في معرض قراءتي لإحدى الخطب للشيخ سليمان المدني رحمه الله، وجدته يشير إلى أن كثيراً من العلماء يذهبون إلى القول بتحريم تكوين الأحزاب. وهذا بالطبع موضوع لا جديد فيه، ولكن ما أود الإشارة والتركيز عليه هو السبب الذي ذكره، الذي ينبغي عدم إغفاله أو التغافل عنه، ونحن نعيش في مجتمع اقتضت ظروف تجربته التشريعية والرقابية تشكيل الأحزاب وإن كانت تمارس العمل تحت مسمى جمعيات.
والسبب المذكور هو أن تكوين هذه الأحزاب يقوم بإحلال الأخوة الحزبية مكان الأخوة الإيمانية. هل هذه النقطة واضحة؟ قطعاً هي ليست واضحة للكثير من إسلاميي السياسيين، والدليل على ذلك، هو الحاصل من تقديم المصالح الفئوية والحزبية بل والعلاقات المنبعثة من التحالف بين حزبين على الأخوة الإيمانية فضلاً عن تقديم الأخوة الحزبية التي بلا شك أكثر قرباً من التحالفات والتنسيقات الوقتية. وعلى هذا فإن الأحزاب السياسية التي يعرف الواحد منها بأنه مجموعة منظمة من الأفراد يمتلكون أهدافا وآراء سياسية متشابهة بشكل عام، ويهدفون إلى التأثير على السياسات العامة من خلال العمل على تحقيق الفوز لمرشحيهم بالمناصب التمثيلية بغض النظر عن انضواء هذا الحزب تحت مظلة جمعية من عدمه. وعلى النقيض فمن الممكن لجمعيات أن لا ينضوي تحتها تنظيم حزبي.
وبعيداً عن الأحزاب، فإن للأخوة الإيمانية –كما للأخوة النسبية- في الأديان وفي الإسلام خصوصاً مصاديق مثل التكافل والتعاون والتراحم بين الإخوة، وكذلك عدم قطع الرحم بالغيبة والنميمة والبهتان، بل وعدم إيصال أي أذى بأي شكل من الأشكال للآخر، وكل هذا يتجلى في تعريف المسلم فضلاً عن المؤمن “المسلم من سلم الناس من لسانه ويده” ، ثم “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه”، ويتلوه “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه”. ثم “يا مالك إن الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”.
وعلى عكس ذلك ما تفرزه الأخوة الحزبية التي تجعل باقي المجتمع خصماً بل عدواً بل شراً مستطيراً لا بد من الخلاص منه بشتى الطرق والوسائل، وسنضرب الأمثال على ذلك بتنظيمات حزبية متعددة سواء من الشرق أو الغرب لبيان الصورة الحقيقية للأخوة الحزبية. يقول هتلر “إنْ أنا إلاّ عاشق ينقل خطوة في ثرى الأمة الألمانية مستخرجا منها الصلابة. ولطالما قلت إنّ يوماً ما سيأتي يكون فيه كل الألمان ذوي الشأن في معسكري. على أي حال، فإنّ الذين لا يشاؤون الانضمام إلى معسكري يكونون عديمي القيمة”. ولنا أن نضع عشرات الخطوط تحت كلمة “عديمي القيمة”، فما ينتج عن كون الآخرين عديمي القيمة من تصرف يكون خاضعاً للاجتهادات والظروف، وقد روى لنا التاريخ الفظائع التي ارتكبها الفوهلر كما يسميه أصدقاؤه ومنها إعدام المعاقين والمرضى العقليين لتنقية الجنس الألماني من الشوائب!!
وهتلر ليس بدعاً من الحزبيين الذين يعدون أتباعهم بجنة الدارين في الدنيا وفي الآخرة إن وجدت في عقيدته، لنر ما يقوله البعثي صدام بالحرف الواحد “قسماً بالله، اللي اسمعه همساً يحكي ويه مواطن عراقي أو بعثي إلا أطره بيدي أربع وصل (قطع)”، والفيديو منقول على اليوتيوب وهو أشهر من أن يجهل. وبيت القصيد لا يكمن في شخصية صدام المعروفة بالقسوة والإجرام ولا يكمن في تهديده الرهيب، ولكنه يكمن في اعتباره للحزبية البعثية رابطة تسمو على جميع الروابط.
وصدام كذلك ليس بدعاً من الدكتاتوريات الحزبية، وكونه قد وصل للحكم لا يمنع من وجود آخرين يمثلون مشروع دكتاتور لا يقيم وزناً للآخر، بفروق نظرية قد تختفي بعد الوصول لسدة الحكم. إن هذه النظرة الحزبية التي تحتقر كل الآخرين، موجودة لدى كل من يؤمن بالحزبية، فيقسم للإخلاص للحزب وجعله فوق كل الاعتبارات الأخرى. فالحزب هو أمه وأبوه، أما إخوانه فهم من آخاهم الحزب والباقون إما أعداء أو مسكوت عنهم. ويتجلى ذلك أيضاً في مثال آخر، فالقانون الداخلي لحزب الوفاق الوطني لتحرير الأحواز مثلاً يضع في قانونه الداخلي أن مصلحة الحزب فوق كل اعتبار، وفي مادة أخرى ينص أن على كل منتم للحزب أن يستمد أفكاره من عقيدة ومبادئ الحزب وهي الرافد الاساسي لنشاطه الفكري وتحركاته في كافة المجالات.
ولست أبرئ الأحزاب الإسلامية عندنا، في السابق وحالياً فهي لا تختلف كثيراً عن الأحزاب الأخرى في طريقتها في العمل ونظرتها للآخرين وحملها لأجنداتها السرية. ولنا وقفة عنها في المستقبل القريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق