الأربعاء 23 مايو 2012
مقاوماً رغبتي في الكتابة لأجل الكتابة، والجدال من أجل الجدال، وربما الحوار من أجل الحوار. قررت أن أتعامل بحرفية ومهنية النائب، وترتيبه للأولويات. وقررت أن أكتب عن قضايا متناهية الصغر لدرجة أنه لا أحد يهتم بها، ويظن الجميع أنه لا فائدة منها، الا أنني بفطنتي منقطعة النظير وجرأتي التي فاقت كل حدود الخوف وتجاوزت كل حواجز التردد، قررت أن أخوض في الغمرات وأصارع أبطال المشكلات. ذلك أن كل ما يحق للنائب كسلطة أولى قبل التنفيذية والتشريعية، يحق للكاتب كسلطة رابعة.
وحيث انه من الأهم عند نوابنا التفرد في طرح أعاجيب اللفتات وفريد الملاحظات، فانه للكاتب بل عليه أن يحذو حذوهم ويمارس شبيه دورهم لأن له سلطة رقابية على المنهج والخطاب والاستراتيجية والآلية. الا أن نوابنا حفظهم الله لم يبدأوا من قمة الهرم في المعضلات بحسب هذه التراتبية المعكوسة، فلم يفكروا فيما قد يظنه الناس أتفه التوافه، وانما فكروا فيما قد يقل عنها بساطة ويزيد تعقيداً، وهنا يأتي دورنا لنسلط الضوء على مشكلة بالغة الأهمية وقليلة التعقيد في ظاهرها وكثيرة المحاذير في حقيقتها.
المشكلة يا سادة تكمن في الأعواد، أعواد العصير، وما أدراك ما الأعواد، انها أهم جزء من أجزاء علبة المرطبات، الا أنها وللأسف واقعة في حيز الاهمال ودائرة الاستغلال. ذلك أنكم لولاحظتم بعين فاحصة، لوجدتم أن العصير الموضوع على رفوف ثلاجات الأسواق كثيراً ما يكون فاقداً لعود الشرب، وذلك يتسبب في مشكلة للمستهلك، اذ يصير غير قادر على تناول العصير بعد شرائه فيظل ملقى في ثلاجته حتى تنتهي صلاحيته ويكون مصيره الى سلة المهملات. لوعددنا ما يذهب الى سلة المهملات بسبب عدم وجود عود لعرفنا أن عشرات الآلاف من الدنانير المفقودة من قوة المواطن الشرائية قد أهدرت. وأما جانب آخر فهو ما قد يتسبب ذلك من خلاف وشجار بين طفل وأخيه على علبة العصير ذات العود، انها النهاية اذن، فرقة بين الأخ وأخيه وتفكك أسري لا نهاية له وأحقاد تزرع وتمتد. وربما وصل الخلاف بين الأخوين الى خلاف بين الأبوين، فيكون الطلاق وهدم ذلك البيت المترابط.
هذه بعض النتائج الكارثية، ولكن ما هي المسببات الكارثية للأعواد المفقودة، انه الغش في استخدام الصمغ، وهذا مؤشر على الفساد في الجهة المسؤولة عن المواصفات والمقاييس، وربما في الموانئ حين تدخل سلع دون الجودة المطلوبة، ولكن الاحتمال الأقرب هو بسبب الثقافة السائدة في المجتمع وعدم تقديس العمل. وبما أنها الثقافة، فالمسؤولية تقع على وزارة الثقافة.
لا أستطيع المواصلة بهذه الطريقة، أحس بأمراض الضغط والأعصاب تتسلل الي، فكيف بمن قرأ سطوراً من هذا الكلام الفارغ أكثر من مرة. وكيف بكثير من نوابنا الذين يغرقون في التساؤل عن كل ما لا يكلفهم المجهود، ويخوضون في جدل حول كل ما هو تافه، ويقومون بالتنظير لطبيعة العلاقات الدولية التي صنعت المؤامرات دون أن يفكروا يوماً في أن يكونوا جزءاً من معادلة الحل لمشاكل البلد الحقيقية. يخوضون الطريق السهل بالانضمام الى أحد جوانب التخوين دون أن ينظروا الى الدعوة لاصلاح مكامن الخلل، ولو من باب أن يكونوا الناصح الأمين.
اليوم والبلاد تعيش الأزمة، ما زال نوابنا يتعاملون بالمنطق القديم والنظرة القديمة لأدواتهم الاستجوابية، فتراهم ينقسمون سماطين في الدفاع عن وزير أو مسؤول، وها هو فريق يهدد باستجواب وزير، فيلمح الفريق الآخر بتصفية الحساب عبر استجواب وزير آخر. هذا هو حال الكثير من نوابنا، انهم لا يسمحون حتى بخلق متنفس للمواطن في مجلسهم، فضلاً عن أن يقوموا بخلق فارق وايجاد تجربة مشاركة حقيقية وفاعلة، لا يكون فيها النائب موظفاً لا يلتزم بحضوره وغيابه كما هوحاصل حالياً، ولا يكون فيها النائب موظفاً متلقياً للتوجيهات بدلا من أن يكون منتجاً لها، وتجربة يساهم النائب في تحريك عجلة التنمية ولا يكون ترساً اضافياً لا يضيف أي قيمة للعملية سوى استهلاكه جزءاً من ميزانيتها.
ولا أعلم حقيقة ان كان تصرف الكثير من النواب بهذه الطريقة المخزية نابعاً من عدم تمكن من أداء المسؤوليات المناطة بهم فعلياً، أم لأن لهم حدوداً ضيقة يتحركون فيها كما هو الحال في الكثير من الصحف اليومية. أقول إن حجب المناصحة من قبل المؤتمن هي غش وتملق وخداع وهدر للموارد واستغلال ووصولية، وأنا أربأ بسلطتنا التشريعية والرقابية المتمثلة في مجلس النواب وأربأ بصحافتنا أن يقتلهما الركود، والغياب والاصطفاف، والله من وراء القصد.
آخر الوحي:
اني لأرفض أن أكون مهرجا
قزما على كلماته يحتال
نزار قباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق