قرأنا كثيراً في السنوات الماضية كتّاباً يتكلمون عن المنتديات العابثة التي تغذت على السباب وعاشت على الطائفية وترعرعت على الفتن والخلافات. منتديات ألهمت كتّابنا الكتابة عنها في الجرائد، بين مستشهد بآرائها، وبين مهاجم لما أخرجته لنا من فكر أحادي النظرة، وبين منتقد لما تحتويه من فتن طائفية وحزبية وشائعات رخيصة وسباب مقذع.
الطريف أن حجب هذه المنتديات لم يحجب عنا “أبطال الكيبورد” ووجدنا مناوشات بين كتاب الأعمدة تشبه تلك التي تحصل في المنتديات، نفس اللغة والأسلوب، حتى صرنا نشك أن بعضاً من كتابنا خريج أو مازال يداوم في صفوف هذه المنتديات بمشاركة فاعلة مدفوعة الأجر. بعضهم يتناوش مع بعض والبعض الآخر “يرادد” المنتديات من جريدته.
في أثناء قراءة الجرائد هذه الايام تحس أن هناك شيئاً ما خطأ، لا تعلم ما هو تحديداً، إلا أنه خطأ. جزء مما تستطيع فهمه هو وجود لغة “منتدياتية طائفية” في الصحف لم نقرأها منذ فترة بعد أن قامت وزارة الإعلام مشكورة في حينه بسد هذه المنتديات وإن لم تسدها كلها بعد. هذه اللغة “المنتدياتية الطائفية” هي أمر استغربنا وجوده في الصحف، فالصحافة إعلام مسؤول يحترم القانون ويمارس حرية التعبير ضمن خطوط المهنية والقانونية واحترام الآخر وحقوقه.
قرأنا كلمات مثل خناجر معقوفة، حراب مسمومة، رأس الأفعى، والكلام عن جمعيات مرخصة وكتل نيابية، وأشخاص لم يتم وضعهم تحت طائلة القانون. علماً بأنه حتى وإن وجه الاتهام لشخص ما فذلك لا يسقط حقوقه القانونية، وكونه بريئاً حتى تثبت إدانته. هذا الهرج والمرج واتهام الآخرين بالخيانة، الخيانة تبقى كلمة كبيرة، يجب أن يكون حوارنا الوطني والديموقراطي بعيداً عن استخدامها، وإعلامنا المهني مترفعاً عنها وصحفنا البيضاء خالية منها.
وإني أتساءل عن الجهة التي تنظم عمل الصحافة، لا مطالبةً بتكميم الأفواه، ولكن لإيقاف سيل الشتائم والسباب والتخوين، الذي وصل لحدٍ صار فيه إعلامنا المرخص يتطاول على الأشخاص ويكيل الاتهامات ويصفهم بالألقاب.
إن هيئة الإعلام مطالبة بموقف من سباب الجرائد كما وقفت وزارات سابقة ضد سباب المنتديات. وأن لا يستغل مناخ الحرية في البلد ضد أبناء البلد. وأن لا تستغل المساحة المخصصة لشجب التخريب لتستخدم في التخوين وكيل الاتهامات ومهاجمة الأفراد وصناعة الكراهية.
وإن كانت ضغوط توالت على صحف لتقوم بمراقبة ردود القراء بصورة فاعلة وهو جهد مشكور من الهيئة، فإن الأولى وما نترقبه من الهيئة أن تكون حازمة كذلك في فرض مراقبة ذاتية على ما ينشر في متن الجريدة نفسها ويعبر عن نفسها وتوجهها وأخلاقياتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق