الأربعاء، 29 سبتمبر 2010

هل انقشعت الغبرة ؟






بعيداً عن “لغة الحمقى”
الحمد لله الذي برأ العقول بحكمته، وجعلها دليلاً على بديع صنعته، وجعل اللسان مرآة للقلب، وجعل منهاجه من العقل وفلتاته من القلب، فبان جلياً بذلك ما يخبئ المرء في سريرته، إذ إن الإنسان مخبوء تحت لسانه.
سرتنا مجموعة من المقالات لحشد من كتاب البحرين، في إدانتهم لكل عنف على هذه الأرض الطيبة، كما سرني تصريحهم اللاحق بعدم تقصدهم لطائفة معينة في كلامهم وانتقادهم، حتى أن أحدهم عبر عن التعميم بلغة الحمقى، وقد أصاب بهذا كبد الحقيقة إذ إن من يفرز طائفة كاملة في تهمة واحدة بلاشك أحمق، والشمس لا يحجبها الغربال، ولا نحتجب عن الناس حين نغمض نحن أعيننا.
لا نملك قبالة هذه المشاعر الطيبة إزاء البحرين وأهلها إلا التقدير والثناء، ولكن يبقى ثمة سؤال: هل من يتكلم عن التوالد السياسي في البحرين، بمعنى أن أهل البحرين يتوالدون وفق أجندة سياسية، هل يكون المتكلم ابتعد عن التعميم؟ حقيقة، كان من العيب أن يتكلم بحريني بهذه الطريقة، ولا أدري إلى أين تصل محاكمة النوايا وجلد الفقراء بدلاً من المناداة بحل مشاكلهم. بل إنني أستعيب حتى ذكر هذا النكتة. قد قالها بادئ ذي بدء أحدهم في 2009 تحت عنوان “ملف مسكوت عنه”، وكان يتهم فيها الأعراس الجماعية أنها تمثل تسابقاً وحرباً طائفية، وصار هذا المترف بدل أن يطالب بتفعيل صندوق الزواج كحال باقي دول الخليج يتهم من يقومون عليها بالتآمر الحزبي. ثم ذهبت الكلمة حتى صارت نسياً منسياً. فجاء كتاب مبجلون ضد التعميم واتهام الأبرياء فقاموا بإحيائها لكون نيتهم حسنة جداً وعقولهم رصينة وألسنتهم تتعفف عن “لغة الحمقى”، ولكن لا مانع لديهم من تجريم كل الناس حتى على محاولة التنفس.
المنتدى شغال
شاهدنا بشغف البرنامج الخاص الذي أذيع في تلفزيون البحرين حول المواقع المحظورة، وتمنينا أن نجد في كلام الدكتور عبدالله يتيم إشارة لما تناولناه في مقال “هذا الموقع محظور” ولكن الموضوع كان متركزاً حول المواقع التي أغلقت بالفعل ولم يأت ذكر الموقع الذي أشرنا إليه، ولا أدري حقيقة ما السبب. ولنتكلم بلغة الأرقام ولا يكون الكلام على عواهنه فإن محرك جوجل يفيد بوجود 6,750 نتيجة لكلمة “مجوس” في هذا الموقع، 4,020 نتيجة لكلمة “روافض”، 7,910 نتائج لكلمة “خونة”، ثلاث نتائج “شيعة كلاب”، 31 نتيجة “شبر ومرهون”. ولن أذكر أمثلة أخرى، ومادام الموضوع لا يأخذ مساحته من الرد والاهتمام كموضوع وطني عام، فإنني أكتب عنه بشكل شخصي و”كل واحد ياخذ عن نفسه”.
إن هيئة الإعلام تظل مطالبة بوضع حد لهذه المهازل الحاصلة في هذا الموقع الذي يحمل للأسف اسم مملكتنا العزيزة وغيره من المواقع التي تثير النعرات العنصرية وإلا سيساء فهم خطوات الإغلاق للمواقع الأخرى، فقد استبشرنا خيراً بالتصريح الأخير حول غلق موقعين لذات الأسباب التي ذكرناها ويجدان زخماً أقل من الحضور والمشاركة.
لا تسييساً ولا تجييراً ولا اتهاماً، كل ما نقوله وبكل مهنية في هذا الموضوع: واحد + واحد = اثنين، تسيرون في طريق صحيح، والجميع ينتظر الاستمرارية. مع فائق الاحترام لكل من يعمل لوحدة الوطن.
ترشيد الخطاب الإعلامي مسؤولية الجميع
بعد سلسلة مقالات تكلمت عن هذا الموضوع، أجد الوقت قد حان للتركيز على أمور أخرى، لا لأنه “لا حياة لمن تنادي”، ولا لأنه يجبرك في الدخول في مستنقعات لا تتمنى دخولها وحسب، ولكن لأن هناك الكثير من المواضيع التي تتساوى في الأولوية مع هذا الموضوع أو تزيد عنه أهمية ومازالت تنتظر أخذ فرصتها.
لا حرج للكاتب أن يضطر لمواجهة مواضيع مثل العنف اللفظي، وزرع الكراهية، والابتزاز والتشهير في لغة الصحافة؛ لأنه كما من رسالة الجراح أن ينظف القذى عن الجروح قبل علاجها، فإن من رسالة الكاتب أن يخاطب أخلاقيات المجتمع إعلامية كانت أو اجتماعية أو سياسية. فالمتتبع لبعض صحفنا وللأسف، يحس أن البحرين “لا يمسهم فيها نصب” إلا قضية فلان وفلان معارض سياسي ومحرض، ولا أقول في الشهر الفائت وحسب وإنما في السنوات الفائتة وبأسلوب يؤسف له لا يقل سوءاً عن ممارسات محرضي الشوارع، أسلوب يخلق كراهية في الاتجاهين. لا أحد يطلب السكوت عن علاج المفاهيم الخاطئة، ولكن هل لكل كاتب أن يراجع عناوين مقالاته لأشهر وسنوات بسرعة شديدة، وسيستطيع تقييم ما قام به من خدمات للوطن.
ويبقى الخطاب الإعلامي أمانة في عنق الجميع لارتباط رشده بالوحدة الوطنية وبصورتنا الحضارية في عيون الأمم، والله من وراء القصد.

الاثنين، 27 سبتمبر 2010

الأخوة الحزبية








في معرض قراءتي لإحدى الخطب للشيخ سليمان المدني رحمه الله، وجدته يشير إلى أن كثيراً من العلماء يذهبون إلى القول بتحريم تكوين الأحزاب. وهذا بالطبع موضوع لا جديد فيه، ولكن ما أود الإشارة والتركيز عليه هو السبب الذي ذكره، الذي ينبغي عدم إغفاله أو التغافل عنه، ونحن نعيش في مجتمع اقتضت ظروف تجربته التشريعية والرقابية تشكيل الأحزاب وإن كانت تمارس العمل تحت مسمى جمعيات.
والسبب المذكور هو أن تكوين هذه الأحزاب يقوم بإحلال الأخوة الحزبية مكان الأخوة الإيمانية. هل هذه النقطة واضحة؟ قطعاً هي ليست واضحة للكثير من إسلاميي السياسيين، والدليل على ذلك، هو الحاصل من تقديم المصالح الفئوية والحزبية بل والعلاقات المنبعثة من التحالف بين حزبين على الأخوة الإيمانية فضلاً عن تقديم الأخوة الحزبية التي بلا شك أكثر قرباً من التحالفات والتنسيقات الوقتية. وعلى هذا فإن الأحزاب السياسية التي يعرف الواحد منها بأنه مجموعة منظمة من الأفراد يمتلكون أهدافا وآراء سياسية متشابهة بشكل عام، ويهدفون إلى التأثير على السياسات العامة من خلال العمل على تحقيق الفوز لمرشحيهم بالمناصب التمثيلية بغض النظر عن انضواء هذا الحزب تحت مظلة جمعية من عدمه. وعلى النقيض فمن الممكن لجمعيات أن لا ينضوي تحتها تنظيم حزبي.
وبعيداً عن الأحزاب، فإن للأخوة الإيمانية –كما للأخوة النسبية- في الأديان وفي الإسلام خصوصاً مصاديق مثل التكافل والتعاون والتراحم بين الإخوة، وكذلك عدم قطع الرحم بالغيبة والنميمة والبهتان، بل وعدم إيصال أي أذى بأي شكل من الأشكال للآخر، وكل هذا يتجلى في تعريف المسلم فضلاً عن المؤمن “المسلم من سلم الناس من لسانه ويده” ، ثم “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه”، ويتلوه “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه”. ثم “يا مالك إن الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”.
وعلى عكس ذلك ما تفرزه الأخوة الحزبية التي تجعل باقي المجتمع خصماً بل عدواً بل شراً مستطيراً لا بد من الخلاص منه بشتى الطرق والوسائل، وسنضرب الأمثال على ذلك بتنظيمات حزبية متعددة سواء من الشرق أو الغرب لبيان الصورة الحقيقية للأخوة الحزبية. يقول هتلر “إنْ أنا إلاّ عاشق ينقل خطوة في ثرى الأمة الألمانية مستخرجا منها الصلابة. ولطالما قلت إنّ يوماً ما سيأتي يكون فيه كل الألمان ذوي الشأن في معسكري. على أي حال، فإنّ الذين لا يشاؤون الانضمام إلى معسكري يكونون عديمي القيمة”. ولنا أن نضع عشرات الخطوط تحت كلمة “عديمي القيمة”، فما ينتج عن كون الآخرين عديمي القيمة من تصرف يكون خاضعاً للاجتهادات والظروف، وقد روى لنا التاريخ الفظائع التي ارتكبها الفوهلر كما يسميه أصدقاؤه ومنها إعدام المعاقين والمرضى العقليين لتنقية الجنس الألماني من الشوائب!!
وهتلر ليس بدعاً من الحزبيين الذين يعدون أتباعهم بجنة الدارين في الدنيا وفي الآخرة إن وجدت في عقيدته، لنر ما يقوله البعثي صدام بالحرف الواحد “قسماً بالله، اللي اسمعه همساً يحكي ويه مواطن عراقي أو بعثي إلا أطره بيدي أربع وصل (قطع)”، والفيديو منقول على اليوتيوب وهو أشهر من أن يجهل. وبيت القصيد لا يكمن في شخصية صدام المعروفة بالقسوة والإجرام ولا يكمن في تهديده الرهيب، ولكنه يكمن في اعتباره للحزبية البعثية رابطة تسمو على جميع الروابط.
وصدام كذلك ليس بدعاً من الدكتاتوريات الحزبية، وكونه قد وصل للحكم لا يمنع من وجود آخرين يمثلون مشروع دكتاتور لا يقيم وزناً للآخر، بفروق نظرية قد تختفي بعد الوصول لسدة الحكم. إن هذه النظرة الحزبية التي تحتقر كل الآخرين، موجودة لدى كل من يؤمن بالحزبية، فيقسم للإخلاص للحزب وجعله فوق كل الاعتبارات الأخرى. فالحزب هو أمه وأبوه، أما إخوانه فهم من آخاهم الحزب والباقون إما أعداء أو مسكوت عنهم. ويتجلى ذلك أيضاً في مثال آخر، فالقانون الداخلي لحزب الوفاق الوطني لتحرير الأحواز مثلاً يضع في قانونه الداخلي أن مصلحة الحزب فوق كل اعتبار، وفي مادة أخرى ينص أن على كل منتم للحزب أن يستمد أفكاره من عقيدة ومبادئ الحزب وهي الرافد الاساسي لنشاطه الفكري وتحركاته في كافة المجالات.
ولست أبرئ الأحزاب الإسلامية عندنا، في السابق وحالياً فهي لا تختلف كثيراً عن الأحزاب الأخرى في طريقتها في العمل ونظرتها للآخرين وحملها لأجنداتها السرية. ولنا وقفة عنها في المستقبل القريب.
 

الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

حفلة الأقلام













بمناسبة قدوم المدارس، يتوجه الناس هذه الأيام مع أبنائهم وبناتهم لشراء اللوازم المدرسية، من دفاتر ومساطر وأقلام لتلبية احتياجات العام الدراسي المقبل. ينظر الأب لقائمة الاحتياجات التي أعدها سلفاً، ابنته قد طلبت منه أنواعا متعددة من الاقلام بمواصفات دقيقة. الابنة تريد أقلاماً جافة بكل الألوان. وحين سألها عن السبب كانت الإجابة أن الأحمر تستخدمه في العناوين الرئيسة للمواضيع، فيما تستخدم الأسود للعناوين الفرعية، وتستخدم الأزرق لكتابة ملخصات المواضيع. ويبقى الأخضر لتكتب المراجع ورقم الصفحة ورقم الرسم التوضيحي المتعلق بعبارة ما.
تعجب الأب من هذه الطريقة، فلقد درج مدرسوه من قبل على احتكار اللون الأحمر فيما يذكر، فاللون الأحمر مختص بالمدرس للتصحيح والتعليق وإعطاء الدرجة.
يبدو أن الزمان تغير، وصار المتاح لطلاب المعرفة من آفاق وأدوات أكثر مما كان متاحاً لنظرائهم في الزمن السابق. في السابق كان (الطالب) الأب يعد واجباته وأبحاثه من مراجع المكتبة العامة، وطبعاً ينتظر دوره لأن الكتاب الذي يحتاجه قد اصطف لانتظاره كل المجتهدين من نفس السنة الدراسية حول البحرين. اليوم ابنته ترجع إلى جوجل وتكون انتقائية في المراجع التي تختارها من آلاف الخيارات المتوافرة، ولعلها حين تجد الأفضل في نظرها تطرحه للمشاركة مع الباقيات في الفيس بوك بلا صفوف انتظار ولا مذاكرة عبر الهاتف.
واستغرب الأب من أن القائمة التي أخذها معه لم يكن من ضمنها إلا عدد محدود من أقلام الرصاص. وتساءل مع ابنته وقت إعداد القائمة عن السبب، فأجابته أنها تستخدم قلم الرصاص للرسم أحياناً لا أكثر. عجيب هذا الجيل، صار الطالب جازماً وحازماً في كل شيء، فبالأمس كان هذا الاب لا يستغني عن الثلاثي المرح (الرصاص والممحاة والمبراة)، كان يكتب أكثر الأشياء بقلم الرصاص في مسودة قبل تبييضها فيما بعد، فقد كانت الكتابة فيما مضى مسؤولية، وكان لكل كلمة تكتب أهميتها وقدسيتها.
ويبتعد بفكره عن رف الأقلام، ليغوص في افكار أخرى حول أقلام الصحافة اليوم، وما تطرحه من فكر، وأسلوب وأخلاق صحافية، ليس في ألوانها فقط تعددت أنواع الأقلام، وليس في حزمها فقط تغير نمط استخدام الأقلام، لقد صار بإمكان القارئ بسبب التنوع الكبير أن يفرز الأقلام في هذه المحافل الصحافية الكثيرة، إلى أقلام رصينة، وأقلام سعيدة وأخرى راقصة.
أن تكتب بقلم رصين، فصعب أن تستقطب قرّاءً، فالناس تبحث عن الجديد، وإن كان كل ما تطرحه من الهموم قديماً، فما الداعي لقراءتك. صحيح أن القلم الرصين كثيراً ما يكون قلماً حراً، يؤثر في الساحة أكثر مما يتأثر، يحمل أجندة نابعة من البحث عن الحقيقة، من النظر إلى ما قيل أكثر من النظر إلى من قال، من البحث عن موارد الخطأ لتصويبها، وموارد الصواب لتعزيزها، لكن قدر هذه الأقلام أن تجلس على هامش الحفل، وتتحدث جانبياً إن كان في الحضور من يملك مزاج الاستماع وحس التقدير وقابلية مواجهة القناعات.
في طرفٍ آخرَ من الحفل يتجمع حشد من الأقلام الراقصة، يمسك كل قلمٍ جيداً بكف صاحبه الذي يملكه، ويرقصون جميعاً على الإيقاع العام، هؤلاء لا يرقصون دوماً، لكن اللحن يحدد إن كانوا يتمكنون من ذلك، أو أن يتنحوا جانباً، فلكل لحن راقصوه، ولكل راقص استراحته لاستجماع الحماس حتى صدور لحن جديد. ويبقى أن هناك من الراقصين، من لا يسأم ويحاول مجاراة جميع الألحان حتى وإن لم يكن أمهر الأقلام، إلا أن الأهم ألا يغادر الساحة ولو لثوانٍ معدودة.
أما أولئك السعداء فهم بين استراحة المحارب، وبين حماس المتابع، حتى ينضموا مؤقتاً إلى أحد طرفي الحفل، يستمعون قليلاً لقلم رصين، أو يدخلون لهنيهة ساحة الراقصين.
عن نفسه، كان الأب غير مستمتع بهذه المحافل، فرغم ما تطرحه من إثارة ونمط جديد لم يعتد عليه القارئ، إلا أنها تنقل دور الصحافة من ساحة للنقد والتغيير إلى ساحة للانتقاد والتفريق أو المجاراة والتزويق. الصحافي يجب أن يتمكن من تغيير واقعنا، من مخاطبة النفوس فرادى، فالتفكير الجمعي مؤطر بالجماعة والحزب الذي يحجب أطر العقل والمنطق والصواب. القلم الرصين يبقى حراً، لا يستعبد، وبعيداً فلا يستبعد.
وهنا أخذ الأب قلم رصاص إضافيا ومبراة وممحاة، لأن من حسنات قلم الرصاص على رغم مساوئه، أنه كلما اضطررت أن تبريه، سيخرج بخط قد يختلف عما توقعته، وستتمكن من أن تمحو عثراته إذا ما أخطأ، إن قلم الرصاص يعترف أن كل البشر خطاؤون ويعترف أن كل خطأ يمكن إصلاحه.

الاثنين، 20 سبتمبر 2010

هذا الموقع محظور






الأحد 19 سبتمبر 2010

منذ ما يقرب من السنتين، تعوّد البحرينيون على قراءة هذه العبارة عند تصفحهم للانترنت. فكثيراً ما يؤدي محرك البحث إلى صفحات محظورة، وهي بحسب التصنيف البحريني لا تقتصر على صفحات الابتذال والإرهاب والسياسة. فقد توسع الحظر ليشمل مواقع دينية، ومواقع فكرية ومنتديات. ثم اتسع ليغطي صفحات البروكسي وهي الصفحات التي تساعد في تجاوز الحظر. ثم اتسعت لتشمل خاصية ترجمة الصفحات في محرك جوجل. ومؤخراً شملت خاصية الصفحة المخبأة في نفس محرك البحث.
ولا أبالغ إذا قلت إن البحرينيين عموماً لا يعرفون بشكل واضح المعايير المعتمدة في تصنيف الصفحات كصفحات محظورة، إلا أن هيئة الإعلام قد خرجت علينا بتصريح مؤخراً يحمل بشائر الشفافية لنتمكن من طرح بعض الأسئلة التي قد تسهم في فك اللغز. فقد نشرت الجرائد البحرينية على لسان المدير العام للمطبوعات والنشر في هيئة الإعلام البحرينية أن العديد من أصحاب المواقع قد التزموا بتطبيق القانون ورفع كافة المخالفات المرصودة، وذكر من ضمن هذه المواقع موقع جريدة الوسط وموقع منتديات مملكة البحرين وغيرهما.
لقد لاحظت بالنسبة لموقع جريدة الوسط إضافته لخاصية التبليغ عن التعليقات المسيئة. ولا أدري إن كان هناك ثمة ملاحظات أخرى قامت الجريدة بتطبيقها لتصحيح أوضاعها، إلا أنني سأذكر بعض ما هو موجود في الموقع الآخر الذي ذكرناه في تساؤل عن كون هذه الملاحظات تعتبر مخالفات تستوجب التصحيح أم لا.
1)    يسمح الموقع بأسماء طائفية للأعضاء تحمل الكراهية الواضحة للآخرين.
2)    يسمح بمواضيع تحمل الكراهية وإثارة الفتن الطائفية.
3)    السماح باستخدام الألفاظ التخوينية لطائفة بعينها في ثنايا الكثير من المواضيع بما يفوق العد والحصر.
4)    السماح بسب وشتم الأفراد والشخصيات من دون إغلاق للموضوع أو إيقاف العضو أو حذف الكلمات المسيئة وهو أضعف الإيمان.
ومن دون أن ندخل في محتويات ساحات أخرى في هذا المنتدى غير الساحة المحلية المسماة «هنا البحرين»، نجد أن الموقع يحتاج الى الكثير من الضوابط ليكون موقعاً مصرحاً به. نعم، كنا كإعلاميين لندير ظهورنا لمثل هذا الموضوع لما كانت المواقع الإلكترونية موجودة على هامش الإعلام المرخص، أما وقد صارت لها ضوابط ومعايير تصنفها بين خانة المرخص والمحظور، فقد صارت ضمن دائرة النقد والملاحظة وصار حقاً وواجباً على البحرينيين نقدها وتوجيهها إلى اتجاه الإعلام المسؤول لتؤدي الدور المناط بأمثالها في توفير الحرية المسؤولة للرأي دون تعد ولا تجاوز.
ومما لا شك فيه أن خير وقت لوضع الملاحظات على المنابر الإعلامية هو من خلال طريقة تعاطيها في تغطية حدث ما، حيث يمكن تقييم تغطيتها للأحداث والخروج بالتعديلات المطلوبة للوصول للوضع الأمثل، ويبقى التطوير عملية مستمرة تعرف حدودها بالممارسة.
قد ينظر البعض إلى مثل هذه المواضيع أنها تنزل من سقف الحرية، ولكن نظرتنا كمجتمع للحرية لا تعطي حق الإساءة للأفراد ولا رموز الوطن ولا التجديف في الدين ولا تكفير طوائف المسلمين.
نتمنى أن نجد المعايير الحالية للمواقع الإلكترونية في إصدار للهيئة أو في أحد قوانين الدولة مستقبلاً، كما نتمنى عليها إمداد الصحافة بطبيعة الأوضاع التي صححت في هذه المواقع وإيجاد آلية لرصد المواد المسيئة إما عن طريقة الهيئة أو بالتعاون مع مستخدمي هذه المواقع وزوارها.
نتوقع الكثير من المهنية من هيئة الإعلام ورئيسها معالي الشيخ فواز بن محمد الذي أثبتت مهنيته في مراحل سابقة أن تحقيق الإنجازات يحتاج إلى رؤية واضحة وتخطيط سليم قبل الشروع في العمل. وقد انعكست رؤيته على إنجازات المنتخبات البحرينية على مستوى الألعاب الفردية والجماعية على حد سواء.
يبقى أن المهنية أكثر خطورة في الإعلام حيث رسالة الإعلاميين تمس شرائح أكبر من الناس وبصورة أعمق وأدق، ولذا كان الحاصل متوقعاً وهو أن نجد زخماً كبيراً في الكتابة حول المطالبة بالإعلام المسؤول من كثير من كتابنا. والله من وراء القصد. 

خواطر “عيد سعيد”











الأحد 12 سبتمبر 2010

أكاد أقول إن من معجزات اللغة العربية جمعها وتقريبها بين ألفاظ “يعيد” و”عيد” و”سعيد”. ألفاظ متقاربة تتمنى تكرار المناسبة الجميلة في أبهج المشاعر وأحسن الأحوال. أتمنى لكم جميعاً أن يعيد الله عليكم هذا العيد السعيد وأنتم وكل عزيز ترفلون بثياب الصحة والعافية والسعادة والهناء.
العيد هذه المناسبة المبهجة التي تجمع القلوب وتتواصل فيها الأرحام، دعوة سنوية للتصافي، وليعيش الناس الفرح سوياً كما يتشاركون الأحزان. فرصة لنبذ التقاطع والتفرق، فرصة لوحدة وتقارب ومشاعر دافئة تتجلى في مجموعة من المشاهد الجميلة التي أراها كل عام.

المشهد الأول:
ليلة العيد، حين يبدأ الاستهلال، يجتمع المؤمنون قبيل صلاة المغرب ينظرون إلى السماء في بحث عن دليل يدلهم على ختام عبادة الصيام. موقف جماعي كلما زاد عدد حضوره أوحى لنا برمزية جميلة في انتظار الناس لإشارة من السماء بارتفاع شهرالصيام، ثم يمضي من أنعم الله عليه برؤية هذه العلامة لنقل البشارة لإخوانه، وسرعان ما يبدأ التواصل الهاتفي على مستوى مناطق وأقاليم ودول، يثبت بعدها دخول الشهر الجديد وانتهاء فريضة الصيام للعام الجاري، على وعد باللقاء في الأعوام المقبلة.
المشهد الثاني:
عند طلوع شمس اليوم اللاحق، تتجه أفواج المؤمنين لأداء صلاة العيد في لوحة بهيجة أخرى يختلط فيها سكان المنطقة الحاليين والذين انتقلوا منها ليقطنوا مناطق أخرى يعودون لمسقط رؤوسهم لإحياء هذه العبادة بين أهلهم وذويهم. وقبيل بدء الصلاة تجمع زكاة الفطر من المصلين فتجتمع أصناف من فرائض الدين متتالية، صوم ثم زكاة ثم صلاة. وتعود تلك الرمزية الجميلة، حيث ترتبط الاعياد عند المسلمين بتمام فريضة ما، ويتلوها تقديم قربان ما، فكأن الزكاة قدمت قرباناً لقبول فرض الصوم ثم كأن الصلاة تقام لقبول هذه القربات، ثم يبتهج المؤمنون في عيدهم برجاء القبول.  فتتراص الصفوف لأداء عبادة سنوية تجمع بين القلوب كما تجمع بين الأجساد. وبُعيد أداء الصلاة، والاستماع للخطبتين، تبدأ المصافحات والتهاني بالعيد بشكل مكثف بين الحضور في بهجة بتمام الفرض ورجاء احتساب الأجر. ثم بعد الصلاة، درج المصلون على أن يتوافر إفطار العيد في نفس المكان ولو بتميرات وقطرات من الماء، ليفطر من شاء من الناس في هذا اليوم الذي يحرم فيه الصيام!
المشهد الثالث:
لمن يعيشون في بلادنا، فإن الوقت بين صلاة العيد وصلاة الظهر، يكون وقت حركة دائبة ومستمرة، فالناس يتنقلون أفرادا وجماعات بين مجالس العوائل لتهنئة أهلها بالعيد، فترى كل فوج لا يكاد يستقر به المقام حتى ينهض مجدداً متوجهاً إلى مجلس آخر وهكذا دواليك. الحركة بين أحياء المنطقة في جداول شبه ثابتة لكل مجموعة في كل سنة وكل عيد. إن الجليد المتراكم بين النفوس، يذوب في حميمية هذه اللقاءات السريعة والزيارات السنوية، وهو خير تذكير بالأواصر الاجتماعية المتوارثة أباً عن جد، التي يتوجب الحفاظ عليها مهما تجمع عليها صدأ الأيام.
المشهد الرابع:
وللأطفال برنامج حافل في العيد، يبدأ بتجربتهم ثيابهم الجديدة ليلاً للمرة الأخيرة، ثم يتقلبون لاصطياد النوم على وعد يوم العيد الذي ينتظرونه بفرح وشوق يشبه تحرقهم لـ (عطلة العودة) أي عطلة الصيف. يبدؤون صبيحته بالخروج سواء للمجالس برفقة الآباء، أم للمعايدة على الجيران وأخذ العيدية. طبعاً يستمر هذا النشاط حتى حين، ويكون كل طفل قد جمع ما يحتاجه من مبالغ يسارع بها إلى الدكان لشراء لعبة ما، قد تكون سيفاً بلاستيكياً للولد، أو دمية صغيرة للبنت.
وربما كان الطفل محظوظاً بما يكفي لينال رحلة ترفيهية بمعية أسرته إلى أحد المتنزهات الترفيهية فينفق بكل سعادة جل ما ناله من عيدية على ألعاب الترفيه والتسلية.
المشهد الخامس:
كاتب يكتب مقالاً ليوم العيد، فتتجلى له المعاني التي ارتبطت بالعيد من التسامح والفضيلة والوحدة والبر وعمل الخير. فيكتب محاولاً تذكير الناس بشيء مبهج عاشوه في سالف الأيام. مبهج ومقدس أيضاً، لدرجة أنه يطغى على كل الأحاسيس عقلاً وعاطفة، ويدفع كاتبه لزرع الفرح بدلاً من مقالات الهم والغم والنكد والفتن والسباب التي سيجد لها مساحة أكثر من كافية طوال السنة. فيجعل تصفح الجريدة عملاً خفيفاً ومحبباً في أيام العيد، كما لا يكون هذا الكاتب من الشياطين الذين صفدهم الشهرالكريم ثم أطلقوا، أو شرار النفوس الذين لم يصفدهم.
المشهد السادس:
يعود السيد سعيد –حفظه ربي- كعادته كل عام بدماثة أخلاقه وطيب سجاياه، ويحيي الجميع كباراً وصغاراً “كيف حالك يالورد؟” ويكسر الروتين بعبارته المميزة لينسب العيد مرة أخرى إليه لا إلى مبارك فيقول “عيد سعيد”.

تكريس التسامح كمبدأ إنساني












الأربعاء 08 سبتمبر 2010

لم يكن بودي أن أودع الشهر الكريم بمقال يبتعد عن شهر رمضان كموضوع رئيس، إلا أنني وجدت أن هذا الموضوع الملح ينطلق من روح الشهر الكريم، كما أن البدء في الكلام عنه متأخرًا قد يخرجه من سياقه. لذا فضلت أن تكون البداية من الآن ليتصل الحديث فيما بعد مبنياً على مقدمة مفهومة، فلا يبدو في نغماته نشاز، أو يطاله التأويل والالتباس.
وانطلاقاً من توجيهات القيادة الحكيمة حول ترشيد الخطاب الديني وتكريس مبادئ الوحدة الوطنية والتسامح والاعتدال والوسطية واسترسالاً من المقال السابق عن ضرورة تصفية الخطاب الإعلامي من لغة التخوين والكراهية، أجدني أشير إلى مجموعة من النقاط مما تكلمنا عنه في مقالات سابقة تدور في هذا الفلك وتحلق في ذات السياق:
- الخطاب الديني الأصيل خلا فيما سبق من الخوض في المسائل الخلافية في الدين ومن الجدالات السياسية.
- خلق الأجواء الإيجابية ضرورة لإرساء العلاقات الإنسانية والاجتماعية على أسس التسامح، وإزالة الاحتقانات.
- لا ربط بين الأهداف السياسية للأحزاب والتيارات من ناحية، والانتماءات الدينية لهذه الأحزاب من ناحية أخرى، ولا ينبغي أن يربط بين الحادي عشر من سبتمبر والقرآن الكريم.
- وأخيراً فإن الإعلام المسؤول سواء كان مقروءاً أو مسموعاً أو مرئياً، هو أحد وسائل قياس مستوى التسامح الموجود في المجتمع وهو أحد المؤثرات المهمة لخلق مجتمع متسامح خال من خطاب التخوين والكراهية.
وعطفاً على ما سبق، وتجميعاً لعناصره، فإن خطاباً تكفيرياً ناشئاً يتسلل ويتصاعد ليعكر صفاء الأجواء الإيجابية التي عاشتها البحرين دوماً، يوظف الاختلافات السياسية لإذكاء الخلافات المذهبية والعنصرية، ويمكن مشاهدة ذلك بوضوح في لغة الصحف والمنتديات الإلكترونية وقياس مستوى التسامح من خلالها.
لا أشك لحظة في أن منع اختطاف المنبر الديني واستغلاله سياسياً سيسهم في نشر قيم التسامح، وكذلك من الحكمة أيضاً مواجهة ذلك التوظيف الموجود من بعض الجهال للاختلافات السياسية في تلغيم الأجواء بين الطوائف.
وربما دل على ذلك ما عبر عنه صاحب السمو الملكي ولي العهد في إحدى المقابلات مع قناة العربية، حين قال “علينا ألا نربط فكرا سياسيا بمذهب معين واقول هذا خطأ وخطأ كبير.. نحن نحترم المذاهب كافة لان السياسة آنية والدين ومذاهبه دائمين، وبهذه المناسبة اتوجه إلى كل المسؤولين في منطقتنا - والاعلاميين بصورة خاصة - برجاء الابتعاد عن هذه التهم وتصنيف الناس بمواقف مسبقة، والدين دوما فوق رؤوسنا جميعا، والسياسة نختلف فيها، والدين ثابت، والسياسة زائلة” انتهى الاقتباس.
وما بين حرص على حفظ الأمن يقدره الجميع، واجتهادات سياسية من البعض تحتاج قنوات توصلها بالصورة الصحيحة، لا يمكننا كبحرينيين أن نسمح بخطف التسامح الموجود عبر إعلام غير مسؤول، ومنتديات لا نرضى أن تحمل اسم هذا البلد، ويختلط فيها الغث بالسمين، وتضج بلغة الكراهية وسموم الطائفية ومفردات التخوين بشكل صريح ومباشر يغني عن الأمثلة. والله من وراء القصد.
لا يفوتني أن أعايد على الجميع، عيدكم مبارك وأعادنا الله وإياكم في أحسن حال وكل عام وأنتم والبحرين بألف خير.

الأحد، 5 سبتمبر 2010

لغة التخوين والكراهية في الصحف










قرأنا كثيراً في السنوات الماضية كتّاباً يتكلمون عن المنتديات العابثة التي تغذت على السباب وعاشت على الطائفية وترعرعت على الفتن والخلافات. منتديات ألهمت كتّابنا الكتابة عنها في الجرائد، بين مستشهد بآرائها، وبين مهاجم لما أخرجته لنا من فكر أحادي النظرة، وبين منتقد لما تحتويه من فتن طائفية وحزبية وشائعات رخيصة وسباب مقذع.
الطريف أن حجب هذه المنتديات لم يحجب عنا “أبطال الكيبورد” ووجدنا مناوشات بين كتاب الأعمدة تشبه تلك التي تحصل في المنتديات، نفس اللغة والأسلوب، حتى صرنا نشك أن بعضاً من كتابنا خريج أو مازال يداوم في صفوف هذه المنتديات بمشاركة فاعلة مدفوعة الأجر. بعضهم يتناوش مع بعض والبعض الآخر “يرادد” المنتديات من جريدته.
في أثناء قراءة الجرائد هذه الايام تحس أن هناك شيئاً ما خطأ، لا تعلم ما هو تحديداً، إلا أنه خطأ. جزء مما تستطيع فهمه هو وجود لغة “منتدياتية طائفية” في الصحف لم نقرأها منذ فترة بعد أن قامت وزارة الإعلام مشكورة في حينه بسد هذه المنتديات وإن لم تسدها كلها بعد. هذه اللغة “المنتدياتية الطائفية” هي أمر استغربنا وجوده في الصحف، فالصحافة إعلام مسؤول يحترم القانون ويمارس حرية التعبير ضمن خطوط المهنية والقانونية واحترام الآخر وحقوقه.
قرأنا كلمات مثل خناجر معقوفة، حراب مسمومة، رأس الأفعى، والكلام عن جمعيات مرخصة وكتل نيابية، وأشخاص لم يتم وضعهم تحت طائلة القانون. علماً بأنه حتى وإن وجه الاتهام لشخص ما فذلك لا يسقط حقوقه القانونية، وكونه بريئاً حتى تثبت إدانته. هذا الهرج والمرج واتهام الآخرين بالخيانة، الخيانة تبقى كلمة كبيرة، يجب أن يكون حوارنا الوطني والديموقراطي بعيداً عن استخدامها، وإعلامنا المهني مترفعاً عنها وصحفنا البيضاء خالية منها.
وإني أتساءل عن الجهة التي تنظم عمل الصحافة، لا مطالبةً بتكميم الأفواه، ولكن لإيقاف سيل الشتائم والسباب والتخوين، الذي وصل لحدٍ صار فيه إعلامنا المرخص يتطاول على الأشخاص ويكيل الاتهامات ويصفهم بالألقاب.
إن هيئة الإعلام مطالبة بموقف من سباب الجرائد كما وقفت وزارات سابقة ضد سباب المنتديات. وأن لا يستغل مناخ الحرية في البلد ضد أبناء البلد. وأن لا تستغل المساحة المخصصة لشجب التخريب لتستخدم في التخوين وكيل الاتهامات ومهاجمة الأفراد وصناعة الكراهية.
وإن كانت ضغوط توالت على صحف لتقوم بمراقبة ردود القراء بصورة فاعلة وهو جهد مشكور من الهيئة، فإن الأولى وما نترقبه من الهيئة أن تكون حازمة كذلك في فرض مراقبة ذاتية على ما ينشر في متن الجريدة نفسها ويعبر عن نفسها وتوجهها وأخلاقياتها.

الأربعاء، 1 سبتمبر 2010

الإمام علي بن أبي طالب محكومًا








     أخال كل من قرأ المقال السابق عن أمير المؤمنين يعاتب على التقصير والإيجاز الشديد، والحال أن شخصيات العظماء كلها فضلاً عن شخصية علي (ع) لا يمكن إنصافها بكتابٍ، فما بالنا بمقال أو مجموعة مقالات. إلا أن كلمة قيلت في الإمام ربما تكون في الإنصاف بمكان، حيث قيل “أخفى محبوه مناقبه خوفًا، وأخفى أعداؤه فضائله بغضًا، وظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين”.

والحال كذلك أن أبا الحسن قد عاش معظم حياته محكوماً، لا حاكماً، مما يجعل الكلام في مواقفه وسيرته لا يتركز في السنوات الخمس الأخيرة في حياته التي هي فترة حكمه للمسلمين. وعلى ذلك، يظل من أشمخ الأمثلة في الحكم والسياسة، وأهم الأمثلة في الولاء للوطن بغض النظر عن أي خلافات قد ترتبط بشخصه حيث قولته المشهودة “لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جورٌ إلا عليّ خاصة”.

كما لا أظنني آتي بجديد إذا ذكرت الملامح التالية لتعامله في الدولة الإسلامية كمواطن، عاش فترة صدر الإسلام كلها كمواطن، وختمها بلجوء الأمة بأجمعها إليه كملاذ، تطلب منه قيادتها والعناية بشؤونها، ومن هذه الملامح:

- مناصحة الدولة والقيادة في الشؤون الدينية والإدارية والتشريعية والقضائية والعسكرية. ومن ذلك كلامه لعمر بن الخطاب (رض) لما شاوره عمر بالخروج بنفسه لحرب الروم، ونصحه إياه بالبقاء في المدينة وإرسال أحد ثقاته، وقوله “إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك، فتلقهم بشخصك، فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلا محرباً، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة”.

- رفضه أي تدخل في الشأن العام ممن لا يرى فيه الحرص على المسلمين وصالحهم، ولعل من ذلك ما يتجلى في رده على أبي سفيان لما حاول أن يتدخل في قضية الخلافة، وجاء لعلي (ع) صائحاً وطالباً أن يبايع علياً لا يبايع غيره، فامتنع الإمام وقيل إنه رفض تدخله ونهره لكونه طالما بغى للإسلام شراً.

- تدخله في درء الفتن الداخلية بين الحاكم والمحكوم وبين الناس عموماً، ومن ذلك موقفه في الفتنة الأولى التي حصلت في عهد عثمان (رض)، ودخوله كوسيط بين الناس وخليفتهم والعمل كقناة لتوصيل وجهات النظر بين أطراف المسلمين المتخاصمة، بل وما روي أيضاً عن تكليفه ابنيه بالمشاركة في حماية الخليفة عند اشتداد الفتنة فيما بعد قبيل مقتل عثمان بن عفان.

- دخوله في إدارة شؤون المسلمين من خلال توليه منصب القضاء سواء في عهد النبي (ص) وأبي بكر (رض) أو ما بعد ذلك سواء بشكل مباشر أو عن طريق الاستشارات التي كانت تطلب منه خصوصاً في عهد عمر بن الخطاب (رض). وفي ذلك الشهادة المشهورة له “لولا علي لهلك عمر”.

- تمثيل جانب المسلمين في القضايا والمناقشات العلمية والعقدية التي حصلت مع غير المسلمين سواء من أهل الذمة أم الملحدين أم الفرق الأخرى.

- ثقة الخلفاء المطلقة فيه على جميع المستويات، لعلمهم بحرصه الشديد على صالح المسلمين العام ويتجلى ذلك في اوضح صورة في تولية عمر له شؤون المدينة مراراً نذكر منها، حين خروج عمر لماء صراء يعسكر فيه أيام حرب القادسية، واستخلافه عليها عند خروجه لبيت المقدس، وكذا ما روي في استخلافه على المدينة عند خروج عمر في آخر حجة له سنة 23 للهجرة.

- تسمية عمر له ضمن شورى الستة لاختيار خليفة للمسلمين من بينهم عندما حضرته الوفاة.

ربما بينت النقاط أعلاه بعض ملامح الدور الجوهري الذي اضطلع به أمير المؤمنين قبل أن يستلم زمام الأمور في خلافة المسلمين، فكان المواطن الصالح، والمشير، والوزير، والقاضي، والمصلح بين الناس، والمستشار السياسي والعسكري الأول.

يبقى هنا أن نجيب جزئياً عن سؤالنا السالف في مقالنا الفائت، وهو: لماذا قال علي (ع): “وأنا لكم وزيراً خيرٌ لكم مني أميراً”.

ونجد الإجابة في كلام للخليفة عمر بن الخطاب إذ يقول: “لو استخلفتموه بعدي، لأقامكم على الحق وإن كرهتموه”.

ويبقى تاريخ المسلمين، عبرة لكل متأمل، ودرساً لكل دارس.

والصلاة والسلام على أشرف الخلق وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين.