الأحد، 10 يونيو 2012

الخبر و التحليل









الأحد 10 يونيو 2012

مما كان ينقل عن فترة الحرب العراقية الإيرانية أن من يستمع لإذاعة إيران يقتنع بشدة أن القوات الإيرانية تكاد تقتحم بغداد، ومن يستمع إلى الإذاعة العراقية يعتقد أن صدام اقترب من ضم مجمل أراضي إيران إلى حدود دولته. ربما كان هذا التوصيف لحالة الغموض في الأخبار ينطبق على كثير من أحداث ذلك الزمان بسبب عدم تطور وسائل الإعلام ووسائل الاتصال. ورغم تطور هذه الوسائل اليوم، إلا أن مساحة الغموض الموجودة تكفي بشكل كبير للتلاعب في مجريات الأخبار. فما بين الأباتشي الأميركية التي أسقطها “منقاش” ببندقيته العتيقة وبين الطائرة الأميركية التي صارت بحوزة الإيرانيين، اختلفت الروايات حول سقوط الطيارتين، وربما لا تنكشف الحقيقة إلا عبر إصدارات الوثائق التي تصدرها الاستخبارات بعد عقود حين تفقد قيمتها الاستراتيجية. أو ربما صدرت قبل ذلك عبر ما يسمى بالويكيليكس الذي مازلنا نحمل كثيرا من التساؤلات حوله وحول الجهة التي تقف خلفه.
ويبقى أن مقارنة الأخبار المتضاربة كما تعلمنا من قبل، يمكننا من إثبات حدوث الواقعة ويترك كيفية حدوثها كمساحة رمادية لا يمكن الجزم بها.
اليوم، وسائل نقل الخبر لم تتطور فقط من حيث السرعة، إنما مكنت الإنسان العادي أن يتحول إلى مراسل ينقل الخبر بالصوت والصورة من مكان الحدث في دقائق معدودة. إلا أن هذا الانتشار لتكنولوجيا التواصل، كما سهل نقل الخبر على حقيقته، فإنه سهل أيضاً صناعة الأخبار واختلاق الإشاعات مع إضفاء المصداقية إليها، حتى يظنها الناس حقيقة غير قابلة للنقاش.
ومع مرور الوقت، سيبدأ الناس، كل الناس في معرفة هذه الحقيقة وسيتحرزون أكثر في قراءة الخبر، وسيعلمون أن الصوت والصورة ليسا هما كل الخبر، فهناك ما قبل الواقعة وما بعدها وسياقها ومجرياتها، كل هذا سيتم قراءته مع قراءة الخبر بصورة أدق وأكثر اهتماما.
ستبرز لكل المتابعين القريبين من الحدث والبعيدين فيما بعد أهمية متابعة وسائل الإعلام الأكثر مصداقية، فيما ستفقد تلك المنحازة إلى اتجاه معين الكثير من متابعيها. وحين نفكر في الانحياز فلسنا في وارد أن نقول إن هناك قنوات ووسائل إعلامية مستقلة تماماً أو لا تخدم توجهات معينة، إنما نتكلم عن المنحازة بمعنى أنها تقلب الحقيقة رأساً على عقب بشكل يلغي الثقة في أخبارها حتى من قبل الأشخاص والجهات الذين يحملون نفس التوجه والفكر.
لم يعد مقبولاً في عالم اليوم أن تكون الأخبار قالباً إنشائياً خالياً من المضمون، ووجود هذا النمط وحضوره يدلان على جهل بتطورات وسائل الاتصالات قبل كل شيء، بل يشي بحضور عقلية الإعلام الأرضي الذي كان يبث لجمهور لا يستقبل إلا قناة واحدة أو اثنتين. صار من الضروري أن يوفر كل خبر للمشاهد إضافة عما حدث وعما قيل وعما نوقش، وإلا ساهم بتوجه المشاهد إلى قناة أخرى دون مواربة، لأن المعلومة متوفرة إما على نفس القمر الفضائي أو عبر موقع آخر في الإنترنت.
من مؤشرات تدهور الإعلام عندنا كعرب بشكل عام، الزخم الذي تشهده مواقع التواصل، بحيث يندر أن يكون هناك مواطن لا يملك حساباً على موقع التويتر يعتمد عليه في تزويده بالأخبار والتصريحات من فم قائلها. والدليل الأقوى على ذلك هو حضور المسؤولين والشخصيات والجمعيات بأشخاصهم أو عبر من يمثلهم في هذا العالم الافتراضي.
إذا كان حضور الشخصيات العامة من مسؤولين ومثقفين وعلماء وأحزاب سياسية لتوفير مزيد من الشفافية، وإصلاح أخطاء سابقة، فهي ردة فعل موفقة، وأما إذا كان مجرد مواكبة تبدأ معها من جديد عناوين عامة وشعارات براقة وأخبار غير دقيقة، فكأنك يا بوزيد ما غزيت.

آخر الوحي:
وكنت أحسب أهلي سوف تعصمهم        سفينة الأمس إلا أنهم هجروا
كل يقول جبال الجمع تعصمني            كأنهم من جموع الأمس ما اعتبروا
حسين علي خلف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق