الأربعاء، 12 يونيو 2013

القرد بيتنطط










الأربعاء 12 يونيو 2013

في فيلمه الرائع جري الوحوش، قبل محمود عبدالعزيز أن يبيع جزءا صغيرا من دماغه سماه “الترلب” لشريكه في البطولة نور الشريف بعد أن أقنعهما الطبيب أن هذا الجزء سيساعد الأخير على الإنجاب الذي حرم منه. محمود عبد العزيز الذي ضاق بكثرة العيال وقلة المال وافق بكل سهولة على بيع الترلب حتى ولو تسبب ذلك بمنعه من الإنجاب، رغم تأكيدات الطبيب أنه لن يكون هناك تأثير على أي جانب من جوانب صحته. وقبيل حدوث الإتفاق، قام الطبيب حسين فهمي بعرض حالة تجريبية عليهما، حيث أراهما قردين أجرى لأحدهما عملية النقل وللآخر عملية الزراعة، وكان يكرر للطرفين أنظروا للقرد كيف يقفز بنشاط وكأن شيئاً لم يكن.
حال الطبيب وهو يقنع البطلين بالعملية عبر عرض ما وصلت إليه التجربة المسبقة يذكرنا إلى حد كبير بسباق الربيع العربي، ففيما تسارعت الأحداث بدءا من حريق البوعزيزي وهروب بن علي، إلى مقتل خالد سعيد وسقوط مبارك، إلى هتاف الجرذان ومقتل القذافي، وإلى اليمن واحتراق وجه علي صالح، ثم تصاعد الأحداث السورية، إلى كل الأحداث في الدول التي شهدت أحداثا في العامين الفائتين، فإن كل حراك كان يقيس نجاحه وفشله بما وصل إليه سابقه، ويتابع بشغف وصول الآخر وعدم وصوله إلى ضفة مستقرة.
وفي أعراض تشبه تلك التي رأيناها في دول الربيع العربي، ها نحن نرى الأتراك يخرجون في الميدان وتتم مواجهتهم من قبل قوات الأمن أولا، ثم يقومون بمواصلة المشوار، فيما الحكومة ينفد صبرها وتقف ضد المطالبات التي تنادي باستقالة رئيس الوزراء الذي وصف المتظاهرين بالجبن والتخريب وشتى الأوصاف؛ لوقوفهم ومطالبتهم برحيله.
الوضع التركي مختلف عما رأيناه في دول الربيع العربي، فأردوغان الذي تسارع العرب إلى وصفه بالطيب؛ اشتقاقا من اسمه الأوسط واعتمادا على مواقف معينة تجاه إسرائيل، قد وصل إلى منصبه عبر الانتخابات بخلاف كل زعماء ما قبل ما سمي بالربيع العربي، والذي أؤكد على تسميته بالفوضى الخلاقة، وهو بخلافهم أيضا من قاد بلاده إلى نهضة اقتصادية وسياسية رفعت من اسم تركيا في خريطة العالم، إلا أن الحراك الذي بدأ في ميدان تقسيم يصر على تنحيه من منصبه، وفتح هذا المنصب لانتخابات مبكرة.
ولا شك أن الوضع في تركيا ما قبل الاحتجاجات هو مثال كان يتمنى ثوار الدول الأخرى الوصول إليه، إلا أن الحراك القائم اليوم يقف ضد ما أسفرت عنه صناديق الاقتراع يوما ما، ولا ندري إذا وقف ثوار الدول الأخرى مؤيدين لهذا الحراك إن كانوا يطمحون إلى دول مستقرة عبر آلية محددة للحكم، أم أن نشوة الاحتجاج والإثارة الناجمة من التغيير هي بحد ذاتها هدف.
وفيما صارت نماذج ليبيا وتونس ومصر تطرح تصورا للمرحلة الانتقالية بين عهود موصوفة بالاستبداد وعهد حكم الشعب لنفسه، فإن النموذج التركي يطرح تصورا لما بعد هذه المرحلة، بغض النظر عن حق الأتراك من عدمه في تنحية أردوغان. وهذه النماذج جميعها اليوم تقف أمامنا كمثال حي وتجربة تصور الطريق وتبدي للجميع كل التحديات والعقبات والنتائج التي مرت بها.
ونعود لبطل فيلمنا محمود عبدالعزيز الذي جنى الأموال بعد قيامه بالعملية من جيب الثري نور الشريف الذي لم يستطع الإنجاب حتى بعدها، إلا أن محمود عبدالعزيز بدأ يشعر بصداع مستمر لا يمكنه من الجلوس مستقرا، ويحس أن رأسه ستنفجر، فيفهم سر قفز القرد المتواصل قبلها، فيهتف في وجه الطبيب مرارا وتكرارا ليريه ما حل بسابقه في التجربة قائلا “عايز أشوف القرد، بيتنطط ولا بطل تنطيط”.

آخر الوحي:
فيالك أمةً قُسمت ثلاثاً
وعشريناً وتسألُ هل مزيدُ؟
تُعد لكل واحدةٍ طبولٌ
وحراسٌ وترتفعُ البنودُ
وعند الهندِ ربعُ الكون عدَّاً
وفي شطرين تنقسمُ الهنودُ

محمد مهدي الجواهري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق