الأحد 27 مايو 2012
جلس بجانبي في الطائرة، و استأذن قبل جلوسه، رحبت به و جلس هادئاً يطالع الصحف. و بطبيعة الحال، ما لبثت الأحاديث تبدأ بيننا عرضياً. و لأنه مصري، ولأن يومها كان يوم ظهور النتائج للإنتخابات الرئاسية، بادرته بالسؤال عن توقعاته. كنت قد علمت قبيل صعودي للطائرة أن المرشحين مرسي و شفيق يتقدمون الباقين، و كانت نتائج الجيزة و القاهرة لتحسم هذا السباق و تحدد إسم المرشحين الصاعدين للجولة الثانية.
وجدته يهتف بأنه يتمنى وصول حامدين صباحي إلى الجولة الثانية و لا يتمنى أبداً أن يجد مرشح الإخوان يتسابق في الدور الثاني بتاتاً. قال لي، أن وصول شفيق بالنسبة له أفضل من وصول مرشح الإخوان المسلمين. و بدا شديد الحنق و ربما التحامل على تنظيم الإخوان المسلمين. قال لي، لو صعد المرشح مرسي للجولة الثانية فسنفضل أن ندعم شفيق على أن ندعم مرشحاً للإخوان المسلمين. و استرسل بالكلام على تيار الإخوان المسلمين ناعتاً إياهم بأشد النعوت من حيث التطرف و الإحتيال على الدين و اللعب على عقول البسطاء.
قلت له، ان جماعة الإخوان كما يبدو تتمتع بشعبية كبيرة في صفوف مجتمعك المصري، فقال هذا صحيح لأنهم يصورون للناس أن الإنتصار لهم يمثل انتصاراً للدين، بينما هم حين تناقشهم في أمر ما و تستدل بآية أو حديث لا يقبلون قولك و لا يقبلون منك أن تستدل، فالإستدلال حتى تساؤلاً أو جدلاً غير مقبول منك و الحكم هو ما ينطق به كبار الجماعة، و هؤلاء الكبار هم الدين و هم مصدره، فجعلوا لهم مكانة فوق مكانة الدين، بل أن التساؤل عن تصرفاتهم غير مقبول و قد يعتبر تطاولاً.
قلت له، و لكن هل من الممكن أن تفضلوا عليهم وجهاً ينتمي إلى الحقبة الفائتة، قال لي حينها لن يكون أمامنا خيار فنار شفيق خير لنا من جنة الإخوان، و أردف، لا ألوم الأقباط لتصويتهم لشفيق، فلو كنت مكانهم لفعلت الشئ نفسه قبال تيار يحتكر الدين في توجهه و في أفكاره و في حزبه، و تأكد أنهم لا يتعاملون في تعصبهم هذا مع المسيحي فحسب بل هي نظرتهم لكل أصحاب المذاهب الأخرى.
و استرسل مرة أخرى يقول، ما أعرفه أن الدين مظلة كبرى لكل أصحاب المذاهب، و هؤلاء يقلصونها إلى حيز أصغر، بل إن الدين الذي جعل هداية لكل الناس و هدفه خير الإنسان حتى غير المسلم، فكيف بنا و هؤلاء ينظرون بنظرة ضيقة و يتمسكون بما يفرقنا لا ما يوحدنا كمسلمين و كمجتمع مصري. كلما أخذته بالكلام مرة أخرى نحو الإنتخابات كان يدعو الله أن لا تضيع فرصة التغيير و أن تسفر نتائج القاهرة و الجيزة عن خروج المرشح مرسي و وصول صباحي قبالة شفيق، و يعيد التأكيد على أن شفيق سيكون خياره لو قابله مرشح الإخوان، ثم يدعو بالنصر و بتحقيق آمال “الغلابة” الذين سعوا للتغيير.
إعتذر فيما بعد لكثير الكلام الذي أبداه حنقاً عند أي ذكر للإخوان، فأجبته أن لا عليك، فمن دواعي سروري أن أستمع مباشرة لمشاعر مصري يترقب النتائج في مثل هذا اليوم.
ودعته على أمل اللقاء لما رأيته من كرم أخلاقه كعموم من قابلتهم من مصريين و أخذت أفكر فيما سمعته منه، و أخذت أفكر فيما قاله و في الوضع الذي تنبئ به انتخابات مصر. الخيار القادم يراوح بين وجوه النظام السابق و وجوه الإخوان، إنها كما قال أحد أصدقائنا المغردين نفس الثنائية، ولكن مع تبادل الأماكن ربما لو وصل الإخوان للحكم. هل هذه هي ثورة شباب مصر التي أقامت الدنيا، أين هؤلاء الشباب الذين قادوا الجموع إلى ميدان التحرير؟ هل كانوا أشباحاً؟ ألم يتمكنوا من تنظيم أنفسهم بما يكفي ليعودوا بقوة عبر الصناديق؟
هل كانت الفتوى التي تقود الناس للصناديق من ناحية؟ و عصا النظام السابق التي تلوح من بعيد و تعد الناس بالحاكم الظلوم الذي يريحهم من فتنة تدوم؟ ثنائية الوجوه على الأقل هي نفسها عائدة، و ما الدماء التي بذله بسطاء الناس إلا ثمن لنقل المعركة إلى أفق آخر. هل لهذا السبب لم يظهر الإخوان علناً في حركة ميدان التحرير؟ هل كان امتناعاً ليخدموا ثورة مصر خارجياً؟ أم كان لأنهم بعبع على المستوى الداخلي أيضاً كان بإمكان النظام حينها أن يستخدم فزاعته؟
هل خافوا أن يكون الخيار للناس نار النظام او جنة الإخوان، و خافوا أن يختار الناس نار النظام؟ أفكار غير مستبعدة، و ممكنة جدا، و ربما لهذا كان لا بد لكل حركات الربيع العربي أن تخفي وجوه اللاعبين الحقيقيين و تعتمد على البروبوغاندا من أن شباب التويتر و الفيسبوك يصنعون القادم و كأن هؤلاء وجوه فضائية. لئلا يقع الناس بين هذين الخيارين فيجدوا أن الإثنين لا يستحقون التضحية، لأن التضحية دوماً تنبع من الامل.
آخر الوحي:
مرهقة أنت و خائفة
و طويل جداً مشواري
غوصي في الماء أو ابتعدي
لا بحر من غير دوار
الحب مواجهة كبرى
إبحار ضد التيار
نزار قباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق