الأربعاء ٢ مايو ٢٠١٢
حديث نبوي شريف ذو معنى عميق وخطير، يفسر عن الإنسان وما تخفيه نفسه من مشاعر وأفكار وهواجس وتمنيات. “ لو تكاشفتم، ما تدافنتم”، جوامع الكلم والبلاغة والعمق حين يتكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أناس من القرب بحيث يكون دفن أحدهم واجباً على الآخر، ربما كابني آدم إذ دفن أحدهما الآخر رغم أنه هو من قتله، وربما كما يدفن أحدنا الآخر وهو من ربما تمنى هلاكه.
رغم هذا القرب وهذا الواجب، إلا أن الحي لو علم بما كان يبطنه الميت، فلربما استنكف من أن يدفنه، ومن يدري فلربما أحرقه أو مثل به أو مزق جثته. إن أحدنا قد يفعل ذلك في الآخر رغم أنه لا يعلم ما يبطنه له، أو لربما يفعله مع من يعلم حبه وإخلاصه، فكيف إذا علم منه الحقد والبغض وإضمار الشر.
وإذ كان الإنسان يستخفي بهذه المشاعر، ولما كان علم ما في النفوس مختصاً برب العزة، وحيث إن ما في نفس الإنسان لا يبرح أن يخرج في فلتات لسانه وفي سبق أفعاله، كان من أكثر الأفعال ذماً إفساد ذات البين والسعي بالوشاية والنميمة بين الناس، وكذا التجسس وكل ما يمكن أن يطلعك على ما يسوءك من أخيك. بل إنك إن سمعت منه ما يسوءك كان الحمل على محمل الخير وابتغاء العذر أولى من أخذه بالجريرة.
عظيم ذلك الإثم، وكبيرة تلك الخطيئة لو كان إفشاء لما هو حقيقي سيئ ولكنه خافٍ عن عيون الناس. فكيف به حين يكون إشاعة للكراهية والبغضاء وتشطيراً للمجتمع وشحناً للنفوس واختلاقاً للأحقاد؟ أي أنفسٍ تقبل لنفسها هذه الدناءة من القول والفعل، حين يغدو مال الإنسان ودمه وعرضه مباحاً لتجار الفتن وأقلام البغضاء ومنتفعي الحروب؟ لا شك أن أي مشعلٍ لهذه الفتن يعلم بشاعة ما يفعل، ولكنه إما مستفيدٌ منه أو متكسب.
الكلام هنا للأقلام الطائفية، لدعاة المقاطعة من مستحلي أموال الناس، لكل يد مشبوهة لا تعبأ بما تزهق من أرواح، للقنوات التكفيرية الطارئة على السياسة قبل تلك الملتزمة بمنهج التكفير العقدي وحده، اتقوا أن تشعلوا ناراً بدت لها بوادر تحرق الأخضر واليابس، إن لم تكونوا تتقون يوماً يتبرأ المتبوع من التابع، وتيقنوا أن قدركم واحد ولا مستفيد من البغضاء إلا العدو، فأصلحوا بين أخويكم!!
آخر الوحي:
عاد الربيع إلى الدنيا بموكبه ***فازينت واكتست بالسندس الشجر
وظلت التينة الحمقاء عارية ***كأنها وتد في الأرض أو حجر
ولم يطق صاحب البستان رؤيتها*** فاجتثها، فهوت في النار تستعر
من ليس يسخو بما تسخو الحياة به*** فإنه أحمق بالحرص ينتحر
إيليا أبوماضي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق