الأحد 19 ديسمبر 2010
من روائع شعر أمير الشعراء الراحل أحمد شوقي مجموعته المتمثلة في قصص الحيوان وقصص الحكمة التي يكتبها على شكل أرجوزات خفيفة الوزن والقافية، إلا أن معانيها غاية في الروعة والجمال. من ضمن هذه القصائد قصيدة تشرح سلوك أحد ندماء السلطان والذي يفرط في النفاق والمجاملة للسلطان؛ ليحوز رضاه بأي شكل أو طريقة بغض النظر إن كان لكلامه وتصرفاته معنى أو لم يكن.
تسهب القصة في أن السلطان كان يعلم بنفاق هذا، إلا أنه يغض الطرف عنه؛ ترفعاً سلطانياً جبل عليه عن كل صغير من الصغائر. حتى وقع ذلك النديم في زاوية حرجة لا يستطيع الخروج منها، حيث جيء على الطعام بباذنجان، فذكر السلطان حبه للباذنجان، فتبرع النديم بمدح الباذنجان مدحاً مفرطاً لا مثيل له وقطع على نفسه كل خط للرجعة. هنا قال السلطان أن عيب الباذنجان بعض المرارة التي تشوبه أحياناً، وكعادته أفرط صاحبنا في ذم الباذنجان وعيوبه، وكأنه قد نسي ما قاله هو نفسه للتو من مديح.
فالتفت السلطان فيمن حوله *** وقال كيف تجدون قوله
قال النديم يا مليك الناس *** عُذرا فما في فعلتي من باس
جُعلت كي أنادم السلطانا *** ولم أنادم قط باذنجانا
وحال نديم الباذنجان هنا يشبه حال الأقلام الراقصة التي لا تحمل فكراً وعقلاً ومنطقاً، بل هي مجرد أصابع في النوتة الموسيقية توظف كل مرة في لحن وإن تناقضت الألحان أو كانت نشازاً. وكما أشرنا من ذي قبل في أكثر من مقال أنه لا ينبغي للمثقف أن يلغي عقله، بل قدر الإمكان يجب ألا يكون إمعة ويقوم بالتنظير لمجرد أنه يحسب أنه بذلك ينال الرضا. وقديماً قيل “أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما”.
بعض مثقفينا ونخبنا حالهم لا يختلف كثيراً عن حال نديم الباذنجان، يرتج عليهم بسبب التطرف في المواقف، ناسين بذلك أن السياسة هي أم كل المتغيرات ولا يكاد يكون فيها ثابت، وهناك أمثلة عديدة تحضرني، ولكن سأكتفي ببيت القصيد؛ لأن من طبائع الأمثلة أنها كما تقرب، فهي تبعد.
ومن يتابع الحراك السياسي والتغييرات التي تطرأ عليه لا يستطيع الجزم بما سيكون غداً؛ ولذلك يجب ألا يندفع الإنسان في حماسته، بل يجب أن يمشي وهو ينظر أمامه؛ لئلا يقع في أحد المطبات الكبيرة والكثيرة الموجودة في الشارع. ويجب أن يحترم عقله في تحيزه لموقف دون آخر، وألا يتفوه بما يلقمه حجراً في المستقبل حين يصير ملكياً أكثر من أصحاب الفخامة.
مؤخراً وبعد وضع النقاط على الحروف في موضوع التجنيس، هل سيظل أحد يزايد على توجيهات القيادة، أم سلتزم الجميع بسكاته بعدما استوعب أن باب القيادة المفتوح ومواقفها المنفتحة عصية على المزايدة ولا تطلب من أحد الغزل الصريح المبتذل. الأمانة في النقد هي المطلوبة؛ لأنه لا القيادة ولا التاريخ ولا الشعب البحريني يرحبون بأصدقاء الباذنجان الذين سنسمع منهم في المقبل من الأيام الكثير مما يتناقض ومواقفهم السابقة التي سيتبدى خورها وتجوفها لكل ذي عينين.
“إن خير من استأجرت القوي الأمين”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق