منذ حداثة سننا ونحن نسمع اسم الشيخ باقر عندما يذكر الحزم في الأمور وعدم المواربة في إظهار القناعات. وهو الشيخ باقر بن الشيخ أحمد آل عصفور المتوفى في عام 1979 عن عمر يناهز السادسة والتسعين عاماً، حياة قضاها بين طلب العلم الديني، والقضاء الشرعي، وإعداد المؤلفات، وتبليغ الأحكام. والشيخ الذي لم ندركه، ولكن سيرته العطرة تكون حاضرة دوماً خصوصاً في شهر المحرم حين يكون الكلام عن موضوع تنزيه الشعائر الذي يتلازم مع اسم الشيخ باقر.
فقد تصدى الشيخ في حياته لمحاربة البدع ولتنزيه الشعائر مما يشوبها من أعمال خارجة عنها وأفعال مفسدة لها.
ومن أهم ذلك ما انتشر في زمان الشيخ من استعمال الموسيقى في مواكب العزاء. وفي ذلك ينقل عنه الأخ العزيز محمود طرادة في كتابه “العقد الزاهر في ترجمة الشيخ باقر” في إحدى خطب العيد قوله: “حقرتم هذا الشعار بالمزمار ولم تعظموه لو كنتم تعقلون، وقادتكم الأهواء إلى الأسواء باسم العزاء، فصرتم تتفكهون بالمحرم على حساب المأتم، وتحسبون أنكم تحسنون بهذا المأثم، وهذا تدليس وإغواء من إبليس، وجرم عظيم وطلاء تموهون به على الأغبياء وضعيفي العقول، ومعاذ الله جل علاه، وحاشا أبا عبدالله روحي فداه، أن يرضى بهذه السفاسف، واللهو بالملاعب والمعازف”.
وقال في خطبة أخرى: “ولكن يا للأسف إن الشيعة الخلف، خالفوا السلف، وأدخلوا في العمل الفضول، واستعملوا المزامير والطبول، فأفسدوا على أنفسهم العمل والقبول، وعملوا بغير المأمور والمأثور، وفي كل عام تزداد الزمور والطبول وألوان الألحان؛ لاستهواء النساء والصبيان”.
إن هذا التصدي الحازم هو ما يجعلنا نستذكر الشيخ دوماً في مثل هذا الموضوع الشائك، وهو تنزيه الأعمال والمناسبات الدينية من كل ما يخرج عن أهدافها ومضمونها المشرع إلى ما يفسد مشروعيتها ويضيع ثوابها.
الموسيقى والمؤثرات:
رغم عدم عودة الموسيقى للعزاء بالزخم الذي عاصره الشيخ رحمه الله، إلا أن استعمالها موجود حالياً حتى في البحرين بشكل منفرد في موكب موسيقي. والنغمات ليست حاضرة في الموكب وحسب وإنما هي موجودة بشكل أقوى وأبلغ في الإصدارات والأشرطة الفردية للرواديد، والتي تستخدم مؤثرات صوتية قد لا تكون صادرة من آلات ولا أدوات موسيقية، إلا أنها تعطي الأثر نفسه في النفس وإن كانت أصواتاً بشرية أو صادرة من الكمبيوتر.
ما يزعج في استخدام المؤثرات بهذا الشكل القوي والفاقع، ليس فقط وجود إشكالية شرعية مرتبطة بأحكام الموسيقى فقط. إلا أن لها أثراً آخر في تفريغ الشعار والشعيرة من مضمونهما بشكل كبير. فإلى جانب الفيديو كليب الذي ظهر في السنوات الأخيرة، تحولت الإنتاجات إلى لون آخر من ألوان العمل الفني، يتشابه في المؤثرات والأدوات والألحان والاختلاف الموجود يكون أكثر ما يكون في الكلمات.
ورغم التأصيل الحاصل في النتاجات العزائية واستخدام النصوص القديمة والأشعار المتميزة، إلا أن الزخم الموجود يجعل المستمع لا يعيش المعنى بقدر ما يتوجه إلى الألحان التي تواكب الموضات وأحدث إصدارات الموسيقى التي قد تكون ألحاناً غنائية.
المشاركة النسائية:
رغم وجود مآتم للنساء، إلا أن الحضور اللافت للنساء في جوانب بعض مواكب العزاء في كثير من المناسبات للفرجة على العزاء في الشوارع من الأمور التي قلَّ من يتصدى لها للإرشاد لعدم جوازها أو إظهار ما تحمله من تناقض مع القيمة الروحية والدينية للعزاء. إذا كان من مصداق للاختلاط الفاسد والفاقع، فهذا من مصاديقه التي تخاذل أهل زماننا من علماء وعوام للتصدي لها.
المنبر السياسي:
في هذا الجانب، رغم عودة الناس لرفض استغلال منبر الإمام الحسين عليه السلام للقضايا السياسية، إلا أن المعنى يجب تركيزه بقوة عند أذهان الناشئة والناس عموماً. وهو أن شأن الإمام الحسين شأن أعظم بكثير من القضايا الوقتية، وإحياء ذكراه بالشكل الذي يرى المسلمون مشروعيته من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس مرتبطاً بقضية وقتية أو بجانب سياسي أو توجيه معاصر. فمقتله عليه السلام هو ظهور لعدم اكتراث الجناة بمكانته الدينية من كونه سيد شباب الجنة وسبط الرسول الأعظم في المقام الأول وهذا في حد ذاته مصيبة، إضافة للتفصيلات الأخرى في الموضوع التي لا يتسع المقام لذكرها.
رحم الله الشيخ باقر آل عصفور، فالحديث في تنزيه الشعائر، وإن كان يمثل نقداً ذاتياً قد لا يكون محبباً للناس، إلا أن قيمته تكمن في التذكير بالمفاهيم العظيمة والمثل العليا والأخلاق النبوية التي هي نفسها الأساس للمبادئ التي دعا إليها الإمام الحسين عليه السلام، والله من وراء القصد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق