الاثنين، 20 سبتمبر 2010

خواطر “عيد سعيد”











الأحد 12 سبتمبر 2010

أكاد أقول إن من معجزات اللغة العربية جمعها وتقريبها بين ألفاظ “يعيد” و”عيد” و”سعيد”. ألفاظ متقاربة تتمنى تكرار المناسبة الجميلة في أبهج المشاعر وأحسن الأحوال. أتمنى لكم جميعاً أن يعيد الله عليكم هذا العيد السعيد وأنتم وكل عزيز ترفلون بثياب الصحة والعافية والسعادة والهناء.
العيد هذه المناسبة المبهجة التي تجمع القلوب وتتواصل فيها الأرحام، دعوة سنوية للتصافي، وليعيش الناس الفرح سوياً كما يتشاركون الأحزان. فرصة لنبذ التقاطع والتفرق، فرصة لوحدة وتقارب ومشاعر دافئة تتجلى في مجموعة من المشاهد الجميلة التي أراها كل عام.

المشهد الأول:
ليلة العيد، حين يبدأ الاستهلال، يجتمع المؤمنون قبيل صلاة المغرب ينظرون إلى السماء في بحث عن دليل يدلهم على ختام عبادة الصيام. موقف جماعي كلما زاد عدد حضوره أوحى لنا برمزية جميلة في انتظار الناس لإشارة من السماء بارتفاع شهرالصيام، ثم يمضي من أنعم الله عليه برؤية هذه العلامة لنقل البشارة لإخوانه، وسرعان ما يبدأ التواصل الهاتفي على مستوى مناطق وأقاليم ودول، يثبت بعدها دخول الشهر الجديد وانتهاء فريضة الصيام للعام الجاري، على وعد باللقاء في الأعوام المقبلة.
المشهد الثاني:
عند طلوع شمس اليوم اللاحق، تتجه أفواج المؤمنين لأداء صلاة العيد في لوحة بهيجة أخرى يختلط فيها سكان المنطقة الحاليين والذين انتقلوا منها ليقطنوا مناطق أخرى يعودون لمسقط رؤوسهم لإحياء هذه العبادة بين أهلهم وذويهم. وقبيل بدء الصلاة تجمع زكاة الفطر من المصلين فتجتمع أصناف من فرائض الدين متتالية، صوم ثم زكاة ثم صلاة. وتعود تلك الرمزية الجميلة، حيث ترتبط الاعياد عند المسلمين بتمام فريضة ما، ويتلوها تقديم قربان ما، فكأن الزكاة قدمت قرباناً لقبول فرض الصوم ثم كأن الصلاة تقام لقبول هذه القربات، ثم يبتهج المؤمنون في عيدهم برجاء القبول.  فتتراص الصفوف لأداء عبادة سنوية تجمع بين القلوب كما تجمع بين الأجساد. وبُعيد أداء الصلاة، والاستماع للخطبتين، تبدأ المصافحات والتهاني بالعيد بشكل مكثف بين الحضور في بهجة بتمام الفرض ورجاء احتساب الأجر. ثم بعد الصلاة، درج المصلون على أن يتوافر إفطار العيد في نفس المكان ولو بتميرات وقطرات من الماء، ليفطر من شاء من الناس في هذا اليوم الذي يحرم فيه الصيام!
المشهد الثالث:
لمن يعيشون في بلادنا، فإن الوقت بين صلاة العيد وصلاة الظهر، يكون وقت حركة دائبة ومستمرة، فالناس يتنقلون أفرادا وجماعات بين مجالس العوائل لتهنئة أهلها بالعيد، فترى كل فوج لا يكاد يستقر به المقام حتى ينهض مجدداً متوجهاً إلى مجلس آخر وهكذا دواليك. الحركة بين أحياء المنطقة في جداول شبه ثابتة لكل مجموعة في كل سنة وكل عيد. إن الجليد المتراكم بين النفوس، يذوب في حميمية هذه اللقاءات السريعة والزيارات السنوية، وهو خير تذكير بالأواصر الاجتماعية المتوارثة أباً عن جد، التي يتوجب الحفاظ عليها مهما تجمع عليها صدأ الأيام.
المشهد الرابع:
وللأطفال برنامج حافل في العيد، يبدأ بتجربتهم ثيابهم الجديدة ليلاً للمرة الأخيرة، ثم يتقلبون لاصطياد النوم على وعد يوم العيد الذي ينتظرونه بفرح وشوق يشبه تحرقهم لـ (عطلة العودة) أي عطلة الصيف. يبدؤون صبيحته بالخروج سواء للمجالس برفقة الآباء، أم للمعايدة على الجيران وأخذ العيدية. طبعاً يستمر هذا النشاط حتى حين، ويكون كل طفل قد جمع ما يحتاجه من مبالغ يسارع بها إلى الدكان لشراء لعبة ما، قد تكون سيفاً بلاستيكياً للولد، أو دمية صغيرة للبنت.
وربما كان الطفل محظوظاً بما يكفي لينال رحلة ترفيهية بمعية أسرته إلى أحد المتنزهات الترفيهية فينفق بكل سعادة جل ما ناله من عيدية على ألعاب الترفيه والتسلية.
المشهد الخامس:
كاتب يكتب مقالاً ليوم العيد، فتتجلى له المعاني التي ارتبطت بالعيد من التسامح والفضيلة والوحدة والبر وعمل الخير. فيكتب محاولاً تذكير الناس بشيء مبهج عاشوه في سالف الأيام. مبهج ومقدس أيضاً، لدرجة أنه يطغى على كل الأحاسيس عقلاً وعاطفة، ويدفع كاتبه لزرع الفرح بدلاً من مقالات الهم والغم والنكد والفتن والسباب التي سيجد لها مساحة أكثر من كافية طوال السنة. فيجعل تصفح الجريدة عملاً خفيفاً ومحبباً في أيام العيد، كما لا يكون هذا الكاتب من الشياطين الذين صفدهم الشهرالكريم ثم أطلقوا، أو شرار النفوس الذين لم يصفدهم.
المشهد السادس:
يعود السيد سعيد –حفظه ربي- كعادته كل عام بدماثة أخلاقه وطيب سجاياه، ويحيي الجميع كباراً وصغاراً “كيف حالك يالورد؟” ويكسر الروتين بعبارته المميزة لينسب العيد مرة أخرى إليه لا إلى مبارك فيقول “عيد سعيد”.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق