الأربعاء، 29 ديسمبر 2010

عندما تسرق الروح














الأربعاء 29 ديسمبر 2010

في مقال رائع وصادم للغاية تتكلم الدكتورة سحر الموجي عن حالة قد تكون أصابت الجميع. وبنفس عنوان مقالي هذا، قرأته بذهول وأحسست بكل كلمة منه تلامس عمق الروح وتصيب ما قد يكون كبد الحقيقة، إن كان لأحد في علم النفس أن يصيب هذه الكبد.
من منا لم يشعر يوماً أن بهجة الحياة تخفت وتبهت وتتحول ألوانها إلى الرمادي، هذه الحالة التي سنعرف مع التجربة أنها تصيب الكثير من الناس، ولكن هل صحيح أنها تصيبهم عند بدايات حياتهم بالذات؟ تقول الموجي “معظمنا نصحوا ذات يوم وأدركنا أن روحنا ضاعت، يحدث هذا في بدايات حياتنا، في سنوات الصبا والشباب. كلنا نبدأ من النقطة نفسها، رغبتنا في الحصول على الرضا والقبول”. تقول الدكتورة اننا في هذا الخضم ننسى أنفسنا وما نريد وانتماءاتنا الحقيقية وما يرضينا نحن وما يشبع أرواحنا ونتعلم أن المجتمع وما يتوقعه أهم بكثير مما نريده.
ثم تسهب الدكتورة في الكلام عن أشكال سرقة الروح وتركز على دور العلاقات السيئة في سرقة الروح وخفوت حيويتها. هذه العلاقات غير المتكافئة التي تمنحنا النقد والانتقاص والتجاهل، فيما تفرض العطاء من طرف واحد.
وتجزم الموجي أن الوضع في علاقات الحب والصداقة أسهل من علاقات الدم، إذ يمكن فيها قطع الأواصر التي يصعب إصلاحها واعتبارها ماضياً ننساه.
ثم تختم هذا المقال الصادم بقولها “المهم هوالسؤال: هل أرواحنا في حوزتنا، أم انها سرقت في غفلة منا؟ ولماذا سرقت؟ وكيف يمكننا استرجاعها؟ إن العلامة الأكيدة على حضور الروح هي (الحضور) في كل ما نفعل. أن نحب وأن نبكي ونتألم. أن ننفعل ونحلم، ونسعى وراء الحلم... كلها امارات لحضور الروح”.
في نفس الخصوص فإن إحدى نظريات علم الأخلاق تقسم مراحل تكوين الوعي الأخلاقي عند الإنسان إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى تتمثل في النظر إلى الثواب والعقاب كحوافز تجعل الإنسان يسعى ليقوم بالتصرف الصحيح طمعاً في الجائزة أو خوفاً من العصا.
أما المرحلة الثانية فتتمثل في تصرف الإنسان وفقاً للعرف المجتمعي ولتعريف المجتمع للأخلاق القويمة. المرحلة الثالثة قد لا يبلغها الجميع بنفس المقدار، بل قد لا يبلغها البعض أبداً، وتتمثل في تكوين الإنسان لقيمه الأخلاقية الخاصة به عن طريقة قناعاته المكتسبة وخبراته وما ينطبع في نفسه من المرحلتين الأوليين.
ومن حيث التوقيت، فإن المرحلة الثانية قد تكون هي نفسها التي يتكلم عنها المقال المذكور، حين ننظر لذواتنا من منظور المجتمع قبل أن نبدأ بتلمسها تلمساً جديداً يتيح لنا الاستمتاع بحياتنا والشعور بالشغف في كل الأوقات.
أما من حيث مسببات خطف الروح كما أحببت أن أسميه، فربما كان ما ذكر في مجال العلاقات كافياً، إلا انني أحب أن أذكر مسببين آخرين، الأول هو تعرض الإنسان للظلم ممن حوله.
هذا الشعور بالرفض من الأقربين يفرض على الإنسان أن يسعى بكل ما أوتي من قوة ليثبت نفسه، هذا الشعور بالتهام الذات يفرض على الإنسان استخدام آلياته الدفاعية فيبدأ بالنظر لنفسه من منظور المجتمع مكرهاً على ذلك، فتخطف روحه منه بأبشع ما يكون من خطف. وقد يسلمه ذلك لليأس الأكثر توحشاً، وقديماً قيل أن الدنيا إذا أقبلت على شخص أعطته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه.
وأما المسبب الآخر، فقد يكون تعرض الإنسان لصدمة يشعر معها بقفدان الحياة رونقها، فيحس بكونه جسداً هامداً بين الأحياء، قد يكون ذلك عند فقد أحد أهم مقومات الحياة، فقد عزيز على الإنسان قد يكون من المصاديق المهمة لذلك، بالذات مع كبر المساحة التي يشغلها هذا المفقود من فكر الإنسان وعاطفته وكبريائه وثقته بنفسه.
ومع هذا الإحساس، لا بد من المبادرة إلى قفل باب الهجرة نحو الداخل، إلغاء حالة الكمون، تقطيع خيوط الشرنقة التي قد بدأت بالتكون، إرجاع الروح المكبلة عبر النظر إلى الأمام حيث المحبة المتوهجة في قلوب المحيطين، والتذكر أن العيب ليس دوماً في الفلاح الذي يزرع المحبة بل كثيراً ما يكون في أرض جدباء تحتاج الكثير من قطرات ماء السماء لتنتعش من جديد.

الأحد، 26 ديسمبر 2010

والله حالة















الأحد 26 ديسمبر 2010

مؤخراً ومع الانفتاح الإعلامي والفكري وكثرة الصحف صار تعريف الشأن العام فضفاضاً عند الناس من كتاب وخطباء وعوام. صار كل إنسان لسانه لحمة بين فكيه وقلمه حديدة بين إصبعيه يتكلم في الشأن العام والشأن الخاص دون تفريق، على أنه قيل قديماً “من تدخل فيما لا يعنيه، لقي ما لا يرضيه”.
من أمثال ذلك ما تطالعنا به الصحف من تدخل في شؤون طائفية محضة بعناوين تشبه النقد الأريحي والدردشة الصريحة، ولكن الكاتب ينسى أو يتناسى أنه ليس مقبولاً منه هذا النقد ولا هذه الدردشة، بل غالباً ما يصنف كلامه بأنه من قبيل التشويه والنبز وأحياناً التخوين. وينسى قبل ذلك أن لقلمه الحر حدوداً بعدها يكون قد تجاوز حدود الأدب إن كان كلامه صحيحاً، ويتجاوز حدود الأدب والإنصاف إن كان كلامه بلا أساس.
طالعتنا إحدى الصحف المحلية بمقال لكاتبة تناقش فيه شأن المرجعية الشيعية، وتتساءل إن كان آن لهذه المرجعية أن تصبح عربية خالصة أم لم يحن ذلك بعد.
أولاً، نقول إن جنسية الفقيه أو العالم وأصله العرقي ليسا محكاً ولا مقياساً لأخذ الرأي الفقهي من عدمه، بل ليس لذلك قيمة عند الله ولا عند أهل العلم من الخلق.
ثم نقول إنه حين يصير هناك تقاطع للمنصب السياسي والديني في شخصية واحدة لا تنتمي إلى البلد نفسه، بغض النظر عن العرق إن كان عربياً أو فارسياً أو أفغانياً، فالتبعية السياسية لكل مواطن تكون مع حكامه لا مع حكام غيره. وهنا أقول إنه ليس من الأدب في شيء أن نضع الشيعة أو غيرهم في دائرة الخيانة والتبعية والعمالة الخارجية إن كان علماؤهم من خارج بلادهم، وما ينطبق على الشيعة في ذلك ينطبق على غيرهم. وهنا ينتهي الكلام عن المرجعية.
أما من حيث الكلام عن إيران خصوصاً وطبيعة العلاقة المطلوبة معها، فهذا شأن آخر، لا علاقة له بشيعة الدول العربية من قريب أو بعيد. فبالرغم من كونها دولة ذات أغلبية شيعية، ويحكمها نظام يعتنق المذهب الشيعي، إلا أنها كنظام سياسي لا تمثل لأي مواطن عربي – مسلم أو نصراني- أكثر من كونها جارة مسلمة. ولا أكثر من الجيرة والأخوة الإسلامية اللتين نعرف حقوقهما كمسلمين.
أما عند الكلام عن مسألة الأطماع التوسعية، وإنصافاً، فهذه ليست طبيعة فارسية صرفة، بل هي شأن لكثير من الثقافات حتى التي كانت منها ذات تنظير عربي. أضرب هنا مثالاً بشخصية الرئيس العراقي السابق صدام حسين وحزب البعث الذي تمت مناصرته ضد جارته إيران بوصفه عربياً. ألم يبادر أول ما بادر إلى ضرب جيرانه، وعض الأيدي التي امتدت إليه. ولي أن أسأل هنا، هل لو نجح مشروع صدام - لا سمح الله - ولم توقفه قوات التحالف آنذاك هل ستشفى الصدور العربية فضلاً عن المسلمة؟ ألم يكن صدام مشروعاً توسعياً مذموماً؟
هل كانت النظرة للمواطن العربي البعثي ذاك الوقت وبعين ضيقة شزراء كما ينظر بعض كتابنا الآن إلى شيعة الخليج بسبب الخوف من إيران.
نحن ضد أي مشروع توسعي سواء كان عربياً أو فارسياً أو غير ذلك، ولن أتهم شعوب المنطقة كما فعلت الكاتبة بالعمالة الخارجية، ولن أخلط بين ورقة الفقه ومرجعياته وورقة ما تم كشفه من أحزاب وخلايا سواء كانت إيرانية أو قاعدية. على أن موضوع المرجعية وولاية الفقيه نظريات لا تهم كل الشيعة ليضع الكاتب المنصف غير المتطفل كل الشيعة في هذه السلة.
وبعيداً عن موضوع تخوين الشيعة، وكلام الكاتبة، فإنني أقول إن كلاً يجر النار إلى قرصه، وإن توازن القوى في المنطقة يلزمه سياسة خارجية منسقة ومنسجمة، وتقارب ومصارحة بين دول المنطقة يتناسب مع التقارب الجغرافي والفكري والديني. وإنه سواء على مقياس المواطنة أو العروبة أو الدين التي أدعي أنها لا تختلف في ضرورة أن نواجه العالم الخارجي بجبهة موحدة خلف قيادة وطنية ومشروع وحدة إسلامية وعربية مع حفظ حقوق الشعوب والدول من دون تعد على سيادة أي دولة.

الأربعاء، 22 ديسمبر 2010

فيلم رعب بحريني













الأربعاء 22 ديسمبر 2010


هناك مشكلة كبرى في تعطل الموظفين، الأزمة المالية التي بين قوسين لم تؤثر على البحرين، سببت وجود تعطل للبحرينيين، من سيحل المشكلة؟
لا شك ان البحرينيين الأصيلين لن يتركوا إخوانهم يشتكون من البطالة وذل السؤال، وواحد في المئة لا تضرك لكنها تحيي أسرة بأكملها وتنتشلها من العوز، انتهت المشكلة بإيجاد صندوق التعطل، شكراً يا مواطن.
الحقوا عجزا إكتواريا في صناديق التقاعد؟ لن يكون الآن ربما بعد 15 عاماً، لكن لا بد من تدارك الوضع الآن، العمل ملح الرجال، ما يصنع الرجل بالجلوس في المنزل، والدنيا ليس فيها راحة، والراحة في القبر. ما رأيكم برفع سن التقاعد إلى 65؟
ادركونا، المواد الغذائية المدعومة تتعرض للاستغلال من قبل المطاعم والشركات، لا بد من رفع الدعم لئلا يستغله من لا يستحقه. لا تخافوا، لا تأثير على المواطن الفقير، الفقير لن يموت، سيظل فقيراً لا أكثر.
النجدة، المحروقات المدعومة صارت عبئاً على كاهل الدولة، لا يستفيد منها إلا الأجنبي والثري، الفقير لا يملك سيارة ليستفيد من الدعم، بل ان سياسة أرباب العمل تقضي دوماً بارتفاع مدخول الأجنبي لا البحريني، لذا لن يتأثر البحريني لأنه سيظل طول عمره ضمن الشريحة المستهدفة بالدعم.
الإسكان معضلة يرثها كل وزير ممن سبقه وتكبر كما تكبر الإشاعة، ما رأيكم بالبناء العمودي؟ لا يناسب البحريني؟ ما رأيكم بالبناء الذكي؟ لا يحبذه الناس؟ على العموم المشكلة لن تظل معلقة أبد الدهر، فهناك حل ما ستجده الدولة يوماً ما بعد استثناء كل أسرة يصل مدخولها إلى 1200 دينار. لأن الإسكان للفقراء الذين يتحملون انتظار عشرين سنة، أما من نعلم أنه من الممكن أن لا يصبر فقد استثنيناه من القائمة. والقائمة تطول من 47 إلى 54 ألف طلب.
صندوق العمل، توظيف الأجنبي في محلك الصغير يستلزم أن تدفع لتدريب البحريني، لكن محلي أصغر من أن يكون فرصة لتوظيف البحرينيين أو ليدفع ضرائب لتدريبهم. لا يهم، فالقانون يسري على الجميع، والفائض الاكتواري للصندوق لن يكون مشكلة فلا تخشوا شيئاً.
الشركة الفلانية على شفير الإفلاس للمرة الألف، يجب أن تستدين الحكومة لإنقاذها، فخطة الإنقاذ الأخيرة لم تفلح معها، حتماً ستفلح الخطة المقبلة، المهم أن يقر النواب الميزانية التي ستجيئهم بصفة الاستعجال لنتمكن من إنقاذ الشركة هذه المرة.
البيوت الآيلة للسقوط لم تعد آيلة للسقوط، لأنه لا توجد ميزانية، عندما تتوفر الميزانية سنتدارك الوضع ونقوم بإنقاذ الأسر التي ستكون مهددة آنذاك، أما الآن فكل شيء تحت السيطرة والحالات كلها من الممكن أن تنتظر.
هذه بعض أحداث فيلم رعب بحريني يعرض كل يوم على صفحات الجرائد، ونهاية كل مشهد من الفيلم تقول للبحريني إن الحل دوماً يتمثل في استقطاع جديد من الراتب أو توقف خدمة معينة إلى اجل مسمى أو غير مسمى. أرجو أن الرسالة وصلت للنواب حيث يكتفون بالمحافظة على المكتسبات الموجودة عند البحريني، أما الكلام عن خطط رفع مستوى المعيشة فنحن لسنا على بداية الدرب أساساً.
في الختام:
حين تعرض الحكومة خططها المستقبلية على المجلس الوطني، كلنا أمل بأن يكون كل الكلام أعلاه أخذ في الاعتبار، فالبحرينيون آمالهم كبيرة، وهم يستحقون كل خير، والحكومة لن تنساهم.

الأحد، 19 ديسمبر 2010

نديم الباذنجان








الأحد 19 ديسمبر 2010

من روائع شعر أمير الشعراء الراحل أحمد شوقي مجموعته المتمثلة في قصص الحيوان وقصص الحكمة التي يكتبها على شكل أرجوزات خفيفة الوزن والقافية، إلا أن معانيها غاية في الروعة والجمال. من ضمن هذه القصائد قصيدة تشرح سلوك أحد ندماء السلطان والذي يفرط في النفاق والمجاملة للسلطان؛ ليحوز رضاه بأي شكل أو طريقة بغض النظر إن كان لكلامه وتصرفاته معنى أو لم يكن.
تسهب القصة في أن السلطان كان يعلم بنفاق هذا، إلا أنه يغض الطرف عنه؛ ترفعاً سلطانياً جبل عليه عن كل صغير من الصغائر. حتى وقع ذلك النديم في زاوية حرجة لا يستطيع الخروج منها، حيث جيء على الطعام بباذنجان، فذكر السلطان حبه للباذنجان، فتبرع النديم بمدح الباذنجان مدحاً مفرطاً لا مثيل له وقطع على نفسه كل خط للرجعة. هنا قال السلطان أن عيب الباذنجان بعض المرارة التي تشوبه أحياناً، وكعادته أفرط صاحبنا في ذم الباذنجان وعيوبه، وكأنه قد نسي ما قاله هو نفسه للتو من مديح.
فالتفت السلطان فيمن حوله *** وقال كيف تجدون قوله
قال النديم يا مليك الناس *** عُذرا فما في فعلتي من باس
جُعلت كي أنادم السلطانا *** ولم أنادم قط باذنجانا
وحال نديم الباذنجان هنا يشبه حال الأقلام الراقصة التي لا تحمل فكراً وعقلاً ومنطقاً، بل هي مجرد أصابع في النوتة الموسيقية توظف كل مرة في لحن وإن تناقضت الألحان أو كانت نشازاً. وكما أشرنا من ذي قبل في أكثر من مقال أنه لا ينبغي للمثقف أن يلغي عقله، بل قدر الإمكان يجب ألا يكون إمعة ويقوم بالتنظير لمجرد أنه يحسب أنه بذلك ينال الرضا. وقديماً قيل “أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما”.
بعض مثقفينا ونخبنا حالهم لا يختلف كثيراً عن حال نديم الباذنجان، يرتج عليهم بسبب التطرف في المواقف، ناسين بذلك أن السياسة هي أم كل المتغيرات ولا يكاد يكون فيها ثابت، وهناك أمثلة عديدة تحضرني، ولكن سأكتفي ببيت القصيد؛ لأن من طبائع الأمثلة أنها كما تقرب، فهي تبعد.
ومن يتابع الحراك السياسي والتغييرات التي تطرأ عليه لا يستطيع الجزم بما سيكون غداً؛ ولذلك  يجب ألا يندفع الإنسان في حماسته، بل يجب أن يمشي وهو ينظر أمامه؛ لئلا يقع في أحد المطبات الكبيرة والكثيرة الموجودة في الشارع. ويجب أن يحترم عقله في تحيزه لموقف دون آخر، وألا يتفوه بما يلقمه حجراً في المستقبل حين يصير ملكياً أكثر من أصحاب الفخامة.
مؤخراً وبعد وضع النقاط على الحروف في موضوع التجنيس، هل سيظل أحد يزايد على توجيهات القيادة، أم سلتزم الجميع بسكاته بعدما استوعب أن باب القيادة المفتوح ومواقفها المنفتحة عصية على المزايدة ولا تطلب من أحد الغزل الصريح المبتذل. الأمانة في النقد هي المطلوبة؛ لأنه لا القيادة ولا التاريخ ولا الشعب البحريني يرحبون بأصدقاء الباذنجان الذين سنسمع منهم في المقبل من الأيام الكثير مما يتناقض ومواقفهم السابقة التي سيتبدى خورها وتجوفها لكل ذي عينين.

“إن خير من استأجرت القوي الأمين”

الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

الحزن على الحسين من سنة نبينا









الأربعاء 15 ديسمبر 2010

المتأمل لحال الجموع والحشود التي باتت تحيي ذكرى الإمام الحسين عليه السلام يتساءل عن جذور هذه الشعائر وأين ومتى بدأت، وهل ابتدعتها فرقة من فرق المسلمين، أو إحدى الأمم المسلمة، أم ان لها جذوراً تشبه في عمقها وفي تلقائيتها ما يحصل في المناسبات الأخرى ذات الطابع الديني.
الأصل بالطبع في كل حكم إسلامي أن يكون وارداً في كتاب الله العزيز أو سنة نبيه المطهرة، وربما كان من التكرار النافع أن نعرف السنة النبوية بأنها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعله وتقريره. من هذه السنة عرفنا إحياء أعياد المسلمين وعرفنا إحياء ليلة القدر وعرفنا أعمال رمضان والحج وعرفنا تعظيمها بمختلف المظاهر التي تعبر عن الفرح تارة والخشوع أخرى والتسليم تارة أخرى. ولا استغراب أن تدخل وسائل مستحدثة أو مظاهر شعبية لكل أمة في التعبير عن هذه المشاعر وتتداخل ويتم تناقلها، إلا أن المهم أن يكون الأصل ثابتاً ليمكن تنقيح ما دخل عليه من زيادة إن وجد فيها ما يتعارض مع أحكام الشريعة.
ومن الثابت في السنة بلا ريب ذكر مصيبة الإمام الحسين عليه السلام ومقتله مع ثلة من أصحابه وأسرته في كربلاء في العراق ومن الثابت إبداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإبداء أهل بيته وأصحابه الحزن والأسى لما يحدث من تجرؤ على المقام النبوي بذبح السبط الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب دون ذنب أو جرم اقترفه إلا امتناعه عن بيعة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب. حفيد رسول الله يقتله حفيد من كان حرباً لرسول الله، ووالد السبط يحاربه والد يزيد، والقرآن الكريم يصرح بأنه لا مقارنة بين مؤمني ما قبل الفتح ومؤمني ما بعد الفتح ولا المؤلفة قلوبهم ولا من قال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. فما بالنا والمقتول ريحانة الرسول وسيد شباب الجنة.
وقولي انه من الثابت، هو ادعاء يلزمه أدلة لمن لا يراه ثابتاً، ولا أكتفي بثبوته بكلام العلماء من أهل المذاهب ولا الأئمة فما كل المسلمين يقولون بالإمامة، ولكن كلهم يأخذون عن أشرف الخلق صاحب السنة المطهرة وساكن المدينة المنورة.
وبين يدي مجموعة من الأحاديث الواردة عند عموم المسلمين وفي كتبهم المعتبرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تتكلم عن مواقف تزيد عن خمسة عشر موقفاً يقص النبي فيها إجمالاً ما يحدث للإمام الحسين عليه السلام ثم يبكي لذلك تأثراً ويبكي في بعضها الحاضرون من الصحابة، ولنا في رسول الله أسوة حسنة. أختار من هذه المواقف ما يلي:
- قالت أسماء بنت عميس: “... فلما ولد الحسين فجاءني النبي (ص) فقال يا أسماء هاتي ابني فدفعته اليه في خرقة بيضاء، فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ثم وضعه في حجره وبكى، قالت أسماء: فداك أبي وأمي مم بكاؤك؟ قال: على ابني هذا قلت: إنه ولد الساعة، قال: يا أسماء تقتله الفئة الباغية لا أنالهم الله شفاعتي، ثم قال: يا أسماء لا تخبري فاطمة بهذا فإنها قريبة عهد بولادته.
- وفي بيت أم المؤمنين أم سلمة: قالت: كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبي في بيتي فنزل جبريل فقال: يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك فأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول الله وضمه إلى صدره، ثم قال رسول الله: وديعة عندك هذه التربة، فشمها رسول الله وقال: ريح كرب وبلا. قالت: وقال رسول الله: يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أن ابني قد قتل. قال: فجعلتها أم سلمة في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول إن يوماً تحولين دماً ليوم عظيم.
- وفي بيت أم المؤمنين عائشة: قالت: ان الحسين بن علي دخل على رسول الله فقال النبي: يا عائشة ألا أعجبك لقد دخل علي ملك آنفاً ما دخل علي قط فقال: إن ابني هذا مقتول وقال إن شئت أريتك تربة يقتل فيها، فتناول الملك بيده فأراني تربة حمراء.
والأحاديث المذكورة وغيرها مذكورة بأسانيدها وتوثيق رجالها عند علماء الحديث ومصادرها المعتبرة عند المسلمين مثل ابن عساكر والطبراني والبيهقي والحاكم وابن حنبل، وللقارئ الاطلاع عليها جميعاً من كتاب سيرتنا وسنتنا المشتمل على محاضرة الشيخ الأميني في نفس الموضوع وبشكل موسع.
الحسين عليه السلام ليس لطائفة دون أخرى ولا لمذهب دون آخر، ولذلك نجد الشيخ عبدالحميد الكشك أو الشيخ نبيل العوضي وغيرهم ينعون الحسين بحرقة، ونرى كيف وضح الشيخ محمد العوضي أن الصورة المرسومة لتبرئة يزيد بن معاوية مزيفة، ككثير من الزيف الموجود في تاريخنا وتاريخ العالم.
والله من واء القصد...
قال الله في محكم كتابه العزيز “إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً”.

الأحد، 12 ديسمبر 2010

و من مثل الشيخ باقر؟









الأحد 12 ديسمبر 2010

منذ حداثة سننا ونحن نسمع اسم الشيخ باقر عندما يذكر الحزم في الأمور وعدم المواربة في إظهار القناعات. وهو الشيخ باقر بن الشيخ أحمد آل عصفور المتوفى في عام 1979 عن عمر يناهز السادسة والتسعين عاماً، حياة قضاها بين طلب العلم الديني، والقضاء الشرعي، وإعداد المؤلفات، وتبليغ الأحكام. والشيخ الذي لم ندركه، ولكن سيرته العطرة تكون حاضرة دوماً خصوصاً في شهر المحرم حين يكون الكلام عن موضوع تنزيه الشعائر الذي يتلازم مع اسم الشيخ باقر.
فقد تصدى الشيخ في حياته لمحاربة البدع ولتنزيه الشعائر مما يشوبها من أعمال خارجة عنها وأفعال مفسدة لها.
ومن أهم ذلك ما انتشر في زمان الشيخ من استعمال الموسيقى في مواكب العزاء. وفي ذلك ينقل عنه الأخ العزيز محمود طرادة في كتابه “العقد الزاهر في ترجمة الشيخ باقر” في إحدى خطب العيد قوله: “حقرتم هذا الشعار بالمزمار ولم تعظموه لو كنتم تعقلون، وقادتكم الأهواء إلى الأسواء باسم العزاء، فصرتم تتفكهون بالمحرم على حساب المأتم، وتحسبون أنكم تحسنون بهذا المأثم، وهذا تدليس وإغواء من إبليس، وجرم عظيم وطلاء تموهون به على الأغبياء وضعيفي العقول، ومعاذ الله جل علاه، وحاشا أبا عبدالله روحي فداه، أن يرضى بهذه السفاسف، واللهو بالملاعب والمعازف”.
وقال في خطبة أخرى: “ولكن يا للأسف إن الشيعة الخلف، خالفوا السلف، وأدخلوا في العمل الفضول، واستعملوا المزامير والطبول، فأفسدوا على أنفسهم العمل والقبول، وعملوا بغير المأمور والمأثور، وفي كل عام تزداد الزمور والطبول وألوان الألحان؛ لاستهواء النساء والصبيان”.
إن هذا التصدي الحازم هو ما يجعلنا نستذكر الشيخ دوماً في مثل هذا الموضوع الشائك، وهو تنزيه الأعمال والمناسبات الدينية من كل ما يخرج عن أهدافها ومضمونها المشرع إلى ما يفسد مشروعيتها ويضيع ثوابها.
 الموسيقى والمؤثرات:
رغم عدم عودة الموسيقى للعزاء بالزخم الذي عاصره الشيخ رحمه الله، إلا أن استعمالها موجود حالياً حتى في البحرين بشكل منفرد في موكب موسيقي. والنغمات ليست حاضرة في الموكب وحسب وإنما هي موجودة بشكل أقوى وأبلغ في الإصدارات والأشرطة الفردية للرواديد، والتي تستخدم مؤثرات صوتية قد لا تكون صادرة من آلات ولا أدوات موسيقية، إلا أنها تعطي الأثر نفسه في النفس وإن كانت أصواتاً بشرية أو صادرة من الكمبيوتر.
ما يزعج في استخدام المؤثرات بهذا الشكل القوي والفاقع، ليس فقط وجود إشكالية شرعية مرتبطة بأحكام الموسيقى فقط. إلا أن لها أثراً آخر في تفريغ الشعار والشعيرة من مضمونهما بشكل كبير. فإلى جانب الفيديو كليب الذي ظهر في السنوات الأخيرة، تحولت الإنتاجات إلى لون آخر من ألوان العمل الفني، يتشابه في المؤثرات والأدوات والألحان والاختلاف الموجود يكون أكثر ما يكون في الكلمات.
ورغم التأصيل الحاصل في النتاجات العزائية واستخدام النصوص القديمة والأشعار المتميزة، إلا أن الزخم الموجود يجعل المستمع لا يعيش المعنى بقدر ما يتوجه إلى الألحان التي تواكب الموضات وأحدث إصدارات الموسيقى التي قد تكون ألحاناً غنائية.
المشاركة النسائية:
رغم وجود مآتم للنساء، إلا أن الحضور اللافت للنساء في جوانب بعض مواكب العزاء في كثير من المناسبات للفرجة على العزاء في الشوارع من الأمور التي قلَّ من يتصدى لها للإرشاد لعدم جوازها أو إظهار ما تحمله من تناقض مع القيمة الروحية والدينية للعزاء. إذا كان من مصداق للاختلاط الفاسد والفاقع، فهذا من مصاديقه التي تخاذل أهل زماننا من علماء وعوام للتصدي لها.
المنبر السياسي:
في هذا الجانب، رغم عودة الناس لرفض استغلال منبر الإمام الحسين عليه السلام للقضايا السياسية، إلا أن المعنى يجب تركيزه بقوة عند أذهان الناشئة والناس عموماً. وهو أن شأن الإمام الحسين شأن أعظم بكثير من القضايا الوقتية، وإحياء ذكراه بالشكل الذي يرى المسلمون مشروعيته من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس مرتبطاً بقضية وقتية أو بجانب سياسي أو توجيه معاصر. فمقتله عليه السلام هو ظهور لعدم اكتراث الجناة بمكانته الدينية من كونه سيد شباب الجنة وسبط الرسول الأعظم في المقام الأول وهذا في حد ذاته مصيبة، إضافة للتفصيلات الأخرى في الموضوع التي لا يتسع المقام لذكرها.
رحم الله الشيخ باقر آل عصفور، فالحديث في تنزيه الشعائر، وإن كان يمثل نقداً ذاتياً قد لا يكون محبباً للناس، إلا أن قيمته تكمن في التذكير بالمفاهيم العظيمة والمثل العليا والأخلاق النبوية التي هي نفسها الأساس للمبادئ التي دعا إليها الإمام الحسين عليه السلام، والله من وراء القصد.

الأربعاء، 8 ديسمبر 2010

هل المحرم...شكراً جلالة الملك










الأربعاء 8 ديسمبر 2010

ها هو هلال شهر محرم الحرام يهل علينا من جديد، معلناً بدء عام هجري جديد بحسب التقويم القمري الإسلامي. لهذا الشهر طابع خاص في البحرين، حيث تعود أهلها منذ غابر الأيام على إحياء ذكر أهل البيت والتفجع لمصيبة سيد شباب أهل الجنة الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.
هذه النكبة التي مرت بالأمة الإسلامية حين وقع فعلها مصداقاً للمأثور عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: “لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، فلو دخلوا جحر ضب لدخلتموه”. فقد وقعت الأمة حينها في ما وقعت فيه سالف الأمم من قتل أبناء الأنبياء وخيرة الخلق والتآمر عليهم وطلب محو ذكرهم.
وأبى الله إلا أن يقيض من خلقه من يحيون ذكر آل بيت نبيهم ويبينون فضائلهم ومظالمهم التي ربما كان أعظمها الرزء الذي جرى للإمام الحسين وأهل بيته. فقد طوردوا ولوحقوا للخروج من مكة والمدينة في موسم الحج ثم حوصروا في العراق. حينها طالبهم أتباع يزيد بن معاوية بالنزول على حكمه أو القتل وأبوا أن يخلوا بينهم وبينه، وأبوا أن يسمحوا لهم بالمضي وأبوا أن يسمحوا لهم بالرجوع كما أبوا أن يسمحوا لهم بالتوجه إلى أحد ثغور المسلمين يبقون فيه ويدافعون عن حمى الإسلام.
واضح لكل ذي عينين ممن قرأ التاريخ جيداً أن من حاصر الإمام الحسين كان يطلب دمه، ولا يطلب شيئاً آخر، وان كل المؤشرات السياسية تشير إلى ما تنبأ به الحسين نفسه وهو في مكة فقال “كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا”. فكان أن قتل مظلوماً بأبي وأمي، وجرى عليه وعلى أهل بيته ما جرى.
بل ان مقتله كان من خبر جده الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول والحسين عليه السلام في حجره: “إنَّ ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق ألا فمن شهده فلينصره”. وروي في أحاديث كثيرة أن النبي بكى عليه وعلى قتله وهو طفل صغير.
وجرياً على عادته السنوية الحميدة، قام عاهل البلاد صاحب الجلالة الملك المفدى بتخصيص مكرمته السنوية لعاشوراء الإمام الحسين، التي يفتخر كل بحريني بإحياء شعائرها، وان هذا الإحياء يتم برعاية ملكية وحكومية كل عام، فبين تخصيص إجازة سنوية ليومي تاسوعاء وعاشوراء وهي العادة التي لم تنقطع من عهد الآباء والأجداد، وبين دعم احتياجات الحسينيات في كل عام في عاشوراء، إلى توفير الخدمات الأمنية والصحية، إلى غير ذلك من انواع الرعاية لشعائر عاشوراء وإحياء ذكر آل بيت محمد صلى الله عليه وسلم.
ولا بد لي هنا أن أتقدم بوافر الشكر الجزيل لمليكنا المفدى على كل ما قدمه ويقدمه بشكل مستمر لأبناء شعبه وفي خدمة دينه ووطنه وأسأل الله العلي القدير أن يجعل كل ذلك في ميزان أعماله الخيرة، ويسدده لكل ما فيه خير وصلاح الأمة.
كبيرة هي البحرين بمليكها وبشعبها وبتمسكها بقيمها ودينها وبرسالة نبيها وبمحبة أهل بيته الطيبين الطاهرين. يقول الله جل وعلا في محكم كتابه الكريم “قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى”.

الأحد، 5 ديسمبر 2010

قولة الحمد لله وموضوع الكتلة الأكبر




















الأحد 05 ديسمبر 2010

الكلام مؤخراً عن إعادة هيكلة الدعم للمحروقات والمواد الغذائية، كان كفيلاً بجعل المواطنين بشرائحهم كافةً يحسون بنعمة موجودة، كادوا ينسون قيمتها وينسون أن يحمدوا الله عليها لأنها موجودة منذ عقود. ولا شك أن زوال هذه النعمة سيكون خسارة كبيرة لكل المواطنين، إذ سيتحول الوضع إلى شبيه بما هو موجود في دول أخرى غير نفطية.
هذا الكلام لا يعني بتاتاً أننا مع رفع الدعم، على العكس، فالدعم كما قلنا في مقال سابق هو الساتر الوحيد الموجود لكثير من عورات التنمية الموجودة عندنا. كما أنه هو المصداق الوحيد لتقسيم الثروات في البحرين. ولذلك نتمنى أن يتم دعم البحريني بصورة أكبر وأكبر.
المواطن في عهد الانفتاح والإصلاح صار مستحقّاً لعلاوات تغطي الغلاء، وأخرى بدلاً للإسكان، وثالثة للإعاقة، ورابعة لمحدودي الدخل. والنظر في الأعداد الهائلة التي تتلقى هذه الأنواع من الدعم كفيل بتوضيح صورة الوضع الحالي للبحرينيين ومدى احتياجهم لأساسيات الحياة.
كل هذه العلاوات تدخلنا في معضلة وضع تعريفات للحاجة والفقر والإعاقة والمسكن اللائق، ولا أود التذكير بالأمثلة والشواهد. ورفع الدعم سيدخلنا في المتاهة ذاتها من جديد، لأن الغلاء سيزداد، والحاجة ستتضاعف.
في ظل هذه الأوضاع، نجد الكثير من فئات المجتمع من مواطنين وكتاب وجمعيات يضعون ثقل تمنياتهم على كاهل النواب، والنواب فقط. وأنا ضد هذا التوجيه جملةً وتفصيلاً. فشأن الخدمات والمستوى المعيشي والرفاه الاجتماعي يجب أن يكون شأناً حكوميّاً بالدرجة الأولى وذلك لأكثر من سبب.
السبب الأول هو أن الحكومة هي الجهة التنفيذية وهي التي عليها وضع البرامج لتسيير هذه الشؤون ذات الطبيعة التنفيذية، وللنواب حق الرقابة والتشريع جنباً إلى جنب مع باقي المؤسسات المختصة مثل مجلس الشورى وديوان الرقابة.
السبب الثاني، أننا لا نتمنى أن تكون هذه الملفات والاستحقاقات محل تنافس بين النواب، بحيث يصير أحدهم هو صاحب الفضل والآخر لا فضل له في تنافس محموم تدخل فيه حسابات الترشح للأدوار المقبلة فقط ويتحول الهم مناطقيّاً.

السبب الثالث أنه من الإجحاف أن يكون الخلل حكوميّاً والإنجاز نيابيّاً. فتقييمنا لأداء مؤسسات الدولة لا يعني أن نبخسها حقها من الثناء عند الإنجاز وننسبه إلى الآخرين. فالحكومة عملت وتعمل جنباً إلى جنب مع باقي المؤسسات الدستورية، لها إنجازاتها الكثيرة، إلا أن الطموح دائماً أكبر من الواقع، وهذا هو ما يدفع فعليّاً عجلة التنمية.
نقطة بخصوص تطلعات الشعب البحريني، فأولويات البحرينيين الحالية أكثرها تستقر في المستويين الأول والثاني، وهما الحاجات الأساسية. ولا شك عندي أن تحقيق الإنجازات على هذين المستويين يكفل للحكومة أن تكون الكتلة الأكبر. ومعنى ذلك أن اهتمام الناس عندنا بالسياسة والجمعيات مرده بحثهم عن أمل، وأينما وجد هذا الأمل فسيظل الناس وراءه. وإذا كانت طلبات الإسكان جاوزت 47 ألف طلب فمعنى ذلك أن 47 ألف عائلة دخلت السياسة من نافذة الإسكان، وسيكون بطلها السياسي من يُسكِنُها في منزل العمر.
إن الجمعيات واللاعبين السياسيين يخلقون التطرف عبر استغلال الحاجة، والمتاجرة بآلام الناس، وكما تجفف الدولة منابع الإرهاب عبر محاربة غسل الأموال ومراقبة التبرعات للجهات المشبوهة، كذلك عليها أن تسعى جاهدة لحلحلة الملفات المعيشية لتقطع الطريق على المشككين والمتاجرين والمزايدين إن وجدوا.
هل تعتقدون أنه إذا تم حل ملف الإسكان سيظل لأي جمعية سياسية مؤيد؟ لا أعتقد.