الأحد، 3 يونيو 2012

بوفادي... تشاك بووم








الأحد 3 يونيو 2012

من مأثورات الفنان الكويتي سعد الفرج مقولة لا تخفى على خليجي أبداً، و هي مقولته “ودي أصدق ، ودي ، بس قوية” . هذه المقولة صارت مثلاً مرسلاً يفوق الأمثال و التعابير الأخرى التي عرفت قبلها و بعدها للتعبير عن عدم التصديق. و الفنان سعد الفرج لمن يتابعه كثيراً ما يتكلم عن الكذب و الكذابين و الإشاعات.
ففي نفس المسرحية، مسرحية “حامي الديار” مثلاً، نجده يدخل المقهى و يطلب مشروبات على حسابه لكل مرتادي القهوة و يبشرهم بالغنى، ثم يبدأ في سرد ما سمعه من أخبار أو بالأحرى إشاعات سمعها من بعض الديوانيات “الواصلة”.
وبدون رحمة، تكون أول إشاعة يطلقها في هذا المشهد، هي الإشاعة التي يتمناها كل إنسان و هي إشاعة إسقاط الديون، و التي باتت من الكلاسيكيات غير القابلة للتصديق، و لكن رغم ذلك، لا يستطيع الإنسان مع أصدائها إلا أن ينتشي بنشوة الحلم الجميل، و يسند رأسه للحائط وهو يتخيل الراتب  يحط بسلام في حسابه البنكي غير منقوص ولا ممسوس، سليماً معافى، لكن حركته في إسناده للحائط تجعله يرتطم بالواقع الصلب، فيستيقظ و يستعيذ من الشيطان الرجيم.
ثم ينثني سعد الفرج مرة أخرى و يطلق الإشاعة الثانية، و هي أن الحكومة تنوي تثمين البلد بكاملها، و ستقوم بشراء أراضي المواطنين، و بسبب التكلفة الهائلة للمشروع، ستضطر الدولة لطباعة أوراق مالية من فئة ألف دينار.
و يمد “بو فادي” كما يسمونه في المسرحية رقبته  ليتكلم عن المشروع الواعد و هو شبكة القطارات و المواصلات العامة التي ستغير وجه البلاد و ستغني الناس عن استخدام السيارات.
هذا النوع من الأحلام التي يعيشها المواطن في كل مكان، و عندنا نحن العرب بالذات، باتت تشبه أحلام الأطفال في الغرب ببابا نويل الذي سيدخل المنزل ليلاً من المدخنة، حاملاً معه الهدايا الجميلة، و يتركها عند شجرة عيد الميلاد. نعم، من المقبول أن نزرع الأمل و الأحلام الجميلة في نفوس الأطفال، ليتفاءلوا بالقادم من أيامهم، و يترقبوا ما ينتظرهم من السعادة مرفرفاً فوق رؤوسهم و مظللاً لهم ليحميهم من حرارة الواقع. و لكن، هل من المعقول، أن نضع نفس الغشاوة على عيوننا نحن بصنع واقع وردي مقبل، بدون أن يترافق معه الأمل الحقيقي المشرق الذي لا يأتي دون عمل متواصل و سعي لصنع ما هو أفضل؟
المتأمل لكثير من عناوين صحفنا يعتقد أن دولنا العربية على أعتاب جنة الخلد، فيما أن كثيراً مما هو مكتوب ليس أكثر من تمنيات لمستقبل لم نعمل بما يكفي لنكفل حضوره في واقعنا. عناوين أخبارنا دائماً تحمل أجمل التوصيفات للواقع الداخلي، و أسوأ الظروف لواقع الغير من الدول و الأمم، بالضبط كما يهتف البائع في السوق الشعبي “ الزين عندنا و الشين حوالينا”. و المؤلم أن هذا الكلام قد استنفذ و استهلك، حتى أن كثيراً منا لم يعد يصدقه.
في النهاية ينهض الفنان خالد النفيسي “بوهاني”، الذي يشارك في المشهد مزايداً على إشاعات بوفادي و مطلقاً إشاعات أقوى منها ،ينبري ليبرر لنفسه و لغيره سبب الإغراق في تعاطي مخدر الكذب و الإشاعات. فبين ظروف المواطن الإقتصادية، و بين الصراع الدائر الذي يقتتل فيه المعارضون داخل المجلس مع الحكومة، يخفت بريق الأمل في صناعة أي حل شيئاً فشيئاً، فلا يجد المواطن وسيلة أفضل من إطلاق الإشاعات و الإرتواء بسرابها حتى يحين الفرج الحقيقي، لأنه بين حانا و مانا، ضاعت لحانا.

آخر الوحي:
 نامي  فـإنْ  لـم    تشبَعِـــي        مِنْ  يَقْظـةٍ  فمِنَ  المنـامِ  
نــامــي علــى   زُبَـدِ  الوعـود        يُدَافُ  في  عَسَل ِ  الكلامِ
نامـي تَزُرْكِ عرائسُ الأحلامِ        فـي  جُـنْحِ    الظـلامِ
تَتَنَـــوَّري قُـــرْصَ الرغيـــفِ        كَـدَوْرةِ  البدرِ  التمـامِ
محمد مهدي الجواهري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق