الأحد 6 مايو 2012
الشهرة كما اشتهر عند الناس جميعاً، هي أمر له ضريبته التي لا بد لكل المشاهير أن يدفعوها. فحياتهم الشخصية بأدق تفاصيلها لا تعود ملكاً لهم و إنما هي ملك للجمهور و لوسائل الإعلام التي تلاحقهم في كل مكان و زمان. و لنا أن نتذكر كيف قضت الأميرة ديانا و صديقها عماد الفايد و هم ملاحقون بكاميرات الصحافة. هي ضريبة للشهرة يضطر الإنسان أن يتخفى و يتحمل التطفل و يخسر حياته كإنسان عادي لصالح النجم الذي يراه الناس على الشاشات و في صفحات المجلات و الجرائد.
إلا أن هذه الضريبة التي يدفعونها من حياتهم الشخصية تقابلها امتيازات يحظون بها على كل المستويات. و لن أتحدث عن الإمتيازات المالية و المادية و إنما عن أمر هو في صميم حياتهم المهنية و نظرة الناس لما يقدمونه من أعمال فنية أو إبداعات أو حتى تصرفات. و هذا الحديث هو حديث قديم جديد، حول الهالة التي تحيط بالنجوم في مجالاتهم، حين ينظر الناس لما يقوله الإسم الفلاني بعين الإعجاب و الإنبهار فقط لان قائله هو الإسم الفلاني، بغض النظر عن دقته أو إبداعه أو حتى توافقه مع أدنى حدود الأدب أو الذوق أو الأخلاق. كل هذا يأتي لاحقاً لأن عين الرضا عن كل عيب كليلة، و ربما لأن الجمهور من النوع الموسمي لذلك المجال و ليس من جمهور المتخصصين و ذوي الخبرة، فلا يتمكن من نقد او انتقاد ما يقال أو يقدم من أعمال.
صارت تراكمية الحضور تصنع إسماً تعتاده الآذان، و يكبر في العيون و تخضع له العقول حتى لو كان لا يساوي شيئاً في مجاله، و تصير كل تصرفاته و أفعاله إبداعات. ربما يبدأ مبدعاً إلا أنه بعد أن يحوز شهادة الإبداع، يصير بإمكانه أن يمارس الإسفاف و الإستسخاف بشكل بليد دون أن يستهجنه ذوق أو يرفضه مزاج أو يلفظه الإهتمام، و هنا يبدأ الذوق العام في الإنحطاط. و لعلها علاقة تبادلية ذات إتجاهين، فمن ناحية يكون هو عرف أكثر ما يبحث عنه عموم الجمهور فتجاهل الإنتاج الإبداعي لصالح “الجمهور عاوز كدة”.
بعد أن ينال النجم شهرته و لمعانه يبدأ في إخراج لسانه في وجوه الجميع فيفرح الجميع بتبسطه معهم، يسخر من عقولهم فيطالبونه بالمزيد، يصرخ شاتماً غباءهم فينبهرون بنظرته الكاريزمية المهيبة. من ضمن ما لا انساه من أمثلة التصرفات على الصعيد الشخصي، تصرف الممثل توم كروز الذي طالعتنا به صحف 2010 ربما، حين ابتهج بقدوم طفلته الصغيرة إلى الدنيا فقام بالإحتفاظ بأول عينة من فضلاتها بعد أن قام بطلاءها بالذهب و صنع منها تحفة يعتز بها. اعذروني على التعليق على هذا الموضوع، فلا أريد أن يزيد الكلام عنه طين الإهتمام الإعلامي به ، و لكنني أذكره من باب المثال و المثال يقرب و يبعد.
ما فعله توم كروز هو حقه و له أن يفرح بفضلات ابنته كما يشاء، إلا أن وسائل الإعلام التي اهتمت بمطالعتنا بالخبر لم تكن تحترم نفسها و لا جمهورها. المريع في موضوع هالات التقديس التي توضع حول المشاهير أنها تجعلهم محط أنظار المهتمين و غير المهتمين، فيتحولون أصناما تعبد في مجالهم، فيصير تصرفهم هو المقياس للصواب و الخطأ و الإبداع و الإسفاف، يصيرون في عيون الناس آلهة لمجالاتهم، و إن كانوا من الطبقة الثالثة أو الرابعة من حيث تفوقهم الفعلي في مجالاتهم.
بل أن هناك من يملك النفس لتكريس حضوره بالإسفاف و الخربشة لزمن طويل، حتى تألفه الأسماع و الأبصار، بل كثيراً ما تعد (إبداعاته) مدرسة جديدة مذيلة نظرياتها و نواتجها بتوقيعه، حتى تفسد مجموعة كبيرة من الأذواق بتقبلها و يصير لها قيمة عند من صار يتابعها فتصير ذات قيمة، فيتساءل الناس عن آخر إبداعاته و يقارنون سواه به و كأن نتاجه هو المحك و قوله هو الفصل، بينما هو لا يحافظ على أكثر من الحضور، حتى لو كان حضوره مهلهلاً و لا يحمل أي جمالية تذكر، أو كان متأرجحاً بين الإبداع و الإسفاف و الغموض المستفز مع جرعة قوية من الإعتداد و من الصفاقة أحياناً، إلا أن الإسم بعد أن يصنع و رصيد الجمهور بعد أن يتكون يصير مقبولاً منه أن يقدم الفضلات على طبق من ذهب لتتعالى صيحات الإعجاب.
آخر الوحي:
وداعاً أيها الدفتر
وداعاً يا صديق العمر، يا مصباحي الأخضر
و يا صدراً بكيت عليه أعواماً و لم يضجر
و يا رفضي، ويا سخطي ، ويا رعدي و يا برقي
و يا ألماً تحول في يدي خنجر
نزار قباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق