الأربعاء، 1 سبتمبر 2010

الإمام علي بن أبي طالب محكومًا








     أخال كل من قرأ المقال السابق عن أمير المؤمنين يعاتب على التقصير والإيجاز الشديد، والحال أن شخصيات العظماء كلها فضلاً عن شخصية علي (ع) لا يمكن إنصافها بكتابٍ، فما بالنا بمقال أو مجموعة مقالات. إلا أن كلمة قيلت في الإمام ربما تكون في الإنصاف بمكان، حيث قيل “أخفى محبوه مناقبه خوفًا، وأخفى أعداؤه فضائله بغضًا، وظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين”.

والحال كذلك أن أبا الحسن قد عاش معظم حياته محكوماً، لا حاكماً، مما يجعل الكلام في مواقفه وسيرته لا يتركز في السنوات الخمس الأخيرة في حياته التي هي فترة حكمه للمسلمين. وعلى ذلك، يظل من أشمخ الأمثلة في الحكم والسياسة، وأهم الأمثلة في الولاء للوطن بغض النظر عن أي خلافات قد ترتبط بشخصه حيث قولته المشهودة “لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جورٌ إلا عليّ خاصة”.

كما لا أظنني آتي بجديد إذا ذكرت الملامح التالية لتعامله في الدولة الإسلامية كمواطن، عاش فترة صدر الإسلام كلها كمواطن، وختمها بلجوء الأمة بأجمعها إليه كملاذ، تطلب منه قيادتها والعناية بشؤونها، ومن هذه الملامح:

- مناصحة الدولة والقيادة في الشؤون الدينية والإدارية والتشريعية والقضائية والعسكرية. ومن ذلك كلامه لعمر بن الخطاب (رض) لما شاوره عمر بالخروج بنفسه لحرب الروم، ونصحه إياه بالبقاء في المدينة وإرسال أحد ثقاته، وقوله “إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك، فتلقهم بشخصك، فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلا محرباً، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة”.

- رفضه أي تدخل في الشأن العام ممن لا يرى فيه الحرص على المسلمين وصالحهم، ولعل من ذلك ما يتجلى في رده على أبي سفيان لما حاول أن يتدخل في قضية الخلافة، وجاء لعلي (ع) صائحاً وطالباً أن يبايع علياً لا يبايع غيره، فامتنع الإمام وقيل إنه رفض تدخله ونهره لكونه طالما بغى للإسلام شراً.

- تدخله في درء الفتن الداخلية بين الحاكم والمحكوم وبين الناس عموماً، ومن ذلك موقفه في الفتنة الأولى التي حصلت في عهد عثمان (رض)، ودخوله كوسيط بين الناس وخليفتهم والعمل كقناة لتوصيل وجهات النظر بين أطراف المسلمين المتخاصمة، بل وما روي أيضاً عن تكليفه ابنيه بالمشاركة في حماية الخليفة عند اشتداد الفتنة فيما بعد قبيل مقتل عثمان بن عفان.

- دخوله في إدارة شؤون المسلمين من خلال توليه منصب القضاء سواء في عهد النبي (ص) وأبي بكر (رض) أو ما بعد ذلك سواء بشكل مباشر أو عن طريق الاستشارات التي كانت تطلب منه خصوصاً في عهد عمر بن الخطاب (رض). وفي ذلك الشهادة المشهورة له “لولا علي لهلك عمر”.

- تمثيل جانب المسلمين في القضايا والمناقشات العلمية والعقدية التي حصلت مع غير المسلمين سواء من أهل الذمة أم الملحدين أم الفرق الأخرى.

- ثقة الخلفاء المطلقة فيه على جميع المستويات، لعلمهم بحرصه الشديد على صالح المسلمين العام ويتجلى ذلك في اوضح صورة في تولية عمر له شؤون المدينة مراراً نذكر منها، حين خروج عمر لماء صراء يعسكر فيه أيام حرب القادسية، واستخلافه عليها عند خروجه لبيت المقدس، وكذا ما روي في استخلافه على المدينة عند خروج عمر في آخر حجة له سنة 23 للهجرة.

- تسمية عمر له ضمن شورى الستة لاختيار خليفة للمسلمين من بينهم عندما حضرته الوفاة.

ربما بينت النقاط أعلاه بعض ملامح الدور الجوهري الذي اضطلع به أمير المؤمنين قبل أن يستلم زمام الأمور في خلافة المسلمين، فكان المواطن الصالح، والمشير، والوزير، والقاضي، والمصلح بين الناس، والمستشار السياسي والعسكري الأول.

يبقى هنا أن نجيب جزئياً عن سؤالنا السالف في مقالنا الفائت، وهو: لماذا قال علي (ع): “وأنا لكم وزيراً خيرٌ لكم مني أميراً”.

ونجد الإجابة في كلام للخليفة عمر بن الخطاب إذ يقول: “لو استخلفتموه بعدي، لأقامكم على الحق وإن كرهتموه”.

ويبقى تاريخ المسلمين، عبرة لكل متأمل، ودرساً لكل دارس.

والصلاة والسلام على أشرف الخلق وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق