الأحد 2 يونيو 2013
لا يخفى على أحد أن اللصوص يتفاوتون في أساليبهم وطرقهم وفي مدى إجرامهم وفي جرأتهم ووقاحتهم. واللصوص اليوم لا يبدون كما نتخيلهم من خلال مجلة ميكي ماوس يلبسون ثياب السجن المخططة ويغطون أعينهم بعصابات مثقوبة، وإنما كثيرا ما يرتدون الثياب الأنيقة ويركبون السيارات الفارهة، وينفقون ضمن شعار أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب وشعار “كل يا كمي”. وبينما لا تعدو هذه الملابس كونها جزءا من عدة العمل، فإن لهجتهم الواثقة وكلامهم المنمق يعد الجزء الأكبر من هذه العدة التي تخفي وراءها القناع والثياب المخططة والضمير المتعفن. وفي غالب الأحيان، ما عاد اللص اليوم يدخل إليك خلسة أو حاملا على عاتقه سلاحا يهددك به، إنما تجده عبر إعلاناته المغرية وعروضه الآسرة يجرك إلى الدخول في شركه جراً والاستسلام لكل طلباته.
وبعيداً عن التاجر الشريف الذي يقوم بالعروض التي يربح منها الطرفان عبر تخفيض السعر أو تأجيل الدفع أو زيادة المميزات، فإن هناك لصوصاً يقومون بعروض تتبعها التزامات لا تنتهي إلا بعد مص دماء الضحية وجعله أسيرا بسبب تصديقه لمحتال لا يملك اسم الضمير ولا يحمل معه ذرة من الإحساس.
الموضوع قديم حديث يتعلق ببعض المحلات التي توفر بعض السلع والخدمات عبر عروض التقسيط المريح ويستفيد منها أصحاب المداخيل المحدودة. ورغم أن العرض المبدئي في حد ذاته إجحاف بحق المشتري حين يقبل أن يشتري هاتفا أو جهاز كمبيوتر لا تتجاوز قيمته المئتين أو الثلاثمئة بقرابة ضعف الثمن فقط بسبب تقسيط قيمته لمدة عامين أو ثلاثة أعوام، فإن ما ينتظر هذا الزبون من التاجر الجشع هو أكبر بكثير مما يتوقعه. فبعد أن يوقع عقوداً لتقسيط القيمة، لا يلاحظ أن هذه العقود المبرمة تحمل في طياتها شروطاً تحمل غرامات جزائية في حال التأخير في السداد لأي قسط، وتكون هذه الغرامات من الثقل بحيث تتحول القيمة المدفوعة للجهاز إلى عشرة أضعاف قيمته الحقيقية.
ورغم أن شركات الاتصالات اليوم قد أراحتنا من شر هؤلاء حين صارت تقدم عروضا لتقسيط أجهزة الاتصالات وأجهزة الكمبيوتر، إلا أنهم اقتحموا مجالات أخرى وربما نجدهم في الغد في مجال المفروشات أو السياحة والسفر أو أي مجال يستغلون فيه أمنية بسيطة لإنسان عادي، فيقع في شباكهم غير عارف بما ينتظره من الويلات التي تبدأ بالمنع من السفر وقد تنتهي بدخوله السجن رغم الغبن الواقع عليه، وكل ذلك بسبب أن ذلك المحتال أحكم صياغة شروط عقده من الناحية القانونية وأغفل الناحية الإنسانية والأخلاقية.
وبالرغم من أن هذه القضايا قد مرت عليها عدة سنوات إلا أنه أثارت الشجن نحوها بعض الحالات التي رأيتها والتي لا تزال تراوح في مخالب بعض هؤلاء الأشقياء، ومن هنا أردت التنبيه لمصاصي الدماء الذين لم يكفهم الربح الجيد المتوفر عبر تجارتهم ليتجاوزوه إلى اقتطاع قطع من لحم زبائنهم يأكلونها بلا أدنى شفقة ولا رحمة.
رسالة أولى أوجهها في هذا الصدد إلى قسم حماية المستهلك بوزارة التجارة وأناشدهم فيها اتخاذ كل الإجراءات القانونية الممكنة تجاه هذه الحالات التي أجزم أنها لا تخفى عليهم، وإن خفيت فإن ضغطة زر في محرك جوجل ستجعلهم يتصفحون معاناة الكثيرين مع أسماء معينة من المحلات.
الرسالة الثانية أوجهها إلى البنوك وشركات التمويل طالبا منهم توسعة مجالات عملهم لتطال الاحتياجات المتناهية الصغر عبر التعاون مع مختلف الشركات وألا يقصروا قروض الشراء على العقارات والمركبات، وتوسعة مجال تعاملهم مع الأفراد وتسهيل اشتراطاتهم في المبالغ الصغيرة ليسدوا الباب أمام هؤلاء المحتالين.
الرسالة الثالثة موجهة إلى صاحبة الجلالة، السلطة الرابعة، صحافتنا، لتسليط الضوء عبر التحقيقات والملفات على ضحايا هذا النوع من السرقة والابتزاز مما سيسهم مؤكداّ وبشكل فعال في تنبيه الناس والسلطات المختصة إلى ما يتعرض له المواطن فيتخذوا احتياطاتهم وتجنب وقوع مثل هذه المديونيات التي لا فكاك منها كما في حكاية تاجر البندقية، والله من وراء القصد.
آخر الوحي:
يدك التي حطت على كتفي
كحمامة..نزلت لكي تشرب
عندي تساوي ألف مملكة
ياليتها تبقى ولا تذهب
تلك السبيكة كيف ارفضها؟
من يرفض السكنى على كوكب
نزار قباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق