المشاركين يؤكدون على أن الإسلام لا يمكنه التعايش مع الديموقراطية. بعض هؤلاء كانوا من المسيحيين و الآخرين كانوا بين العلمانيين أو الإسلاميين. الطريف أن كل هذه الإتجاهات المتناقضة رفضت أي تناغم ممكن بين المبدأين و استحالة تعايشهما عملياً أو تقاربهما نظرياً.
و في ذات اليوم كنت أقرأ عبارات لفقيه معاصر كان يندد فيها بالديموقراطية الغربية وبكل الأيديولوجيات المادية و يؤكد على هزيمتها. و أوكد هنا على أن انتقاد الديموقراطية لا يعني رفض مشاركة القرار السياسي أو الدعوة لكبت الحريات الشخصية المشروعة و إنما هي دعوة لتسمية الأسماء بمسمياتها. كما يجب التأكيد على أن الديموقراطية هي وسيلة مقترحة يفترض المطالبون بها انها سبيل للعدالة إلا أنها ليست بالضرورة الطريق لتحقيقها. و أخيراً فإنه يجب توصيل الفكرة للناس أن المطالبة بفكرة ليست من صميم دينهم بل ستتعارض غالباً مع دينهم، هذه المطالبة يجب أن يفهموا كل محاذيرها الشرعية. ما الدليل على تصادمها مع الدين؟ حين تدعو إليها أحزاب لا دينية، والله من وراء القصد.
آخر الوحي:
و في نفس سياق هذا الخلط و الغلو قال أحمد شوقي واصفاً النبي الأعظم:
بك يا ابن عبدالله قامت سمحة **** بالحق من ملل الهدى غراء
بنيت على التوحيد وهو حقيقة **** نادى بها سقراط والقدماء
ومشى على وجه الزمان بنورها **** كهان وادي النيل والعرفاء
الله فوق الخلق فيها وحده **** والناس تحت لوائها أكفاء
والدين يسر والخلافة بيعة **** والأمر شورى والحقوق قضاء
الاشتراكيون أنت أمامهم **** لولا دعاوي القوم والغلواء
أحسنت أستاذ محمود
ردحذفمقال رااااائع جدًّا
وإذا كان بالإمكان وضع وصلة الاستطلاع الذي أجرته البي بي سي
وذِكر اسم الفقيه المعاصر المذكور في المقال مع اسم الكتاب ليتسنّى لي الاطّلاع أكثر
أكرر شكري ودُمتَ موفَّقًا..
اهو فتي بدون ادله وانت صدق ووافق
ردحذف